63 ألف لاجئ سوري في خيم الزعتري.. لا تقي من مطر ولا برد

لاجئو «الزعتري»: الموت بالرصاص أكثر كرامة من «البرد والجوع» > البعض يبيع الأغطية لسد رمق عائلته

البرد القارس حول حياة الأطفال إلى بؤس يومي (رويترز)
TT

ازدادت شدت معاناة اللاجئين السوريين مع اشتداد فصل الشتاء. رياح وجوع وثلوج لحقت الرصاص والخوف الذي أحاط بسوريين لجأوا إلى الأردن وإلى مخيم «الزعتري» برعاية المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة. لكل واحد من اللاجئين السوريين، الذين فاق عددهم 63 ألفا، قصة خاصة، عن دمار وطن وترحال إلى حين غير معلوم. ومحمد حسن حسين، الذي ترك درعا خوفا على حياته وعلق في مخيم الزعتري منذ 5 شهور، كان أول اللاجئين الذين التقتهم «الشرق الأوسط» في زيارة ميدانية إلى المعسكر الذي يقع على بعد 10 كيلومترات شرق المفرق. تردد محمد كثيرا قبل أن يوافق على الحديث، إذ ما زال الخوف والتوجس يهيمن على كثير من المقيمين في المخيم، كما أنه تردد كثيرا قبل الكشف عن اسمه، لكنه سرعان ما بات يريد أن يسرد قصة النزوح من سوريا إلى الأردن والمعاناة اليومية له ولأبناء وطنه. ويقول: «خرجت من سوريا عن طريق التهريب، من منطقة تل شهاب بسبب خوفي على حياة أسرتي وأبنائي من رصاص جنود النظام، حضرنا إلى المخيم لننعم بالهدوء، ولكن تفاجأنا بحياة غير محتملة أبدا، حيث أعيش وزوجتي ووالدتي وأبنائي الخمسة في خيمتين صغيرتين، لا تقيان من المطر ولا البرد، ولا تتوفر فيهما أبسط مقومات الحياة الإنسانية».

وفي الطريق من عمان إلى الزعتري، تغرق في أسئلة كثيرة عن كيفية عيش اللاجئين السوريين في المخيم الصحراوي القريب من حدود بلادهم البرية مع الأردن، لكن ما إن تقترب من المخيم، حتى تصطدم بقصة واحده هي «مأساة الهجرة والنزوح» البادية بوضوح على وجوه النساء والأطفال والشيوخ، التي ساهمت الظروف المناخية القاسية في مضاعفتها.

وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» داخل المخيم، تتكاثر القصص المأساوية بين المرض والجوع والخوف من المستقبل. وهناك من يسعى إلى الخروج من المخيم على أمل إيجاد عمل أو حل خارج المخيم. ولكن حتى البحث عن حل له تكلفة، إذ هناك حاجة لتأمين 21 دولارا، وكفيل أردني للخروج من المخيم، بالإضافة إلى توقيع تعهّد بالعودة إلى الزعتري خلال 24 ساعة. ويصل الزائر إلى البوابة الشمالية للمخيم بسهولة، لكن الدخول إليه يكون صعبا وبحاجة إلى تصريح من السلطات الأردنية المسؤولة عن إغاثة المخيم الذي يمتد على مساحة 5 آلاف «دونم»، ومحاط بأسلاك شائكة وحراسة أمنية شديدة تمنع الدخول أو الخروج منه، إلا من بوابة رئيسية تتحكم بها قوات الدرك الحكومية، فكان الاتصال بصديق من داخل المخيم وسيلتنا الوحيدة.

محمد حسين قال يعاتب العالم: «ماذا تريدون منا..؟! هربنا من الموت في الداخل لإهمالكم قضيتنا، لكنه يلاحقنا هنا أيضا بإهمالكم لأوضاعنا الإنسانية».

لاجئ آخر طلب عدم تصويره قال: «لا نستطيع الخروج من المخيم.. نحن أشبه بالمحتجزين»، ويضيف: «الخروج يحتاج إلى تقديم طلب إلى السلطات الأردنية، ودفع طوابع بمبلغ 21 دولارا تقريبا، كما أن الموافقة لا تتم إلا في حال حضور مواطن أردني يتعهد بإعادة اللاجئ بعد 24 ساعة إلى المخيم، بمعنى أنك بحاجة إلى (كفيل أردني) للخروج وشراء حاجياتك الضرورية، وهذا صعب ولا يمكن أن يتحقق للجميع».

أما أبو يوسف، كما فضل التعريف عن نفسه، طالب من جانبه السلطات الأردنية بالسماح للاجئين السوريين بحرية التنقل في الأردن من أجل شراء الحاجيات الضرورية وتأمين مبالغ مالية من أقارب لهم في عمان.

* مياه الفيضانات.. والحاجة إلى المدافئ

* المزارع سعيد الذي ترك أراضيه في محافظة درعا، وصف المشهد الذي تحول إليه المخيم بعد هطول الأمطار بأنه «يوم الطوفان»، لقد غرقت الخيام وتوفي 3 أطفال نتيجة تدفق المياه، على حد قوله، ويصرخ قائلا: «نحن بشر؛ نريد حلا، نريد تدفئة وتحسين الخدمات لا أكثر».

الكثير من اللاجئين يؤكدون أنهم وصلوا إلى مرحلة اليأس نتيجة وجودهم في مخيم الزعتري، مشيرين إلى أنهم لم يكونوا يتوقعون أن نزوحهم عن الوطن سينتهي إلى مخيم محاصر لا يمكن لأحد الخروج منه، وفي ظروف غير إنسانية نهائيا.

ويتابع: «أتمنى الموت لكي أرتاح من هذا الحياة، لقد تقدمت بالفعل إلى الجهات المسؤولة عن المخيم بطلب للعودة إلى سوريا بنفس طريقة خروجه من الوطن، وأنه بانتظار الموافقة لكي يغادر إلى الحدود، ومن هناك يدخل سوريا تهريب ليعود إلى بلدته».

نفاد المدخرات وبعض النقود التي أحضرها اللاجئون أيضا ضاعفت من مشكلة كثير من الأسر، لأن العيش في المخيم لا يمكن دون أن تكون هناك بعض النقود لشراء خضراوات ومواد غذائية وملابس.

كثير من اللاجئين وضعوا مشكلة تسرب المياه إلى الخيام خلال الأيام الماضية وغرق بعضها، القضية الأساسية، مؤكدين أن استمرار هذه الموجه من البرد دون توفير أماكن دافئة أو حتى الحصول على وسائل تدفئة كالغاز أو الحطب سوف يكون كارثيا عليهم.

يقول أحدهم: «هدفي الرئيسي اليوم هو الحصول على مدفأة تعمل على الغاز، ولكنني لغاية الآن لم أستطع الحصول عليها مع أنني ذهبت إلى مفوضية اللاجئين في المخيم التابعة إلى الأمم المتحدة، إلا أنهم قالوا لي: ليس لنا علاقة بالتدفئة». ويتحدث بحسرة وحزن ملخصا مشهد اللجوء قائلا: «(الرئيس السوري) بشار الأسد يضربنا بصاروخ أو صاروخين، ونموت بكرامتنا في الوطن، ولكننا هنا نموت ببطء وبلا كرامة»، بينما تقول لاجئة من درعا إن غالبية اللاجئين في المخيم من محافظة درعا لأنها قريبة على الحدود الأردنية السورية، وترى أن أهم مشكلة لهم اليوم هي مشكلة البرد؛ فالخيام لا تحميهم لا من الحر ولا من البرد علاوة على أن البرد شديد في فصل الشتاء في هذه المنطقة الصحراوية ولا يحتمل. وتضيف: «لا يوجد لدينا مدافئ، والبرد نال منا، وأحدث في داخلنا يأسا شديدا، وأدخل المرض لأطفالنا، وحتى الأغطية من بطاطين لا تكفينا، بل إننا نفكر في العودة.. لأن ذلك قد يكون أفضل من البقاء تحت وطأة البرد والجوع والملل في هذا المخيم».

وسوري شاب آخر يقول لم نعد نحتمل العيش هنا في هذا المخيم الصحراوي، وخيمنا لا يوجد فيها «صوبات» للتدفئة، كما أنني مكثت 6 أيام في الخيمة وهي غارقة في المياه، وما نحصل عليه هو فقط بطانيتان، وهما لا تكفيان أحدا.

* كيف يعيش أطفال المخيم؟

* رغم أن البسمة واللامبالاة هي حال أطفال العالم أينما كانوا، فإن أطفال مخيم الزعتري يعيشون ظروفا تجبرهم على الاهتمام، وتحرمهم الابتسامة؛ فالبرد القارس وسوء الظروف المادية جعلا حياتهم اليومية معاناة.

فرغم توزيع الجهات الإغاثية في المخيم حليب للأطفال بالمجان، فإنه غير كافٍ حيث لا يتجاوز مجموع كل ما يوزع على المخيم 120 علبة حليب، ولا يكفي ذلك بالتأكيد لتغطية احتياجات مخيم يقطنه 63 ألف لاجئ نحو نصفهم من الأطفال.

وفي لحظة ما قالت عيون عشرات الأطفال اللاجئين: إلى متى هذا التشرد والذل؟ وإلى متى نبقى في عداد الموتى الأحياء، لا نعرف لنا مصيرا.. ولا أفق لبلدنا، ومئات الآلاف منا يعيشون في العراء؟! على الجانب الآخر، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها المؤسسات الدولية وبعض الدول العربية من إنشاء للمستشفيات والعيادات المتنقلة داخل المخيم، وتقديم الرعاية الصحية الممكنة، فإن عددا من اللاجئين اشتكوا من ضعف الخدمات الصحية المقدمة للأطفال والنساء، بل وانعدامها في بعض الأوقات، ويرون أن المستشفيات الميدانية ليست متطورة كفاية لتقديم العلاج اللازم لهم، وهناك ضعف في إجراء عمليات جراحية لمن يحتاج لذلك، ونقص في الأدوية. أما على صعيد الخدمات التعليمية، فيضم المخيم مجمعا تعليميا تم بناؤه من «الكرفانات» بتكلفة تجاوزت 3 ملايين دولار، ويستوعب نحو 4 آلاف طالب من الصف الأول وحتى شهادة الثانوية العامة، من الذكور والإناث، وتم توفير مدرسين سوريين وأردنيين، بينما يطبق المنهج الدراسي الأردني.

ويقول الطالب خالد سلطان البكار من درعا، وهو في الصف الرابع ويدرس في مدرسة المخيم، إنه حريص على الذهاب إلى المدرسة حتى لا ينقطع عن الدراسة: «لن أتخلى عنها». وهو حال بقية تلاميذ المخيم، لكنهم أيضا يعملون خلال عطلة نصف الفصل الدراسي في غسيل سيارات الضيوف أو العاملين في المخيم للحصول على بعض الدراهم.

للخبز قصة أخرى، حيث تحولت هذه السلعة الأساسية والبسيطة داخل مخيم الزعتري إلى «الفرق بين الحياة والموت»، فالكميات التي توزعها الجهات المسؤولة عن المخيم هي 4 أرغفة فقط لكل عائلة يوميا إلى جانب أرز وبرغل، كما توزع كل أسبوعين 4 علب سردين للشخص ومعلبات أخرى.

ويشتكي المقيمون في المخيم من قلة هذه الكميات، وخاصة في الخبز والمعلبات، إلا أنهم يعترفون بأن كميات الأرز والبرغل تكفيهم، ولكنهم لا يستطيعون تناول الأرز والبرغل يوميا، لعدم وجود طاقة للطبخ، وثانيا الإنسان يمل من نفس الصنف يوميا لذلك يلجأ عدد من اللاجئين لبيع هذه الكميات من الأرز والبرغل لتجار أردنيين بأسعار زهيدة.

* بيئة المخيم.. شوارع «موحلة» و«مياه ملوثة»

* شوارع المخيم الضيقة، التي تحولت بفعل موجة الصقيع والأمطار وسوء خدمات الصرف الصحي إلى «برك» من المياه والطين، صعبت من مهمة التنقل بين المخيمات، لكن كل تلك العوائق لم تمنع بعض اللاجئين من إقامة محلات تجارية من الخيام أو الكرافانات، تباع فيها الخضراوات والفواكه والأدوات المنزلية الأساسية، وخاصة أدوات الطبخ.

وهنا يقول أحد اللاجئين: «البيع والشراء يتم بتبادل السلع أحيانا وليس النقود، كما أن البعض يبيع البطانية التي يتسلمها من هيئات الإغاثة من أجل شراء كيلو من البطاطا أو البندورة لأن ما يوزع من مواد غذائية على اللاجئين لا يكفي على الإطلاق».

مياه الشرب هي الأخرى من المهمات الشاقة التي على كل لاجئ العمل جاهدا للحصول عليها؛ فرغم انتشار خزانات مياه بلاستيكية في عدد من الأماكن داخل المخيم، المكون من خيم صغيرة لا تتجاوز مساحتها 3 أمتار في مترين إضافة إلى كرافانات. ويصف أحد اللاجئين خدمة مياه الشرب بالقول: «حتى مياه الشرب باتت تشكل لنا قلقا، حيث إن الكميات المتوفرة لا تكفي لسد حاجات هذا العدد الهائل من الأسر للاستخدام في الغسل أو الطبخ، كما أن المياه المتوفرة في معظمها غير نقية أو ملوثة أو لا تصلح للاستخدام الآدمي».

في المخيم يوجد عدد كبير من الكرافانات التي توفر مأوى أفضل من الخيام للعائلات، إلا أن القسم الأكبر منهم لا يزال يقطن الخيام، وتعمل السلطات والجهات المشرفة على المخيم هذه الأيام على نقلهم إلى كرافانات جديدة.

ويشكل غياب الكهرباء هاجسا آخر، إذ يعيش اللاجئون في ظلام دامس، وانقطاع تام عن العالم، نتيجة لغياب الكهرباء عن الكرافانات أو الخيام، على الرغم من توفر بعض المصابيح في الشوارع الرئيسية، التي لا تعمل بشكل منتظم.

وتحت شعار تمضية الوقت وسد الحاجات الضرورية ظهرت بعض الدكاكين الصغير التي تبع أشياء غير مألوفة، مثل اللاجئ الذي اختار أن يفتح محلا لبيع النرجيلة ومستلزماتها. ويقول بائع النارجيلة: «حولت الكرافان إلى محل لبيع النارجيلة والتبغ، صحيح أن القليل يشتري النارجيلة، ولكننا نسلي أنفسنا بالبيع القليل.. فالناس هنا يعيشون حياة بائسة وصعبة، ولكن عيننا دوما على الوطن ونتمنى للشعب السوري الحرية وانتصار الثورة من أجل العودة إلى الوطن».

كرافان آخر تحول إلى دكان لعمل الفلافل وبيع الساندويتشات إلى أبناء المخيم وحتى العاملين فيه، فيما تحولت بقية المحال المجاورة له على جانبي الشارع الرئيسي في المخيم، الذي يبلغ عرضة أقل من 3 أمتار إلى محلات صغيرة لبيع الخضراوات والفواكه والأدوات المنزلية، والأحذية وحتى الجلود التي يأتي بها البعض من سوريا، لبيعها في المخيم.

ويقول صاحب محل خضراوات إن تجارا من الأردن أو سوريا يحضروا له الخضراوات والفواكه إلى داخل المخيم ويشتريها منهم، ثم يبدأ ببيعها في المخيم، ويصف أن أرباحه قليلة ولا تتجاوز 300 ليرة سورية في اليوم.