هيومن رايتس: قنابل عنقودية مصرية في سوريا

خبير مصري ينفي والمنظمة الدولية تؤكد معلوماتها

رتل من السيارات على حاجز للجيش الحر عند معبر «باب الهوى» على الحدود التركية أمس (رويترز)
TT

أطلقت «هيومان رايتس ووتش»، أمس، تقريرا مفصلا تؤكّد من خلاله استخدام قوات النظام نوعا جديدا من القنابل العنقودية يعرف بعشوائيته، قائلة إن هذه القنابل مصرية الصنع. وبينما أرجأت الرئاسة المصرية الرد، أمس، على التقرير، قال خبير عسكري مصري لـ«الشرق الأوسط» إن مصر لا تصنع القنابل العنقودية.. لكن مسؤولا بالمنظمة الدولية أكد أن «المعلومات لدى المنظمة تثبت ما جاء بالتقرير».

وردا على أسئلة «الشرق الأوسط»، قال مصدر في الرئاسة المصرية بشأن التقرير، إن هذا الموضوع من المواضيع العسكرية التي لا نتحدث فيها. وأضاف: «ينبغي أخذ تعليق من مسؤول عسكري من القوات المسلحة». وتابع أن رد الرئاسة لن يكون فوريا، ويتطلب الاطلاع على تفاصيل تقرير المنظمة.

وبينما لم يتسنّ الحصول على تعليق فوري من المتحدث باسم الجيش المصري، قال اللواء سامح سيف اليزل الخبير العسكري، إن ما ورد في تقرير «هيومان رايتس» غير منطقي، ويتعارض مع موقف مصر المنحاز للثوار السوريين. وعما إذا كانت مصر تصدر بالفعل ذخائر عنقودية إلى النظام السوري، أم أن هذا التصنيع والتصدير يعود إلى فترات سابقة، قال سيف اليزل إن مصر «على حد علمي الأكيد، لا تصنع القنابل العنقودية ولا أي قنابل ممنوع استخدامها دوليا، وهي فقط تصنع الذخائر التقليدية في مصانع الهيئة العربية للتصنيع».

وتابع سيف اليزل قائلا إن مصر والقوات المسلحة المصرية «لا تساند ولا تساعد الجيش السوري (النظامي) أو حتى الثوار بأي أسلحة أو ذخائر بأي شكل من الأشكال أو بأي طريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولا حتى عن طريق طرف ثالث، وهذا أمر مؤكد.. قولا واحدا».

وقال سيف اليزل إن مدى صدق معلومات «هيومان رايتس ووتش» عليها علامات استفهام، وإن «الشيء الآخر أن علاقة مصر الحالية ودعمها للثوار (في سوريا) يؤكد أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال دعم النظام الحالي بأي شكل من الأشكال». وأضاف أن الحكم الحالي في مصر أعلن عدة مرات دعمه الكامل للثوار، و«من غير المعقول ومن غير المصدق أن تدعم الدولة المصرية الثوار، ثم ترسل الذخائر إلى النظام السوري الذي ينهار، وهذا أمر غير منطقي».

لكن نديم حوري، مدير مكتب المنظمة في لبنان، أكّد لـ«الشرق الأوسط» أن المعلومات التي لدى المنظمة تثبت ما جاء في التقرير، وقال: «ما تم نشره توصلنا إليه من مصادر عدة ويظهر أيضا، على صور التقطها مصورون أجانب، أن هذه القنابل مصرية الصنع، لكن ليس بإمكاننا تحديد السنة التي حصلت عليها سوريا فيها»، لافتا إلى أن «مصر من الدول التي تصنّع القنابل العنقودية، وسبق للمنظمة أن طلبت منها التوقف عن تصنيع هذا النوع من الأسلحة الممنوع دوليا».

وقال مدير قسم الأسلحة وحقوق الإنسان في المنظمة ستيف غوس: «تقوم سوريا بتصعيد وتوسيع استخدامها للذخائر العنقودية على الرغم من الإدانة الدولية لاستخدامها هذا السلاح المحظور، وهي تلجأ الآن إلى نوع من الذخائر العنقودية يعرف بالعشوائية وعدم التمييز، ويمثل تهديدا خطيرا للتجمعات السكنية المدنية».

بدوره، قال ضابط في الجيش الحر لـ«الشرق الأوسط» إن سوريا حصلت على هذه القنابل من إيران وروسيا خلال فترة التسعينات، بينما ثبت استخدام النظام لصواريخ «أرض - أرض» كتب عليها: «الهيئة المصرية للتصنيع الحربي»، مضيفا: «المعطيات التي لدينا تؤكد أن النظام عمد إلى استخدام القنابل العنقودية للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتحديدا في منطقة الرستن وجبل الزاوية في ريف إدلب، وفي الفترة الأخيرة أصبح استخدامها على نطاق أوسع، ويوم أمس استخدمت في درعا والرستن أيضا»، موضحا أن «النظام كان في بداية الأمر يعمد إلى استخدام هذه القنابل في المناطق التي يصعب الوصول إليها بالمدفعية، أما اليوم فلم يعد أمامه أي عائق أمام استخدامها، على الرغم من أنها تحتاج إلى طلعات جوية لترمى بطائرات (سيخوي) أو (طائرات 21)، من الأولى يمكن أن ترمى بين 7 و8 قنابل، ومن الثانية قنبلتان، فيما تحتوي كل قنبلة على نحو 900 قنبلة صغيرة، كل منها قادرة على قتل شخصين».

وفي حين يعتبر الضابط أن النظام يملك ترسانة كبيرة من القنابل منذ عشرات السنين، وبعض منها منتهية الصلاحية، مشيرا إلى أن الكمية التي لديه تكفي لإبادة سوريا، ولا يحتاج إلى الحصول على المزيد، يلفت إلى أنه يعتمد اليوم على الأسلحة ذات التكلفة المتدنية قدر الإمكان، وبالتالي يلجأ إلى استخدام براميل الـ«تي إن تي» وما تعرف بالقنابل «الفراغية» إضافة إلى «الانشطارية» و«المتشظية».

كذلك، يشير الضابط إلى أن «النظام عمد إلى استخدام الأسلحة الكيماوية بكميات قليلة، في منطقة الرستن في نهاية عام 2011، عن طريق الصرف الصحي، وأدى ذلك إلى حصول حالات اختناق بين المدنيين»، مؤكدا، في الوقت عينه، وفاة 6 عناصر من الجيش الحر منذ 15 يوما، نتيجة هذا النوع من الأسلحة في منطقة دوما، وذلك، بعدما نجحوا في الاستيلاء على «كتيبة الإشارة»، حيث دخلوا لاستكشاف المركز، وإذا بعدد منهم يقوم بتفحص المواد الموجودة في الداخل، الأمر الذي أدى إلى إصابتهم بالتشنّج والانكماش إلى أن فارقوا الحياة بعد ساعات قليلة، وهذه هي أعراض ما يعرف بالكيماوي.

من جهتها، وفي تقريرها الأخير، ذكرت «هيومن رايتس» أن الأدلة تشير إلى «استخدام القوات السورية لقاذفات الصواريخ من طراز «بي إم 21 غراد» متعددة الفوهات لإطلاق القذائف العنقودية في هجمات بالقرب من مدينة إدلب، في ديسمبر (كانون الأول) 2012، وفي بلدة اللطامنة شمال غربي حماه، في 3 يناير (كانون الثاني) 2013».

وأدى الهجوم في اللطامنة إلى مقتل مدني وجرح 15 آخرين بينهم نساء وأطفال، فضلا عن مقتل مدني آخر بفعل ذخيرة غير منفجرة، بحسب المنظمة.

أما في إدلب، فقد التقطت صحافية دولية «الصور لبقايا الذخائر العنقودية وبقايا الصواريخ الأرضية المستخدمة في هجوم الخامس من ديسمبر» في منطقة خارج قرية بنين في جبل الزاوية في 12 ديسمبر الماضي. ونقلت المنظمة عن مقاتل معارض قوله إن «أحد أفراد الجيش السوري الحر قتل في الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، حينما حمل ذخيرة صغيرة غير منفجرة إلى سيارته».

واستندت المنظمة إلى مقابلات مع شهود وأشرطة مصورة بثها ناشطون على الإنترنت وصور فوتوغرافية التقطها صحافيون، لتخلص إلى أن القوات استخدمت قاذفات تطلق صواريخ تحمل ذخائر تعرف باسم «الذخائر التقليدية المحسنة مزدوجة الاستخدام». وتحمل هذه القاذفات على شاحنة ويمكنها إطلاق 40 صاروخا يصل مداها إلى 40 كيلومترا. وجددت المنظمة مطالبتها القوات النظامية بأن «توقف على الفور أي استخدام للذخائر العنقودية» المحظورة بموجب معاهدة دولية لم توقعها سوريا.