تأجيل البت في طلب خروج جورج إبراهيم عبد الله حتى نهاية الشهر

ضغوط أميركية وإسرائيلية تعرقل القرار الفرنسي لإطلاقه.. وميقاتي يعتبر التأخير «خطوة غير مبررة»

جورج إبراهيم عبد الله
TT

اعتصم ناشطون لبنانيون أمام السفارة الفرنسية في بيروت أمس، احتجاجا على إرجاء فرنسا إطلاق سراح الأسير اللبناني جورج عبد الله، الذي قرر القضاء الفرنسي الإفراج عنه قبل أربعة أيام، على أن يطلق سراحه أمس.. بينما أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في اتصال هاتفي بسفير فرنسا لدى لبنان باتريس باولي أن التأخير في الإفراج عن عبد الله «خطوة غير مبررة وتمس حقوقه المدنية»، متمنيا «الإسراع في إطلاقه». وشدد ميقاتي في الوقت ذاته على «اتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة لحماية أمن السفارة الفرنسية في خلال التحرك الشعبي الاحتجاجي».

من الناحية النظرية، ووفقا لأحكام قانون العقوبات الفرنسي، كان يحق لعبد الله (الذي أدين وحكم عليه بالسجن المؤبد لمشاركته في قتل دبلوماسيين أميركي وإسرائيلي في باريس عام 1982) أن يخرج من السجن في عام 1999. لكنه - وبعد 28 عاما من دخوله إليه - ما زال المناضل المنتمي إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأحد قادة الفصائل الثورية المقاتلة اللبنانية نزيلا في سجن لانميزان «جنوب غربي فرنسا».

وأمس، خابت آمال لجنة الدعم التي تضغط لإخراج عبد الله من السجن. ورغم القرار المبدئي الذي اتخذته محكمة متابعة الأحكام في جلستها المنعقدة بتاريخ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) في باريس بالموافقة على إطلاق السجين اللبناني الأشهر في فرنسا، شرط أن يصدر عن وزارة الداخلية أمر بطرده من الأراضي الفرنسية وتأكيد محكمة الاستئناف بتاريخ 10 يناير (كانون الثاني) القرار، إلا أن إخلاء السبيل لم يحصل أمس، ولن يحصل سريعا، لأن أمر الطرد لم يصدر عن وزارة الداخلية. ولذا، فإن جلسة المحكمة صباح أمس لم تدم طويلا وقررت تأجيل النظر بالدعوى إلى 28 من الشهر الحالي.

وثمة عقبتان رئيسيتان ما زالتا تحولان دون خروج عبد الله، الأولى هي الحاجة إلى قرار بالطرد وزير الداخلية مانويل فالس، والثانية امتناع النيابة العامة عن الاعتراض على قرار الإخلاء وبالتالي تعطيله. وواضح أن القرار سياسي في الحالتين. ولذا، فالسؤال المطروح هو: هل ستقبل حكومة الرئيس فرنسوا هولاند أن تناكف الرغبة الأميركية ــ الإسرائيلية والأوساط المؤيدة لها سياسيا وإعلاميا في فرنسا و«تتخلص» من هذا الضيف الذي ينتظره رفاقه وأقرباؤه في بيروت وفي عكار لاستقباله استقبال الأبطال؟ بالأمس، رفضت وزارة الداخلية الفرنسية الإجابة على الأسئلة التي وجهت إليها. ومن الناحية القانونية، لا شيء يلزمها بالتوقيع على أمر الطرد. لكن المحكمة أعطتها مهلة أسبوعين إضافيين أي حتى انعقادها مجددا قبيل أواخر الشهر الحالي حتى تبت في طلب الإخلاء. وحتى الآن، تقدم محامو عبد الله بثمانية طلبات للإخلاء. ولذا، فإن الصحافة اللبنانية استعجلت في زف نبأ الخروج من السجن. وليس سرا أن المسؤولين اللبنانيين، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة أثاروا موضوع السجين اللبناني، وكل مرة تحاشوا الخوض فيه علنا من أجل تحاشي إحراج السلطات القضائية الفرنسية التي تتمتع مبدئيا باستقلالية القرار.

وأجرى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي اتصالا هاتفيا بسفير فرنسا لدى لبنان باتريس باولي مستفسرا عن أسباب إرجاء إطلاق سراح عبد الله، مؤكدا أن التأخير في الإفراج عنه «خطوة غير مبررة وتمس حقوقه المدنية»، متمنيا على السلطات الفرنسية المختصة «الإسراع في إطلاقه ليعود إلى وطنه وأهله». وشدد على أن الحكومة اللبنانية «تتابع هذا الموضوع منذ توليها مهامها وكانت تحضر لاستقبال عبد الله لدى عودته إلى لبنان». وأكد ميقاتي «اتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة لحماية أمن السفارة الفرنسية في خلال التحرك الشعبي الاحتجاجي بعد ظهر أمس». وقطع المعتصمون الطريق في محيط السفارة ببيروت وافترشوا الأرض ونصبوا خيمة، بينما قام بعضهم برشق بابها الرئيسي بالبيض، وحصل بعض التصادم بين المتظاهرين والقوى الأمنية التي عززت تواجدها عند مدخل السفارة، قبل فتح الطريق جزئيا في المساء.

والحال أن الولايات المتحدة الأميركية تعترض بشدة على خروج عبد الله من السجن. وسارعت الناطقة باسم الخارجية فيكتوريا نولاند يوم الجمعة الماضي إلى تجديد معارضة بلادها لرؤيته خارج جدرانه بحجة أنه «لم يبد أبدا الندم على جرائمه»، وبسبب «المخاوف المشروعة التي يثيرها باعتباره خطرا على الأسرة الدولية». ويلعب محامي الحكومة الأميركية الوزير السابق جورج كيجمان - الذي هو في الوقت نفسه محامي أرملة الدبلوماسي الأميركي شارل راي - على الوتر العاطفي إذ أعلن أن الجريمة «هائلة» وأن حزن السيدة راي سيكون لنهاية حياتها؛ ولذا لا يرى غضاضة في أن يبقى جورج إبراهيم عبد الله في السجن حتى نهاية حياته. وكان عبد الله، وفق ما نقلت عنه الصحافة الفرنسية بالواسطة من سجنه، قد بدأ بتنظيف زنزانته وترتيب أغراضه وانتقاء الكتب التي يريد نقلها إلى لبنان، والأخرى التي يريد تقدمتها هدية لزملائه المساجين. وأمس لم يحضر إلى باريس لحضور جلسة المحكمة، بل تابعها عن بعد عبر جهاز «فيديوــ كونفرانس». ولذا يبدو وضعه عالقا ومصيره مربوط بمدى قدرة الحكومة الفرنسية على تجاوز الاعتراضات الأميركية ــ الإسرائيلية والسير وفق ما ينص عليه قانون العقوبات الفرنسي وتطبيقاته. ولا شك أن جورج إبراهيم عبد الله كان قاتلا «عاديا» لكان خرج من السجن منذ سنوات.