الرئيس الفرنسي يبحث في أبوظبي دعما خليجيا للتدخل العسكري في مالي

هولاند: لو لم نتدخل لكان البلد محتلا بشكل كامل

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يزور القوات الفرنسية في «قاعدة السلام» الفرنسية في أبو ظبي أمس (أ.ف.ب)
TT

الرياض: مساعد الزياني

* فيما اعتبر محاولة لحشد الدعم والتأييد الخليجي للتدخل العسكري الفرنسي في مالي، بدأ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أمس، زيارة لدولة الإمارات المتحدة مدتها يوم واحد، متوقعا أن تشارك الإمارات في دعم التدخل «ماليا أو لوجيستيا»، في حين أشادت الإمارات بـ«الدور الذي تقوم به باريس على الصعيدين الإقليمي والدولي للحد من الأزمات والنزاعات». وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، أمس، إن فرنسا تتوقع أن تقدم دول الخليج العربية المساعدة للحملة الأفريقية ضد المتمردين الإسلاميين في مالي «سواء مساعدة عينية أو مالية».

وفي غضون ذلك، حظي لقاء جمع هولاند بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، الذي يزور أبوظبي، بحيز واسع من الاهتمام، نظرا لأن موريتانيا تتشارك حدودا طويلة مع مالي.

من جهته، نفى السفير الفرنسي في الرياض برتران بزانسنو أن يكون السبب وراء زيارة الرئيس هولاند إلى منطقة الخليج هو طلب الدعم المالي، مؤكدا أن الرئيس الفرنسي جاء إلى أبوظبي لطلب الدعم السياسي للعمليات التي تنفذها فرنسا على الأراضي المالية، ضد من سماهم «الإرهابيين»، مشيرا إلى أن الرئيس هولاند دعا من العاصمة الإماراتية للحصول على دعم سياسي من دول الخليج للمواجهة التي تخوضها باريس في شمال مالي.

وقال سفير فرنسا لدى السعودية لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي معه، إن «دول الخليج عانت من الإرهاب وتعلم حجم الضرر الذي يمكن أن تحدثه الجماعات الإرهابية في أي منطقة، ومن هنا، فإن دعم دول الخليج العربية ضروري للتحرك في مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة لاستصدار قرار أممي».

وأكد الدبلوماسي الفرنسي أن التحرك الذي تقوم به فرنسا الآن يحظى بدعم واسع من أطراف دولية كثيرة، مشيرا إلى أن بلاده تلقت الدعم الأفريقي اللازم بهذا الخصوص.

وحول زيارة متوقعة للرئيس الفرنسي إلى الرياض، استبعد السفير بزانسنو أن يكون ذلك في المرحلة الراهنة، مشيرا إلى أن هناك زيارات مجدولة ستكون أقربها في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما يزور جدة للقاء خادم الحرمين وعدد من المسؤولين، لبحث التعاون المشترك، وهذا يتعارض مع ما ذكرته وكالات أنباء عالمية عن زيارة مرتقبة لهولاند إلى العاصمة السعودية.

وشدد الرئيس الفرنسي على أن العمليات العسكرية لبلاده تدخل ضمن إطار «الشرعية الدولية»، مؤكدا تعزيز الوجود العسكري على الأراضي المالية بانتظار تنظيم تدخل قوات أفريقية.

وقال هولاند للصحافيين خلال زيارة للقاعدة البحرية الفرنسية «معسكر السلام» في أبوظبي، إن «فرنسا في الخطوط الأمامية، ولو لم تكن في هذا الموقع لكانت مالي محتلة حاليا بشكل كامل من قبل الإرهابيين، بينما ستكون دول أفريقية أخرى مهددة»، وفقا لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وشدد هولاند على أن «التحرك الفرنسي يحظى بتفهم كامل»، مشيرا إلى أن بلاده «تلعب دورا بارزا، وهي فخورة بلعب هذا الدور لأنها تتحرك في إطار الشرعية الدولية، وهي تعطي الأفارقة الإمكانية ليكونوا خلال الأيام المقبلة إلى جانب الماليين لطرد الإرهابيين واستعادة وحدة الأراضي المالية».

وحول الوجود العسكري الفرنسي على الأرض، قال هولاند: «حاليا لدينا 750 رجلا وعددهم سيزيد، إلى أن يتسنى بأسرع وقت ممكن إفساح المجال للقوات الأفريقية»، مضيفا أن بلاده ستستمر بنشر قواتها على الأرض وفي الجو، ومشيرا إلى أن نشر القوات الأفريقية «سيتطلب أسبوعا على الأقل». وأكد هولاند تنفيذ «ضربات جديدة ليلة أمس»، موضحا أن هذه الضربات «حققت هدفها».

وفي هذا الشأن، قال الدكتور عبد العزيز بن صقر الخبير السياسي، إن فرنسا لا يجوز أن تطلب من دول الخليج دعما بمبالغ مالية لحربها على الجماعات الإسلامية في مالي. وأضاف: «كان من الممكن أن تطلب تعاون دول الخليج في مكافحة الإرهاب، وهو أمر مقبول، حيث إن دول الخليج لها خبرة في هذا المجال».

وزاد بن صقر: «فرنسا التزمت في وقت سابق بأنها لن تتدخل في مالي عسكريا، وكانت تصرح بهذا الكلام، وتغير الموقف الآن، وقالت إنها ستتدخل عسكريا وترسل قوات، والخطورة تكمن في أن التدخل العسكري يلغي أي تحرك سياسي دبلوماسي بدأته الجزائر وبوركينا فاسو ما بين حكومة مالي والجماعات المسلحة، سواء أنصار الطوارق أو الجماعات الجهادية من الجماعات الأخرى، وهنا يكمن الخلاف».

ولفت الخبير السياسي إلى أن المهم هو معالجة المشكلة بأسلوب دبلوماسي، والتطرق إلى قضايا التنمية وحقوق الجماعات كالطوارق سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، وأن التدخل العسكري سيوسع قاعدة انتشار ويشجع معظم أنصار «القاعدة» في شمال أفريقيا ليتكاتفوا ويشكلوا قوة لمواجهة هذا التدخل، لأن الاستخدام العسكري هو عودة نفوذ، وهذا مرفوض في شمال أفريقيا وغير مقبول.

وأكد بن صقر أن الوضع يشبه التدخل العسكري لدول عظمى في دول أخرى كانت تشهد خلافات داخلية، أدى إلى زيادة تردي الوضع في تلك الدول ولم يحقق نتيجة. وقال: «نحن مع وحدة مالي وليس مع تفرقها، ونحن مع الحوار السياسي لأنه يوصل إلى النتائج المطلوبة، نحن يجب أن نرفض الهيمنة الفرنسية، ودول الجوار من المفترض أن تتدخل».

وكان هولاند وصل صباح أمس إلى الإمارات في زيارة خصصت بشكل واسع للعملية التي أطلقتها فرنسا قبل 5 أيام في مالي لصد تقدم المجموعات الإسلامية من شمال البلاد نحو الجنوب والعاصمة.

وعلى متن الطائرة الرئاسية التي أقلعت مساء الاثنين الماضي من باريس، أكد مقربون من الرئيس الفرنسي أن جزءا من العسكريين الـ700 الذين تنشرهم فرنسا في الإمارات وُضعوا في حالة تأهب، إضافة إلى 6 مقاتلات «رافال»، للمشاركة في العملية العسكرية «سرفال» (القط المتوحش) في مالي عند الحاجة. وقال أحد المسؤولين في «القاعدة» إن «مالي ليست ضمن مجال عملنا حتى الآن، وإذا وصلتنا أوامر سننفذها».

وبعيد وصوله إلى أبوظبي، التقى هولاند نظيره الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في لقاء لم يكن مدرجا مسبقا على جدول الزيارة، ثم توجه إلى قاعدة «معسكر السلام». وبحسب مقربين من الرئيس، فإن ولد عبد العزيز أثار إمكانية مشاركة بلاده في العملية العسكرية إذا ما طلبت مالي ذلك.

وقال هولاند إن الإمارات «قد تقرر المشاركة فورا، إما على المستوى اللوجيستي أو المالي» لدعم التدخل في مالي..

وخلال رحلة الساعات الـ6 التي تفصل بين باريس وأبوظبي، كان هولاند على تواصل مستمر مع وزير الدفاع، جان - إيف لودريان الذي بقي في باريس. واستمر هولاند بإعطاء توجيهاته لمتابعة عملية مالي. والتقى هولاند رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كما التقى في دبي حاكم الإمارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي يشغل منصبي نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء.

ويبدو أن رسالتين رئيسيتين شددت عليهما فرنسا في الساعات الأخيرة: الأولى تقوم على التأكيد أنه «ليس لفرنسا أن تبقى في مالي»، مما يعني أن مهمتها مؤقتة ومرهونة بتحقيق الأهداف التي من أجلها قامت العملية العسكرية. والثانية تعبر عن استعجالها الشديد لوصول القوة الدولية الأفريقية التي أقرها مجلس الأمن في القرار 2085 الصادر في 20 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

بموازاة ذلك، تدعو فرنسا البلدان الأوروبية للإسراع في تحمل مسؤولياتها في دعم العملية الفرنسية ومساندة القوة الأفريقية، كما تدعو دول غرب أفريقيا ودولا أخرى، مثل موريتانيا وبوركينا فاسو وأيضا المغرب والجزائر إلى المساهمة في الجهود المطلوبة لإنجاح مهمة إنقاذ مالي من أنياب المتشددين الإسلاميين الذين يصفهم الرئيس هولاند بـ«الإرهابيين».

وفي كل الحالات، تريد باريس أن تبعد عن نفسها صورة البلد المستعمر، الذي يسعى للدفاع عن مصالحه المباشرة، وأن تضع نفسها في موضع المدافع عن القيم العالمية والرافض للإرهاب، والساعي للمحافظة على الأمن والاستقرار في أفريقيا.

وفي سياق ذلك، قال الرئيس هولاند، أمس، في مؤتمر صحافي عقده في دبي، في ختام زيارته للإمارات العربية المتحدة، إنه في القرار الذي اتخذه بالتدخل العسكري في مالي، «تحمل مسؤوليته، ووحدها فرنسا كانت قادرة على اتخاذ قرار كهذا في إطار الشرعية الدولية، وبطلب من رئيس مالي (المؤقت)»، وبذلك بدت فرنسا «وفية لمبادئها وتاريخها واحترمت الشرعية الدولية وكانت مفيدة للسلام».

والخلاصة التي تتكون لدى الرئيس الفرنسي أن بلاده التي «ليس لها مصالح خاصة في مالي سوى وجود مواطنين لها هناك»، قامت بما اعتبرته واجبا. وتساءل هولاند: «لو لم تتدخل فرنسا أين كانت ستصير مالي اليوم إذا أخذنا في الاعتبار تسليح الإرهابيين وخططهم؟ أما كانوا سيفرضون سيطرتهم على باماكو (عاصمة مالي)، ويتأهبون للانقضاض على دول أفريقية أخرى؟»، وفي رأي باريس، فإن الحرب على الإرهاب التي تقوم بها في مالي هي للدفاع عن أمن أفريقيا وفرنسا وأوروبا والأسرة الدولية على السواء.

وردا على من يرى أن العملية العسكرية الفرنسية لن تدوم سوى أيام أو أسابيع، مثل رئيس الوزراء الأسبق ميشال روكار، رد هولاند بالتأكيد على أن لفرنسا «هدفا واحدا وهو أنه عندما تضع حدا لعمليتها، يجب أن يكون الأمن قد توفر في مالي، وأن يكون شبح الإرهاب قد تبدد، وأن تكون السلطات الشرعية قد أطلقت مسارا انتخابيا».

وأضاف هولاند: «يتعين أن يكون (العامل الأفريقي)، أي القوة الأفريقية الدولية، هي (العامل الحاسم وليس العامل الفرنسي) بحيث يتمكنون هم من (ضمان أمنهم)». وما قاله هولاند ترددت أصداؤه في باريس خلال المؤتمر الصحافي لوزير الدفاع جان إيف لودريان، وعلى لسان الناطق باسم وزارة الخارجية. وفي اليوم الخامس للعملية العسكرية، تتطلع باريس لما يمكن أن يصدر عن اجتماع وزراء الخارجية الأوروبية غدا في بروكسل لجهة توفير الدعم الفعلي والمساعدات للقوة الفرنسية، من جهة، وللقوة الدولية الأفريقية، من جهة أخرى. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية فيليب لاليو، إن الأولوية الفرنسية اليوم هي «نقل المسؤولية بأسرع وقت إلى القوة الأفريقية». ومن جهتها، أكدت مصادر من أوساط وزير الدفاع الفرنسي جان - إيف لودريان أن فرنسا تعتزم أن تنشر «تدريجيا» 2500 جندي.

وكان يفترض أيضا أن تكون زيارة هولاند إلى الإمارات اقتصادية بامتياز. ورافق هولاند على متن طائراته عدد من قادة أكبر الشركات الفرنسية، مثل شركة الكهرباء الفرنسية وشركة «مطارات باريس» وشركة «إير فرانس» للطيران وشركة «غاز دو فرانس سويز».

وألقى هولاند كلمة في افتتاح قمة أبوظبي الدولية لطاقة المستقبل، بعد أن زار عددا من منصات الشركات الفرنسية المتخصصة في مجالات الطاقة المتجددة وإدارة المياه في المعرض الذي ينظم على هامش القمة.