جدل في الشارع الموريتاني حول إمكانية المشاركة في حرب مالي

مصدر دبلوماسي مغربي: لن نشارك بشكل مباشر في العمليات وندعم التدخل العسكري

TT

يعيش الموريتانيون هذه الأيام على وقع التطورات في الجارة الشرقية مالي، ويتابعون باهتمام بالغ العملية العسكرية التي تخوضها فرنسا هناك، وفي ذلك الإطار، تابعوا ما تم تداوله بشأن مباحثات أجراها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أمس في أبوظبي مع نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند، حيث أعرب فيها ولد عبد العزيز عن إمكانية مشاركة بلاده في العمليات العسكرية بمالي.

وكان الرئيس الموريتاني قد ربط المشاركة في العمليات العسكرية بطلب تتقدم به السلطات المالية، وهو ما يتماشى مع المبرر الذي قدمته فرنسا قبل الشروع في عمليتها الخميس الماضي بعد أن تلقت طلبا بالتدخل من الرئيس المالي بالوكالة ديونكوندا تراوري.

يذكر أن الشارع الموريتاني كان مطمئنا لتصريحات سابقة أدلى بها الرئيس ولد عبد العزيز أكد فيها أن موريتانيا لن تشارك في الحرب على المجموعات الإسلامية المسلحة التي تسيطر على شمال مالي منذ أبريل (نيسان) 2012.

وبعد أن اطمأن الشارع الموريتاني، المتوجس من هذه الحرب، جاء الموقف الجديد للرئيس الموريتاني ليثير من جديد مخاوف الموريتانيين من خوض حرب مع المجموعات الإسلامية المسلحة التي سبق أن نفذت عمليات في العمق الموريتاني، من بينها تفجيرات داخل العاصمة نواكشوط.

وفي سياق ذلك، قال صالح ولد حننا، رئيس حزب الاتحاد والتغيير (حاتم) الموريتاني المعارض لـ«الشرق الأوسط» إن «الشعب الموريتاني يرفض أي مشاركة في الحرب التي تشنها فرنسا في مالي، سواء كانت هذه المشاركة بجنود أو معدات لوجستية أو معلومات استخباراتية أو توفير مطارات أو عبور أجواء».

وأضاف ولد حننا أن رفض الموريتانيين لهذه الحرب هو «رفض مبدئي وغير قابل للنقاش»، قبل أن يشير إلى أن «إشعال هذه الحرب منذ البداية ستكون له تأثيرات على الجميع، ولكن بدرجات متفاوتة، فليس من شارك فيها مثل من لم يشارك فيها».

وسبق لولد حننا، الذي كان ضابطا في الجيش الموريتاني، قبل أن ينفذ محاولة انقلابية فاشلة سنة 2003، أن اعتبر أن «دخول موريتانيا في الحرب بمالي سيجعلنا هدفا مشروعا للجماعات المسلحة في شمال مالي، ونحن غير قادرين على المواجهة نتيجة لهشاشتنا وضعف إمكاناتنا الذاتية. سيكون الأمر كارثة، وسيكون الخطر على وجود الدولة الموريتانية».

وفي خضم هذا الجدل، تسعى منسقية المعارضة الموريتانية، التي تضم 11 حزبا سياسيا، إلى تنظيم مظاهرة تطالب فيها النظام الموريتاني بالرحيل، وترفع شعار «حشود الرحيل بداية التغيير»، وذلك بعد أن اتهمته بأنه «فشل في إدارة البلاد ويسير بها نحو الهاوية»، وهو المهرجان الذي يأتي في وقت يشتعل فيه أتون الحرب بالجارة الشمالية مالي.

وعن الوسائل التي ستعمد إليها الأحزاب السياسية لرفض أي قرار محتمل قد تتخذه السلطات الموريتانية بالدخول في الحرب، قال ولد حننا «إننا كمعارضة ديمقراطية سنحرك الشارع، ونسير في المظاهرات لنظهر أن الشعب الموريتاني رافض الدخول في الحرب، وعلى النظام أن يفهم الأمر قبل أن يتخذ أي قرار».

وبين معارضة تهدد بتحريك الشارع، وشارع لا يخفي قلقه من هذه الحرب، يقف النظام الموريتاني، وهو يراقب حدوده مع مالي، وهي تشهد أعنف معارك القوات الفرنسية مع كتائب تنشط في تلك المنطقة، وصفها وزير الدفاع الفرنسي جان - إيف لودريان بأنها «أكثر تصميما وتنظيما وتطرفا» من نظيراتها في شرق مالي.

وهي نفسها الكتائب التي سيطرت على مدينة «ديابالي»، غرب مالي على الحدود مع موريتانيا، واستطاعت أن تطرد الجيش الحكومي المالي، وتخوض معارك مع القوات الفرنسية، جعلت الوزير الفرنسي يصف تلك المنطقة بأنها «نقطة تواجه فيها قواته وضعا صعبا».

على صعيد ذي صلة، بحث العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي تطورات الوضع في مالي، وقال بيان مقتضب صدر عن الديوان الملكي في الرباط مساء أول من أمس إن العاهل المغربي والرئيس هولاند «تشاورا حول الوضع في مالي لا سيما بعد التطورات الأخيرة».

وفي غضون ذلك، قال مصدر دبلوماسي مغربي رفيع لـ«الشرق الأوسط» إن المغرب لن يشارك بشكل مباشر في العمليات العسكرية في شمال مالي، مشيرا إلى أن الرباط تدعم التدخل العسكري الدولي من أجل استرجاع وحدة مالي وسيادتها على كامل ترابها وذلك في إطار مقررات أبوجا (نيجيريا) التي صادق عليها مجلس الأمن.

وأضاف المصدر «الموقف المغربي واضح من هذه المسألة. إذ كان دائما قلقا إزاء الوضع الأمني في مالي وانعكاساته على البلدان المجاورة. وحذر المغرب مرارا المجتمع الدولي من تنامي المخاطر المرتبطة بتوسع الحركات الجهادية في شمال مالي».

وأشار المصدر الدبلوماسي إلى أن المغرب كان مشاركا في مؤتمر أبوجا الذي تم خلاله إعداد خطة أفريقية لحل أزمة مالي. وقال «دافع المغرب خلال مؤتمر أبوجا عن مقاربة تشاورية تعطي الأولوية للتفاوض من أجل حل سياسي سلمي يضمن استقلال مالي ووحدته الترابية، دون استبعاد إمكانية التدخل العسكري لطرد الجماعات المسلحة التي تحتل مناطق في شمال مالي والتي تهدد استقرار وأمن البلدان المجاورة والمنطقة بكاملها».