بان كي مون من «دافوس» : الأزمة السورية سياسية ويجب حلها سياسيا

«سجال» بين عمرو موسى و داود أوغلو حول العلاقات المصرية التركية

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مع ملكة الأردن رانيا العبد الله أثناء إحدى جلسات منتدى دافوس أمس (رويترز)
TT

جدد أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون مناشدته الأطراف السورية والدول المؤثرة عليها، العمل على حل سياسي للأزمة السورية. وقال بان في خطاب أمام المنتدى الاقتصادي العالمي أمس، إن «الأزمة السورية هي أزمة سياسية ويجب حلها بحل سياسي»، موضحا: «يجب كسر الماضي والاستماع إلى طموحات الشعب السوري، يجب أن يتحقق الانتقال لحماية الشعب السوري». وعبر بان عن ضرورة لم شمل السوريين وتشجيعهم على الحوار الداخلي، قائلا: «لم يعودوا يعترفون ببعضهم البعض، عليهم قبول بعضهم البعض وعلينا الدفع من أجل حل سياسي وهو أمر ممكن».

وأطلق بان كي مون «نداءين» من دافوس ولقادة العالم في القطاعات المختلفة، وأول نداء كان لإنهاء الأزمة السورية ووقف القتل في سوريا، والثاني للانتباه ودعم مالي ومعالجة الاضطرابات في الساحل. وكرس الجزء الأكبر من خطابه حول سوريا، مذكرا الحضور بأن 60 ألف سوري قتل خلال الأشهر الـ22 الماضية، قائلا: «يؤلمني التفكير بعدد الأشخاص الذين سيقتلون إذا لا نفعل شيئا». وبينما تحدث بان عن المأساة الإنسانية في سوريا والجرائم ضد الإنسانية، قال: «على جميع الجناة معرفة أنهم سيحاسبون، بغض النظر من أي طرف كانوا».

وعلى الرغم من ندائه للتوصل إلى حل سياسي، لم يطرح بان حلولا لتسريع الحوار أو دعمه. ولكنه أكد إمكانية التوصل إلى الحل، قائلا: «لقد تم سد انقسامات مشابهة في دول أخرى في السابق، علينا أن نواصل العمل على الحوار». وأضاف أن المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي ما زال يبذل جهودا جدية، ولكنه لفت إلى أنه في النهاية «سيكون من الحتمي على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يحل هذه المشكلات». وحذر من «السماح للطرفين بأن يواصلوا القتال للنهاية، مع كل ما يحمل ذلك من تبعات إنسانية كارثية وتداعيات إقليمية»، معتبرا أن ذلك «سيعني التخلي عن مبدأ مسؤولية الحماية».

وتحدث بان مطولا عن الوضع المأساوي على واقع الأرض في سوريا، وبالنسبة للنازحين في الدول المجاورة، مذكرا العالم بأن هناك 4 ملايين سوري في حاجة ماسة للمساعدة، كما أن هناك 20 في المائة على الأقل من السوريين متأثرون مباشرة من جراء القتال. وأضاف أن «الكثير من الأطفال لم يحضروا المدرسة منذ عامين، وعلينا أن نفهم تأثير الأزمة نفسيا على الناس». وبينما أشاد بان بالدول التي استضافت اللاجئين السوريين، ودعا لدعمها اقتصاديا، طالب تلك الدول وتحديدا لبنان والعراق والأردن وتركيا، قائلا: «لسنوات طويلة، أظهر السوريون كرما كبيرا في استضافة اللاجئين، يجب أن يلاقوا نفس الكرم والمساعدة» في هذه المرحلة. وذكر بان كي مون أن هذه القضايا ستكون على جدول أعماله في اجتماع الكويت يوم 30 يناير (كانون الثاني) الحالي.

ويذكر أن سوريا كانت على أجندة أعمال عدد من المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي، وكانت محور نقاش عدد من الاجتماعات الثنائية مثل اللقاء بين رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف. وأكد بان كي مون أنه أيضا سيحمل هذه الرسالة خلال لقاءاته في دافوس.

وجاء حديث بان كي مون عن سوريا وسط نقاشات متعددة في دافوس حول التطورات في العالم العربي، وتأثير الثورات العربية على المنطقة وإذا كانت مسيرة الدول العربية تجاه الديمقراطية لفت بان إلى أن «رياح الربيع العربي أسقطت بعض الحكام المضطهدين ولكن تركت الكثير من الأسئلة تهب في الرياح».

وطرحت هذه الأسئلة على عدد من المسؤولين من المنطقة في جلسة خاصة عن وضع «الديمقراطية» في العالم العربي. وعلى الرغم إقراره بأنه لا «توجد ديمقراطية مثالية»، اعتبر وزير الخارجية التركي أحمد داود أغلو أن العالم العربي يتجه إلى مرحلة ديمقراطية إيجابية، موضحا أن «الأنظمة القديمة لن تعود إلى المنطقة»، مشددا على أن «الشعوب هي من تحمي العملية الديمقراطية». وتحدث داود أغلو في جلسة خاصة حول الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط خلال أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي عن «المطالب الحقيقية والمحقة للشعوب العربية».

وقال وزير الخارجية التركي: «الأنظمة القديمة لن تعود.. لأنه إذا كان هناك مصطلح واحد للثورات فهو الكرامة». وأضاف: «الناس تبحث عن كرامتها، الديمقراطية هي أفضل طريقة لحماية الكرامة». وتابع: «المجتمعات العربية تكسب الآن لأنها تستطيع أن تواجه أي اضطهاد ولن تقبل به». واعتبر داود أغلو أنه من الممكن «أن يكون هناك تغيير سياسي حقيقي. الديمقراطية المستديمة تحتاج الشعب، الشعب عليه أن يبقي عليها».

أما المرشح الرئاسي المصري السابق عمرو موسي، فقال: «نعم الديمقراطية تتقدم في العالم العربي ولكن..»، ليتحدث مطولا عن معوقات المسيرة الديمقراطية في مصر من بينها وضع القضاء. وأضاف: «لم يحن الوقت للقول إن هذه هي الديمقراطية، فنحن بحاجة للحكم الرشيد من أجل تحقيق الديمقراطية»، مشيرا إلى أن «الديمقراطية ليست فقط صناديق الاقتراع».

ومن جهتها، قالت مسؤولة حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة نافي بيلاي: «الديمقراطية لن تفشل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إنها بلاد تخرج من عقود من الديكتاتورية وأسمع من القادة من تلك الدول أنهم جادون على الإصلاح والديمقراطية». وشددت بيلاي على ضرورة معالجة أزمة الدستور المصري، قائلة: «إنني أنتقد طريقة وضع الدستور.. الدستور الجديد لا يشمل تعهدات بمعاهدات مصر الدولية».

وبينما دار نقاش مطول عن الديمقراطية وتبعات الثورات في العالم العربي، أوضح الكاتب الأميركي توماس فريدمان، أن «الديمقراطية لها شقان: حق التصويت، والحريات التي تضمنها مؤسسات الدولة»، مشيرا إلى أن هناك مشكلة في تلك المؤسسات. وأضاف: «الديمقراطية تكون صحية إذا كانت هناك معارضة صحية، وذلك من خلال المعارضة السياسية والصحافة الحرة»، موضحا: «من أكبر نقاط الخيبة في مصر عدم قدرة المعارضة على أن تتحد. دولة مثل مصر تحتاج قضاء مستقلا وصحافة حرة ومعارضة حيوية».

وكان هناك تبادل لافت بين موسى وداود أغلو، إذ قال موسى إن «العلاقات بين تركيا ومصر قوية جدا، فتركيا بلد نحبه، وهي تلعب بطريقة لطيفة، بدلا من طريقة إيران الضجة»، ولكنه أضاف: «يجب ألا تكون العلاقات بين الحزبين في تركيا ومصر.. يجب ألا تكون مبنية على العلاقات والأفكار الحزبية». ورد عليه داود أغلو قائلا: «نعم هي علاقة بين تركيا ومصر، من يفوز بالانتخابات هم نظراؤنا. نحن نريد نماذج نجاح في الديمقراطيات الجديدة»، في إشارة إلى علاقة حزب العدالة والتنمية التركي وعلاقته بالإخوان المسلمين.

ودار نقاش حول دول الإسلام والأحزاب السياسية الإسلامية على عملية الانتقال في البلاد. ولكن رفض داود أغلو من اعتبر أن حزبه في تركيا (العدالة والتنمية). وقال: «حزبنا ليس إسلاميا، نحن نريد تحقيق احترام كلي لحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. خلال السنوات العشر حققنا توازنا بين الأمن والحرية ووضعا اقتصاديا أفضل». وأما بيلاي فقالت: «لا أرى الإسلام أو أي دين كتهديد للديمقراطية».

واتفق موسى مع هذا الرأي، قائلا «الأمر ليس له علاقة بالإسلام، هناك سوء فهم واسع.. لدينا وعي في المعارضة في مصر بأن الإسلام لا يمنع الديمقراطية أو يحد منها، سوء الفهم المتعمد غير مقبول». وأضاف: «نعم هناك من يريد أن تكون مصر جمهورية إسلامية، ولكن من خلال الديمقراطية الشعب المصري يبتعد عن ذلك».

واعتبر داود أغلو أن «التهديد الحقيقي للديمقراطية في العالم العربي ليس الإسلام، بل التفكير الإمبريالي. فلا يوجد أي تناقض بين الإسلام والديمقراطية، بل المشكلة في العقلية. ونحن نرى التغيير في العقلية الآن». وأضاف: «لو درسنا قيم الإسلام سنرى أنه لا يوجد تناقض بين الإسلام والديمقراطية».

ومن جهتها، قالت الملكة رانيا، زوجة العاهل الأردني الملك عبد الله: «الفجوة بين ما يتطلع إليه الشباب وما يحصلون عليه كبيرة جدا، نحن بحاجة إلى التحول الاقتصادي». ولكن قضية الاقتصاد بقيت بعيدة عن النقاشات السياسية التي دارت حول المنطقة والديمقراطية وضرورة التوزيع العادل للثروات.