الشيح أحمد الأسير لـ«الشرق الأوسط»: حين ينتهي الاعتداء علينا أترك السياسة وأعود إلى عملي في الدعوة

لقبوه بـ«غاندي السلفيين».. لكنه يفضل التشبه بـ«الصحابة والسلف الصالح»

الشيخ أحمد الأسير
TT

شكل رجل الدين السني اللبناني أحمد الأسير ظاهرة جديدة من نوعها على الساحة اللبنانية، بحمله شعار رفض العنف في سوريا، على الرغم من معارضته الشديدة للنظام، ورفضه حمل السلاح في وجه حزب الله مقابل التأكيد أنه لن يركع أمام هذا السلاح وسيبقى يرفع الصوت ضده في الشارع.

الأسير يرفض توصيف حركته بأنها مشابهة لحركة زعيم الحركة السلمية «غاندي» لأن البعض أطلق عليه لقب «غاندي السلفيين». فهو ليس غاندي ولا سلفيا، إنما هو يريد التشبه بالصحابة والسلف الصالح.

وبين مؤيد ومعارض لحركة السير، انقسم الشارع اللبناني حول «الشيخ - الظاهرة» الذي تميز بخطابه المرتفع اللهجة ضد حزب الله وسلاحه، كما تميز ببعض تحركاته التي وصفها البعض بأنها «استعراضية» ويعتبرها أنصاره «طبيعية» كمثل صوره التي انتشرت يركب دراجة خلال اعتصام نفذه مع أنصاره ضد سلاح الحزب في مدينة صيدا العام الماضي، أو ظهوره على الثلج مع نحو 400 من أنصاره أمس يتراشقون ويلعبون.. ويصلون، وهو ما أثار حفيظة قوى مسيحية حاولت قطع الطريق عليه قبل أن يفتحها الجيش اللبناني بالقوة من منطلق «حق أي لبناني بالذهاب إلى أي مكان».

اليوم، يسكن الأسير في شقة سكنية متواضعة قبالة مسجد بلال بن رباح في صيدا، حيث زارته «الشرق الأوسط» لإجراء هذا اللقاء الذي لخّص تجربته، وتحدث فيه عن أسباب تراجع تحركاته. يبرر الأسير هذا بأنه «يدرس تحركاته». ويقول: «تبين لنا بعد حادثة التعمير (اشتباك بين أنصاره وعناصر محسوبة على حزب الله) أنني كنت مستهدفا. حتى حركتي الشخصية قلت، إذ تركت بيتي وسكنت إلى جانب المسجد. وهذا لا يعني أننا تراجعنا، ولكننا نجري دراسة جديدة لتحركاتنا المستقبلية لتكون بطريقة أفضل». وينفي أن يكون الأمر نابع من ضغوط سياسية مورست عليه، مؤكدا أنه «لا يقبل بأن يمارس أحد ضغط عليه»، ويضيف: «لكن الجو العام يظهر أن أغلب الأطراف السياسية في لبنان حاربتنا منذ الاعتصام المفتوح في صيدا، وكانت الحرب علينا تزداد يوما بعد يوم، ومنها الحرب التي تخاض ضدنا في الفترة الأخيرة وهي حرب تشويه وتعتيم إعلامي، فضلا عن الضغوط على المعنيين مثل وزارة الداخلية والمحافظ لعدم منحنا رخصة لأي تحرك»، مشيرا إلى أن «قوى 8 آذار تعترف بذلك.. فمجرد زيارة وزير الداخلية لتعزية أهالي الشهداء، جرت مساءلته في مجلس الوزراء، بينما لو زار جرحى لهم في المستشفيات فلن يتعرض لمساءلة. وبالإضافة إلى قوى 8 آذار، هناك اللقاء التشاوري لتيار المستقبل في صيدا، الذي أصدر المجتمعون فيه بيانا يطالبون فيه المعنيين بعدم منحي أي إذن لأي تحرك».

وينفي أن يكون تيار «المستقبل» الذي يرأسه الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري يدعمه في تحركاته، قائلا إن «تيار المستقبل منذ اليوم الأول بدأ بمحاربتنا. الرئيس السنيورة جمع الأضداد في البلدية وأطلق الحرب علينا. أما اللقاء بيني وبين (منسق التيار) أحمد الحريري، فكان محاولة للخروج من الإحراج الذي وقعوا فيه أمام جمهورهم على خلفية حربهم ضدي، على الرغم من أن الأهداف التي طرحتها، وهي مواجهة السلاح غير الشرعي وجعله ضمن الدولة. لذلك، قاموا بمناورة أمام جمهورهم قبيل الاعتصام الذي يحشدون له، بذريعة أنهم تحدثوا معي ولم أستجب، فإذا سقطت أي نقطة دم أتحمل مسؤوليتها أنا».

وإذ استغرب الأسير عدم وقوف «المستقبل إلى جانبه على الرغم من تلاقيهما في (الأدبيات السياسية) بخصوص دعم الثورة السورية والموقف من سلاح حزب الله»، مشيرا إلى أنه قال لأحمد الحريري: «إن علينا أن نتحدث وجدانيا، وليس سياسيا. ألم أقف معكم في 7 أيار؟ وفي محطات أخرى؟ إنني لم أقف إلى جانبكم بهدف الحصول على مردود سياسي أو مادي أو معنوي، بل قمت بواجبي، إذن لماذا تمارسون حربا ضدنا؟ فأجاب بأنني محق، ويجب أن تُصحح الأمور بيننا.. لكن الحرب لم تتوقف عبر الإعلام. وأرجح هنا أن السبب الأساسي للحملة ضدي، هو الخوف على الزعامة السنية». وأضاف: «القضية ليست بالنيابة، قد يضحون بنائب، ولا مشكلة عندهم. القضية أوسع من صيدا. رأوا أن تحركاتنا توسعت في كامل لبنان، ويجسّ تيار المستقبل نبض الشارع السني على مساحة لبنان ويعرف أنه يتململ من سياسيتهم. رأى الناس شخصا يتحدث بوجعهم. هؤلاء أحبوا الشيخ الأسير بسبب خطابه وجرأته ورؤيته وتحركاته وصراحته وعدم تبعيته لأي طرف، لذلك بات (المستقبل) متوجسا من أن يأخذ الأسير من زعامته في الشارع السني على الرغم من أنني لا أطمح لذلك لا من قريب ولا من بعيد»، مؤكدا أنه «لن يكون في يوم من الأيام نائبا في البرلمان ولا زعيما حزبيا، ولا وزيرا أو رئيس حكومة» متهما تيار «المستقبل» بأنهم «يحتكرون الزعامة السنية». ويقول: «أنا أوافقهم على بعض مواقفهم وأعارضهم على بعضها، ولكن ألومهم على محاربتهم من يوافقهم الخطاب لمجرد أنه ليس معهم».

ويرد الأسير الاتهام له بأنه «مشروع فتنة» بالدعوة إلى تقديم «البينة» على أساس القاعدة الشرعية التي تقول «البيّنة على من ادعى». فإذا اتهمني أحد بأنني مشروع فتنة، عليه أن يقدم الدليل. وسأل: «إذا رفضت الهيمنة على لبنان وعلى السنة، هل أكون فتنة؟ إذا رفضت أن يخوّننا (أمين عام حزب الله السيد) حسن نصر الله، ويستبيح دمنا في 7 أيار (العملية العسكرية التي قام بها الحزب وحلفائه ضد القوى المناوئة له عام 2008)، هل أكون مشروع فتنة؟ إذا كنت أدافع عن وجودنا وأعراضنا في لبنان وسوريا، هل أكون فتنة؟ أما إذا كان المطلوب مني أن أقوم بما يفعله الآخرون، وهو السكوت بعد قتلنا، والسكوت على تخويننا، فإن ذلك لا يمكن أن أقوم به».

ويحرص الشيخ السير على إبعاد تهمة «التطرف» عنه «لأن التطرف يودي إلى جهنم! أنا لست متطرفا ولا حتى بخطابي. أكرر أنني أود العيش مع المسيحيين والشيعة والدروز، وأطالب بالتوازن في لبنان وحصر السلاح بالدولة والعمل بموجب اتفاق الطائف. فهل في ذلك تطرف؟».

أما حادثة «التعمير» التي استعمل فيها السلاح، فهي برأيه ليست «نقلة نحو السلاح»، ويقول: «من المعروف لدى الجميع أن أشخاصا يرافقونني ويحملون السلاح، وكل ما تم استخدامه هو قطعتان من السلاح كانتا موجودتين في سيارتي التي أُطلق عليها الرصاص، فأطلقوا الرصاص في الهوار لتأمين انسحابي، وأؤكد أننا لم ننزل بمهمة عسكرية لأن أطفالنا ونساءنا كانوا معنا، بل فوجئنا بأن القوى الأمنية لم تكن موجودة خلافا للوعد الذي تلقيناه من الأمنيين. وعندما سقط الرصاص على سيارتي، اضطر المرافقون للرد لتأمين خروجي».

ويشكو الأسير من أنه وفريقه يتعرضون لـ«حملة إعلامية مسعورة هدفها زرع المخاوف منا». ويقول: «أكدت بالصوت والصورة أن مشكلتي في حادثة التعمير لم تكن مع عاشوراء، بل مع حزب الله الذي وضع لافتة كتب عليها (الشهادة عزّ أبدي)، ردا على إنكارنا الواجب الجهادي الذي سموه استشهادا في سوريا. استفزنا أنهم يقتلون أهلنا في سوريا، ويضعون لافتة كتب عليها الشهادة. لم نعترض على قضية عاشوراء أبدا. مشكلتنا مع راية الحزب ولافتاته. نحن مشكلتنا مع ظلم المشروع الإيراني، وليس مع الطائفة الشيعية، أما بالنسبة لباقي الطوائف، فإننا لم نواجه أي مشكلة مع أحد منذ بدأت العمل بالحقل العام في عام 1988، حيث كنت أمانع أن يضيء الإعلام علينا لانعدام المصلحة في ذلك. لكن حين نزلنا إلى الشارع بعد استفحال الظلم علينا عقب مقتل الرئيس رفيق الحريري، تلقائيا أضاء الإعلام على تحركنا. وأسأل، هل تأذى أحد من المسيحيين أو الدروز أو الشيعة منا منذ عام 1988؟ على العكس، أنا أقيم إلى جوار المسيحيين، ولم أواجه مشكلة مع أحد».

ويعترف السير بأن «ظاهرة الإسلاميين أرعبت جزءا كبيرا من اللبنانيين»، مشيرا أنه لهذا السبب دعا «المتديّنين إلى تقديم صورة طيبة عن الإسلام كي يطمئنوا الآخرين، وهذا ليس كرم أخلاق بل واجب ديني، لأن ديننا ليس رعبا أو تخويفا، بل رحمة. وهذا ما نمارسه الآن».

وينفي الأسير أي حوار مع حزب الله. لأنه «يتعامل حزب الله مع أخصامه بأسلوب التجاهل والاستعلاء، ونحن لا نهتم إذا حصل تواصل معهم أم لا. في النهاية أنا مظلوم، أتعرض لإهانة واعتداء، وأدافع عن نفسي ولن أسكت».

وإذ أكد أن معظم جمهور فريق «14 آذار» يشاركه الرأي، أوضح أنه يجري «دراسة مستمرة لشكل التحركات المقبلة، لكن المضمون هو نفسه، إذ نصرّ على أننا لن نسكت على هيمنة السلاح، وسنواصل التحرك حتى يعود التوازن إلى لبنان. الآن ندرس خطواتنا بشكل متأنٍ لأننا اكتشفنا بعد حادثة التعمير واعتصام الكرامة أن أطرافا كثيرة توافقنا المبدأ والرؤية والموقف، لكنها تحاربنا لمصالح خاصة. ونحن مستمرون بانتفاضة الكرامة (...) نحن يُعتدى علينا وعلى كرامتنا ووجودنا، ما يضعنا أمام خيارات محدودة، مثل الخضوع لسياسة الحزب والقول له (سمعنا وأطعنا)، وهذا من سابع المستحيلات، وإما نكتفي بأن نُضرب ونهان ونُزجّ بالسجون، ونشجب ونستنكر فقط، وإما أن نهاجر ونقدم البلد لهم على طبق من فضة، وإما أن نتسلح ونقاتل، ونقتل من يعتدي علينا، وهذا الخيار حق مشروع لأننا ندافع عن أنفسنا وعرضنا.. وإما النزول إلى الشارع ورفع صوت المعاناة والألم، وهذا هو الخيار الذي اتخذناه».

ويسخر الأسير من القول إنه «ظاهرة انحسرت» ويقول: «في المبدأ لا يهمني سواء أكان يناصرني عدد كبير أم لا، لأن أخصامي يعملون بطريقة العدد ليظهروا أن ظاهرتي انطفأت. هذا الموضوع لا يهمني، لأنني لا أعمل بغرض الشهرة بل انطلاقا من قناعة. حين ينتهي الاعتداء علينا، أترك السياسة وأعود إلى عملي في الدعوة الإسلامية الذي ما زلت أمارسه يوميا منذ عام 1988 متنقلا بين المناطق اللبنانية. وبخصوص عدد المصلين، أتمنى على كل من سمع هذا الخبر أن يأتي يوم الجمعة أثناء تأدية الصلاة ويتأكد من العدد بنفسه. هذا الخبر ليس صحيحا بالمطلق، وعلى الرغم من ذلك فأنا لا أكترث».

وعن علاقته المستجدة بالإسلاميين في المناطق الأخرى، يقول الأسير: «بحكم أنني كنت مشغولا بالدعوة، فإن علاقتي مع الإسلاميين قليلة، ولا معارف لي مع القياديين والإسلاميين والفاعلين. من مدة قصيرة، بدأنا نتعرف، وفي طرابلس أقمنا اعتصامنا بالتنسيق مع الشيخ سالم الرافعي. العلاقة بهذه الحدود».

وعارض الأسير «التدخل الميداني في سوريا، لأن ذلك يضر الثورة ويضر اللبنانيين في ظل الوضع اللبناني المعقد وفيسفسائه الطائفي. الثورة السورية لا تحتاج إلى المقاتلين، بل تحتاج إلى المال والسلاح، حتى إنه من الصعب علينا إدخال السلاح، والثوار يحتاجون إلى سلاح نوعي وليس سلاحا فرديا»، معتبرا أن «أهم ما يحتاجه الثوار هو الدعم المعنوي. الاعتصامات التي نفذناها أثرت على معنوياتهم إيجابا، كذلك دعم النازحين الهاربين من النار والحديد، لأن المقاتل هناك يجب أن يطمئن إلى عائلته وناسه كي يستطيع الصمود. وهذا ما قمنا به».