عبود الزمر: الانسياق وراء أفكار إسقاط النظام لن تمر بسهولة

عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية: الطريقة الصحيحة للتغيير هي صناديق الانتخابات

عبود الزمر عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية
TT

دعا عبود الزمر، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، القوى السياسية التي دعت للتظاهر في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير إلى السلمية والابتعاد عن العنف والتدمير «لكي لا تعود البلاد إلى الوراء»، وقال: «لو دخلنا في فكرة ثورة ثانية والانسياق وراء أفكار لتغيير النظام الحالي بإسقاطه، فهذا لن يمر بسهولة، لأن الطريقة الصحيحة للتغيير هي صناديق الانتخابات».

وأضاف الزمر الذي قضى 30 عاما في السجن بعد إدانته في قضية اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981: «في المرحلة الحالية هناك متربصون بمصر». وأعرب الزمر عن عدم رضاه عن عدد من قرارات مؤسسة الرئاسة المصرية في الفترة الماضية، وقال: «أنا شخصيا لدي ملاحظات على مؤسسة الرئاسة فيما يتعلق بالقرارات الصادرة عنها ودراستها قبل اتخاذها، وأرى أن هناك الكثير من القرارات لم تكن موفقة».

واعتبر الزمر أن أهم هدف حققته ثورة 25 يناير هو أن كل المصريين نالوا حريتهم، وقال: «كلنا كمصريين أحسسنا بانطلاقة، وشخصيا أعتبر أن هذا هو أهم منجزات الثورة». وفيما يلي أهم ما جاء في الحوار..

* هل ترى أن ثورة 25 يناير حققت أهدافها بعد مرور عامين عليها؟

- أرى أن أهم هدف حققته ثورة 25 يناير هو أن كل المصريين نالوا حريتهم، وكلنا كمصريين أحسسنا بانطلاقة، وشخصيا أعتبر أن هذا هو أهم منجزات الثورة، أما مرحلة البناء والإعداد والتنمية فما زال أمامها الكثير من المعوقات، لأن الطريق الثوري في بدايته لم يكن على النحو الذي أريده، وعندما خرجت من السجن في شهر مارس (آذار) 2011 عتبت على بعض القيادات، وقلت لهم: «لماذا لم تعلنوا عن مجلس ثوري حين أدت قيادة القوات المسلحة التحية للشعب المصري؟»، في رأيي كان هذا معناه أن الجيش جاهز لطاعة الأوامر الثورية.. في هذه المرحلة كان يمكن لمجلس ثوري أن يحقق الأهداف المطلوبة.

* كيف استقبلت ثورة 25 يناير 2011 في محبسك؟

- في مرحلة ما قبل الثورة كنا قد وصلنا إلى مرحلة خطيرة جدا في البلاد، لأن النظام السابق صدق أنه أصبح القوة الأساسية في المجتمع، بعد أن زور كل الانتخابات وأصبحت كل القوى السياسية في أزمة واحتقان سياسي كبير، وفي بداية ثورة 25 يناير ظننت أنها حركة احتجاجية ولها بعض المطالب، وقد أصدرت بيانا لتأييدها يوم 26 يناير (كانون الثاني) من السجن، ورغم صعوبة اتخاذ هذا القرار من داخل السجن وتأثيره علي في محبسي فإنني جازفت باعتبار أن نصرة المتظاهرين في الميدان واجب شرعي، لأن لهم مطالب مشروعة، وعندما تطورت الأمور إلى ما هو أكثر من ذلك وقفنا إلى جوار الموقف الثوري وأكدنا ضرورة الوقوف بثبات بجوار المتظاهرين، وجاءت لي اتصالات في السجن من بعض الإخوة مفادها أن بعض الجهات والأشخاص يريدون الانسحاب من الميدان خشية تدخل القوات المسلحة، ومخافة سقوط دماء، وقلت إن الواجب الشرعي في ذلك الوقت هو الوقوف إلى جانب الثورة والثبات في الميدان وقلت لهم: «إذا انسحبتم الآن من الميدان غدا ستكونون معي في الليمان (السجن)».

* خرجت من السجن ليدخله الرئيس السابق حسني مبارك وابناه ورموز نظامه.. كيف ترى هذا الأمر؟

- كان المسؤولون في السجن يقولون لي أنا والدكتور طارق الزمر (شقيقه)، إننا لن نخرج إلا جثتين هامدتين، وإننا ما دمنا لم نؤيد توريث حكم مصر من حسني مبارك إلى ابنه جمال فإننا لن نخرج أبدا، ولكننا رفضنا هذا الأمر بشدة ولم نستجب له، لأن جمال مبارك لا يستطيع أن يكون مسؤولا عن نفسه، ليكون مسؤولا عن مصر، لذلك قررنا ألا نضع أيدينا في يد هذا النظام حتى لو كان الثمن هو بقاؤنا في السجن، ولكن من فضل الله علينا أننا بعد الثورة وقبل أن نخرج من السجن، جاء إلى السجن حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق، مسجونا في العنبر المجاور لعنبرنا، وكان يفصل بيننا وبينه حائط واحد، وعند دخوله قوبل بهجوم شديد عليه من السجناء الجنائيين والسياسيين، ثم توالى دخول رموز النظام السابق إلى السجن انتهاء بمبارك نفسه.

* في الذكرى الثانية للثورة البعض يخشى اندلاع أعمال عنف خاصة في ظل الخلاف السياسي الحاد الراهن، هل لديك المخاوف ذاتها؟

- في المرحلة الحالية هناك متربصون بمصر، وما أستطيع أن أقوله هو إنني أناشد وأستحلف بالله كل متظاهر أن يكون سلميا وألا يحرق أو يدمر شيئا في البلد، لكي لا نعود إلى الوراء. لو دخلنا في فكرة ثورة ثانية والانسياق وراء أفكار لتغيير النظام بإسقاطه هذا لن يمر بسهولة، لأن الطريقة الصحيحة للتغيير هي صناديق الانتخابات، وهو مبدأ أرسيناه في مصر بعد الثورة ولكن من دون هذا الأمر، يستطيع أي فصيل لديه القدرة على حشد 100 ألف مواطن أن يسقط النظام، ولو نجح الداعون إلى إسقاط الرئيس مرسي فيما يريدون، واستولوا على السلطة، وجاءوا بالرئيس الذي يريدونه ما الذي سيمنع الآخرين من الحشد والتظاهر لإسقاطه، وقتها سندخل في دائرة مفرغة. وأقول لكل القوى السياسية التي دعت للتظاهر في ذكرى الثورة: نحن لا نشكك في نياتكم ونؤكد أنكم وطنيون وتريدون استكمال الثورة ولكن مع مراعاة السلمية وعدم اللجوء للعنف أو إسالة الدماء، وأنا مستبشر خيرا بأن مصر ستعبر الأزمة الحالية بعد الانتهاء من بعض الناس الذين يحركون المشكلات في الواقع الحالي.

* ومن هم هؤلاء الذين يحركون المشكلات؟

- أتصور أن هناك فريقا ساخطا على الإخوان المسلمين وعلى خصومة شديدة معهم ويريدون ألا تنجح تجربة الإخوان المسلمين، وليس التجربة الإسلامية، وهناك فريق له مصالح مع النظام السابق ويريدون إبقاء الوضع على ما هو عليه الآن لأن الثورة لو نجحت في تحقيق أهدافها يمكن أن تحاكمهم وتجرهم إلى السجون.

* وما الحل لكي نخرج من تلك الأزمة؟

- الحل هو أن نعود إلى مرحلة الوئام المجتمعي ونقبل آراء بعضنا البعض ونتحمل بعضنا ونصل إلى وفاق وطني يمكننا من عبور الأزمة الحالية بسلام.

* مرت مصر بعد الثورة بمرحلة انتقالية قادها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، انتهت رسميا بانتخاب الرئيس محمد مرسي، كضابط جيش سابق، كيف تقيم أداء المجلس العسكري في فترة إدارته لشؤون البلاد؟

- سعدت جدا بانحياز القوات المسلحة إلى ثورة 25 يناير، وهي نقطة تحسب للجيش، وأرى في ذلك ردا للجميل الذي قدمه الشعب للجيش في ثورة يوليو 1952، التي قام بها الجيش وسانده الشعب وفي عام 2011 قام الشعب بالثورة وجاء الدور على الجيش ليسانده فيها. ومن وجهة نظري كنت أرى أنه كان يجب ألا تطول الفترة الانتقالية حتى لا تساور الشكوك الناس حول نية القوات المسلحة في الاستمرار في السلطة، وأرى أن مبررات المجلس العسكري لإطالة الفترة الانتقالية كانت غير منطقية، وكان يجب الانتهاء من تلك الفترة سريعا وكان هناك قلق على الأوضاع، بالإضافة على وجود مطالبات من بعض القوى السياسية بإطالة الفترة الانتقالية لكي تأخذ كل القوى وضعها وتستطيع المنافسة على الانتخابات، وكانت وجهة نظر المجلس العسكري هي الاستجابة لتلك الطلبات لتحقيق المساواة بين الجميع ولكي لا يسيطر فصيل واحد على غالبية المقاعد في أي انتخابات.

* بعد أيام يكمل الرئيس محمد مرسي سبعة أشهر في قصر الرئاسة كيف تقيم أداءه في هذه الفترة؟

- سبعة أشهر مدة قليلة للتقييم وتحقيق إنجازات على مستوى دولة كانت تعاني من قدر كبير جدا من المشكلات السابقة والتركة الثقيلة من الأعباء والفساد والتجاوزات، لذلك من المنطقي جدا أن يأخذ حل تلك المشكلات بعض الوقت، وفي نفس الوقت كنت أتمنى أن تمس القرارات الرئاسية خلال الفترة الماضية حاجة الفقراء وتمس حالة المجتمع الحقيقية، ولا تكون تخطيطا بعيد المدى لا تظهر آثاره إلا بعد فترة، فنحن نريد خططا عاجلة للمعالجة، لأن ما تم تنفيذه من خطط لا ترضي طموح الجماهير في الشارع، التي باتت تشعر بالسخط على الرئاسة.

* البعض يرجع أزمة القرارات الرئاسية إلى عدم كفاءة مستشاري الرئيس مرسي، أو ارتباطه الشديد بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، هل توافق على ذلك؟

- الحقيقة أن مجموعة مستشاري الرئيس مرسي بهم مجموعة من المتخصصين من ذوي الكفاءة، لكن المشكلة كانت في صعوبة إدارة الدولة وتسلمها، فالجميع فوجئ بوصول مرسي للسلطة، وعندما يكون هناك حزب سياسي جاهز يكون لديه الكوادر الجاهزة التي تمكنه من إدارة الحكومة والبلاد فور توليه السلطة، أما الإخوان المسلمون فكانوا بعيدين عن السلطة والرئاسة والحكومة وكانوا ممنوعين من الوظائف القيادية في الهياكل الإدارية للدولة، هم والتيار الإسلامي ككل، وعندما أتيحت لهم الفرصة، لم يكن لديهم عناصر جاهزة على مستوى إدارة البلاد، وأنا شخصيا لدي ملاحظات على مؤسسة الرئاسة فيما يتعلق بالقرارات الصادرة عنها ودراستها قبل اتخاذها، وأرى أن هناك الكثير من القرارات لم تكن موفقة.

* بم تفسر تخوف البعض من تجربة الحكم الإسلامي؟

- أعتبر أن هذا هاجس غير حقيقي لأن التجربة الإسلامية لم تختبر، ودعني أسأل سؤالا: متى قاد التيار الإسلامي المجتمع؟، لم يحدث ذلك أبدا، وبالتالي المرحلة الحالية هي أول ممارسة حقيقية لحكم التيارات الإسلامية، ولا يستطيع أحد أن يقول إن تجربة الحكم الإسلامي قاسية، لأن هذه هي التجربة الأولى، وتأتي في ظروف صعبة، حيث تسلم بلدا خربا وبه فساد كبير.. كان الله في عون من يتولى الرئاسة الآن.

* البلاد مقبلة على انتخابات برلمانية بعد نحو شهرين، هل تتوقع استمرار حصد الإسلاميين لأغلبية مقاعد مجلس النواب، كما حدث في الانتخابات الماضية؟

- نعم أتوقع استمرار سيطرة التيار الإسلامي على أغلبية مقاعد مجلس النواب، لأن التيار الجارف في المجتمع المصري يريد أن يعطي الفرصة للتيار الإسلامي، ولكنني أرى أن هناك تنوعا في النسب التي سيحصل عليها كل حزب، أسهم الإخوان انخفضت في الشارع نتيجة الممارسة السياسية، لأن أي فصيل يمارس السياسة يكون عرضة للنقد مما يعرضه لنقصان شعبيته بعض الشيء، لكن مجموع الإسلاميين سيظل كما هو إن شاء الله.

* هل ستقيم الجماعة الإسلامية وحزبها (البناء والتنمية) أي تحالفات انتخابية مع تيارات أو أحزاب إسلامية أخرى لخوض ذلك الاستحقاق الانتخابي؟

- نعم، ونرتب الأمر حاليا، الإخوان المسلمون خارج هذا التحالف حيث إنهم سيعدون قائمة انتخابية خاصة بهم، ونحن سنتحالف مع قوى إسلامية أخرى.

* وماذا عن القوى غير الإسلامية؟

- وارد أن تنضم لنا قوى وطنية غير إسلامية، هناك قوى وشخصيات وقوى وطنية محترمة قد نتحالف معها، ونخلي لها بعض الدوائر ونعطيها أصواتنا أيضا إذا تم الاتفاق.

* أعلنت الجماعة الإسلامية موافقتها على الدستور الجديد الذي تم إقراره الشهر الماضي، فهل ترون أنه يحقق مطالبكم؟

- الحقيقة أنه أقل من تطلعاتنا، ولكننا وافقنا عليه في مجمله، فهذا الدستور به الكثير من المواد غير المسبوقة في مجال الحريات وحقوق الإنسان وغيرها، ووافقنا عليه من باب الوفاق الوطني، لأنه يحمل في طياته أساليب تغيير مواده، عبر مجلس النواب المنتخب، لذلك سنسعى في الجماعة الإسلامية وحزبها (البناء والتنمية)، للحصول على أغلبية تحقق لنا تمرير التعديلات التي يريد الكثيرون أن يتضمنها الدستور.

* لماذا كان الدستور أقل من تطلعاتكم؟ وما الذي كنتم تريدونه منه ولم يتحقق؟

- كنا نأمل أن يكون محققا لقدر أكبر من الالتزام بالشريعة الإسلامية وجعلها المصدر الوحيد للتشريع.

* لدى المسيحيين في مصر مخاوف متعاظمة من وصول الإسلاميين للحكم، ما مدى صحة هذه المخاوف؟

- هذه المخاوف غير صحيحة إطلاقا، ولا وجود لها على أرض الواقع، فلم يحدث أن اختبر التيار الإسلامي على مستوى الرئاسة لنقول إنه يضطهد المسيحيين، بل بالعكس تحاول الدولة أن ترضي المسيحيين بشكل كبير، وبلا شك لا يوجد توجه لدى الجماعات الإسلامية على أي مستوى لاضطهادهم، بل بالعكس تتحرك تلك الجماعات لرأب الصدع في المشكلات الطائفية حتى تلك التي لا علاقة لها بها، وشخصيا تدخلت في المنيا وأسيوط والكثير من المناطق التي يوجد بها توتر طائفي ودعونا المسلمين والمسيحيين ليكونوا يدا واحدة، وأؤكد أن إحساس الاضطهاد لدى المسيحيين هو إحساس ظني وسيزول وتسود المواطنة ويطبق القانون على الجميع.

* الوضع الأمني في سيناء متدهور والبعض يحمل الإسلاميين، وخاصة الجهاديين، المسؤولية عن هذا الأمر، هل توافق على ذلك؟

- الوضع في سيناء صعب بالفعل، وهناك عناصر جهادية بلا شك، ولكن أسباب ذلك تعود إلى نظام مبارك الذي همش سيناء، وتعامل مع أهلها بشكل أمني متعسف واعتبرهم خونة، فلم يملكهم الأراضي ولم يسمح لهم بدخول الجيش أو الشرطة أو تولي مناصب قيادية في الدولة، فنشأت حساسية زاد منها التعامل الأمني الفظ والوحشي مع العقلية القبلية الموجودة في سيناء التي لم تقبل هذه الممارسات، ونحن طرحنا في حزب البناء والتنمية رؤية لتنمية سيناء مفادها أن الحل ليس أمنيا، بل هو حل سياسي واجتماعي واقتصادي شامل.

* حادث اختطاف عدد من الرهائن في الجزائر مؤخرا فتح مجددا قضية الشيخ عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية بعد عرض الخاطفين مبادلته بالرهائن، هل تؤيد هذا الأسلوب للإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن؟

- من الناحية المنطقية، أحمل أميركا المسؤولية الكاملة عن تلك العملية لأن الغضب من احتجاز الشيخ عمر هو الذي دفع بعض الناس لخطف رهائن وعرض مبادلته بهم، لأنه يعاني مأساة صحية شديدة في محبسه بأميركا منذ سنوات، وكما أدين أي عمليات اختطاف لأبرياء بهدف المساومة، أدين بنفس الدرجة اختطاف الشيخ عمر عبد الرحمن، لأنه من وجهة نظري حاليا مختطف، ولا بد أن يعود معززا مكرما، وأوصيت الخاطفين بحسن معاملة الرهائن، وطالبت واشنطن بسرعة الإفراج عن الشيخ عمر مراعاة لأمور كثيرة.