نائب رئيس البرلمان اللبناني: أؤيد المناصفة مع المسلمين.. لكنني ضد الجشع المسيحي

فريد مكاري يحذر في حوار مع «الشرق الأوسط» من أن حزب الله قد يمنع إجراء الانتخابات لإبقاء سيطرته على الدولة

TT

يستطيع فريد مكاري، نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، وأعلى قيادات قوى «14 آذار» اللبنانية المعارضة منصبا بعد إقصاء الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة في عام 2011، أن يتمتع ببعض «الحرية» في مقر إقامته المؤقت في باريس.

هناك في منزله في إحدى مناطق باريس الراقية، يستطيع مكاري أن يتمتع بخصوصيته وببعض لمحات الحياة الطبيعية التي يفتقدها مع العديد من قيادات «14 آذار» المهددة بالاغتيال «منذ اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري عام 2005 وليس فقط منذ اغتيال رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن أواخر العام الماضي»، كما يقول مكاري الذي يعرف أن عليه العودة إلى لبنان حيث تدور معركة شد حبال يتقرر على أثرها مصير الانتخابات النيابية المقبلة.

هناك، على وقع الهواء الباريسي المثلج، يستطيع من يقابل مكاري أن يدرك بوضوح مدى خيبته من «الحرارة» التي تعامل بها حلفاؤه في الأحزاب المسيحية في قوى المعارضة مع مشروع قانون ينص على قيام كل طائفة بانتخاب نوابها بنفسها، بات متعارفا عليه باسم قانون «الأرثوذكسي» نسبة إلى لقاء الطائفة المسيحية الأرثوذكسية الذي خرج بهذا الاقتراح وتبنته القوى الحزبية المسيحية في المعارضة والموالاة، والذي رفضه كثيرون ومنهم تيار «المستقبل» الذي ينتمي إليه عاطفيا مكاري. وفي ما يلي نص الحوار:

* لماذا ترك التوافق المسيحي في المعارضة والموالاة على قانون الانتخابات وفقا لاقتراح اللقاء الأرثوذكسي سلبيات على العلاقة بين قوى «14 آذار»؟

- أنا مع مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، لكنني في الوقت نفسه ضد الجشع المسيحي.. ففي الواقع أنا أعتقد أن اتفاق الطائف قد أعطى المسيحيين نصف مكونات الدولة من وزارات ومقاعد نيابية ووظائف الفئة الأولى رغم أن الحجم المسيحي أقل من الحجم الإسلامي.

وهذه المعادلة، رغم أنها في الأساس لمصلحة لبنان، فإننا لا نستطيع أن نقول إنه لا يوجد فيها نوع من التنازل الإسلامي تجاه المسيحيين. لذلك عندما نأخذ قراراتنا بإيجاد التوازن، كما تطالب الأحزاب المسيحية، فيجب أن نأخذ في الاعتبار أيضا ما ينتج عن هذا من حساسيات في الوقت نفسه. أنا نائب من 21 سنة. والذين ينتخبونني في الكورة (دائرة انتخابية صغيرة في شمال لبنان) هم الأرثوذكس والسنة والموارنة والشيعة. وأنا كنت آخذ من أصوات الشيعة نحو 60 في المائة في البداية، لكن وبسبب الموقف السياسي خلال الأعوام الماضية، فأنا لا آخذ 6 في المائة من أصواتهم. لكن هذا لا يعني أنهم لم يعودوا من منطقتي، ولم يعودوا ناخبين وأصحاب حاجة إنمائية أو شخصية. أنا لا أستطيع أن أعزل نفسي عن هؤلاء لأنني أعيش معهم. ولا أستطيع أن أتحمس للأرثوذكسي في مرجعيون (أقصى جنوب لبنان) لأنني لا أعرفه على حساب السني والماروني والشيعي الذي هو جارٍ.

* أيهما الأكثر حظوظا لقانون الانتخاب، النسبي أم الأكثري؟

- لو كانت المقارنة هي بين النظامين النسبي أو الأكثري لكان من الممكن أن يكون هناك جدل، فنحن ضد النسبية حاليا لظروف وقتية وليست دائمة. وهذا ما يعبر عنه الناخبون الشيعة الذين توقفوا عن التصويت لي نتيجة فتوى شرعية، لكن هذا غير دائم ولا أحد يعرف إلى أي مدى سوف يستمر.

* ما الذي قصدته بموقف مؤقت ضد النسبية؟

- نحن نعتقد أن النسبية من غير الممكن أن تكون منتجة في ظل وجود طرف يستأثر بالسلطة داخل الطائفة الشيعية ويمتلك السلاح. فالنسبية لا يمكن أن تنتج في هذه الظروف تمثيلا شيعيا حقيقيا.

* ما الغلطة التي ارتكبتها الأحزاب المسيحية في قوى «14 آذار»؟

- هذه الأحزاب ارتكبت خطأ جسيما، فهي استطاعت بعد اغتيال الرئيس الحريري أن تحجز لها مكانا في قلوب المسلمين داخل «14 آذار» بسبب الانفتاح الذي أبدته عليهم، حتى باتت صور سمير جعجع معلقة في أحياء باب التبانة (الإسلامية في مدينة طرابلس). وفي الوقت نفسه كانوا يربحون مسيحيا لأن الصورة العامة لدى المسيحيين أن العماد ميشال عون كان يسير بركاب حزب الله، وهم أصحاب القرار وليس عون. أما الموقف الذي اتخذوه، فقد أظهر أن الانفتاح المسيحي (من الأحزاب المسيحية في «14 آذار») على المسلمين كان وقتيا وليس استراتيجيا، بينما ظهر ميشال عون يجر حزب الله وراءه، وليس هو من يسير خلفه. لقد وضعوا أنفسهم عبر هذا الموقف في وضعية الخسارة على الجهتين؛ إسلاميا ومسيحيا.

* وهل هذا الخلل قابل للإصلاح؟

- الكلام الصادر يبين أن الخلاف على قانون الانتخاب هو خلاف على المبادئ، وهذا أمر سيتم تجاوزه بين قيادات «14 آذار» إذا ما اتفقنا على صيغة واحدة لقانون الانتخاب، لكن كيف أستطيع أن أقنع الناس بإزالة الضرر الذي حصل؟ وهذه التطورات أحدثت فجوة كبيرة بين أحزاب «14 آذار».

* ماذا عن المستقلين المسيحيين في «14 آذار»؟

- الخطأ ارتكبته الأحزاب المسيحية في «14 آذار».. المستقلون لم يخطئوا، فهم لم يسيروا مع مبدأ «القانون الأرثوذكسي». نحن لا يمكن أن نسير بقانون يفرز أناسا ويزيد من الخطاب المتعصب والطائفي ويزيد من التطرف ويؤسس لمزيد من التقوقع.

* لماذا وقعت بهذا الخطأ برأيك؟

- (رئيس حزب القوات اللبنانية سمير) جعجع والكتائب لديهما هاجس اسمه ميشال عون، فأخذا موقفا للمزايدة عليه. ما لا يفهمه جعجع أن وضعه مختلف. هو قدم نفسه على أنه رجل انفتاح، فيما التصق اسم ميشال عون منذ عام 2006 بالتبعية لحزب الله، فيما كانت الأحزاب المسيحية المنضوية في «14 آذار» تعطي أبهى صورة بانفتاحها على الطرف الآخر.. على مكونات الوطن. أما بهذا الموقف اليوم، فقد عوض ميشال عون خسارته.

* فقط بسبب الهاجس؟

- وبسبب المزايدة بعضهم على بعض في الشارع المسيحي حو من يحمي حقوق المسيحيين.

* ومن يحمي حقوق المسيحيين إذا كانت هذه الطريقة خطأ برأيك؟

- لا شيء يحمي حقوق المسيحيين سوى عودة الدولة وعلمانية الدولة.

* لكن هذا سوف يؤثر على الوجود المسيحي في الدولة! - قد تكون الأمور في البداية هكذا، فيفوز المسلمون بثلث المقاعد في أول دورة أو دورتين، لكن بعد ذلك سوف تزول الهواجس وتتغير الأمور، فتعود الناس للانتخاب وفقا لكفاءة الشخص لا وفقا لانتمائه الطائفي.

* لكن هذا الأمر غير مطروح الآن، فما البديل الواقعي؟

- هناك بديلان. إذا أردنا إجراء الانتخابات، فعلينا أن ننجز قانون انتخاب يتوافق عليه الجميع ويراعي حقوق المسيحيين والميثاقية (المناصفة). ولأن هناك طرحين، واحدا ينادي باعتماد النظام النسبي وآخر ينادي بالنظام الأكثري، فأعتقد أنه من الممكن الذهاب إلى قانون نسبي - أكثري، كما هي الحال مع اقتراح قانون الوزير السابق فؤاد بطرس، بعد إدخال تعديلات عليه. أما البديل الثاني فيكون بالعودة إلى اتفاق الطائف عبر حل المسألة الطائفية بإنشاء مجلس للشيوخ يتم انتخابه وفقا للنسبية وداخل كل طائفة، بالإضافة إلى إقرار قانون انتخاب نيابي أكثري لمرحلة معينة تنتهي بالعلمنة أو إلغاء الطائفية السياسية.

* ما التعديلات الممكن تطبيقها والتوافق عليها في ظل إصرار كل فريق على قانون على قياسه؟

- القانون الذي يمكن أن يقر، هو القانون الذي لا يعطي نتائج مسبقة، أي قانون يعطي أرجحية لفريق ما بشكل واضح، سيكون مرفوضا من الآخر.

* تقصد الغموض البناء؟

- نعم هذا صحيح.

* وإذا لم يتحقق هذا.. هل ستجرى الانتخابات؟

- إذا لم نتوصل خلال فترة قصيرة إلى اتفاق، نعم ستكون الانتخابات في خطر؛ هذا تقنيا، أما في السياسة، فربما يجد بعض الفرقاء أنه من المناسب لهم أن لا تجرى الانتخابات.

* من تقصد؟

- إذا وجد حزب الله أنه لا يزال يسيطر على الدولة من خلال التركيبة الحالية، فلماذا يجري الانتخابات؟

* وماذا ستكون عواقب عدم إجراء الانتخابات؟

- هذا يظهر المزيد من التفكك في الدولة، وإشارة سلبية جدا.. نحن الآن في حالة مزرية، وإذا لم تجر الانتخابات، سنكون في وضع أكثر سوءا.

* ما مصدر شكواكم من سلاح حزب الله؟

- سلاح حزب الله يجعل بقية اللبنانيين يعتقدون أن من حقهم امتلاك سلاح للتوازن مع سلاحه، وهذه القناعة ازدادت خطورة بعد اجتياح الحزب لبيروت في عام 2008. أما الأخطر، فهو أنه بسبب شح التمويل الإيراني بعد المقاطعة الدولية، بدأ الحزب يتحول إلى الداخل اللبناني من أجل الحصول على ما يحتاج إليه من مال، فكان اجتياح الجمارك والخطوط الهاتفية والمتاجرة بالمخدرات والأدوية المزورة واللحوم الفاسدة والاستيلاء على مفاصل الدولة. ويضاف إلى ذلك الخطر الجاثم في تصرفه بقرار السلم والحرب، فأصبحنا عرضة لهجوم إسرائيلي من الخارج وانحلال داخلي معمم على سائر مفاصل الدولة.

* هل لا تزال المخاوف الأمنية قائمة؟

- لا شك في أن قادة «14 آذار» منذ اغتيال الرئيس الحريري وحتى الآن، لم يكونوا في وضع أمني مريح، إنما الخطورة تزداد بحسب الأوضاع السياسية. والخطورة على الأشخاص ليست لسبب واحد، فقد تكون لأكثر من سبب.. فهناك فريق مهدد بسبب موقفه من النظام السوري، ومدى تأثيره على ما يجري في سوريا - ولو إعلاميا - وهناك من هو معرض لذلك بسبب الانتخابات النيابية نتيجة ثقل انتخابي يمتلكه في منطقة ما، وهناك أشخاص يمكن أن يكون اغتيالهم سببا لتأجيج الفتنة المذهبية.

* وأنت لأي من الأسباب معرض للاغتيال؟

- إذا كان ثمة تهديد فهو لأسباب انتخابية. في الوقت الضائع أنا هنا، وإذا كان هناك تحرك جدي في موضوع الانتخابات فسأكون في لبنان بالتأكيد.

* أين أصبح مطلب إسقاط الحكومة.. لم نعد نسمع به؟

- هو مطلب حق. نحن نعاب لأننا نطلبه ولا يتم. لكن في الدول الديمقراطية كافة تكون رغبة المعارضة هي إسقاط الحكومة، إضافة إلى أن هذه الحكومة لم تكن منتجة في أي من الأحوال حتى نقول «ماشي الحال».

الواقع أن هناك عوائق منعت إسقاط الحكومة.. ففي الشارع نحن لا نستطيع إسقاط الحكومة لأن الشارع اللبناني منقسم، والطرف الداعم للحكومة لديه إمكانات أكبر بكثير من إمكاناتنا. أما في المجلس النيابي فالوضع مشابه؛ إذ إننا نتعادل مع فريق «8 آذار» تقريبا، ويبقى الصوت المرجح للنائب وليد جنبلاط وكتلته. وهذه الكتلة موجودة الآن في الحكومة، رغم أن مواقفها السياسية بالخطوط العريضة أقرب إلينا.

* لماذا إذن عجزتم عن إقناعه بالانضمام إليكم؟

- نحن لم نتمكن من إقناع وليد جنبلاط بالانسحاب من الحكومة لأسباب كثيرة، لا سيما أنه لم يعط البدائل. النائب جنبلاط كأي سياسي لبناني لديه حساباته الخاصة، وعنده حساباته الداخلية وأخرى خارجية، ورغم أن كلامي قد لا يرضي أصدقائي، لا سيما الرئيس سعد الحريري، فإن الموقف من النائب جنبلاط كان فيه كثير من الشخصنة، بينما السياسة تتطلب المرونة.

* الرئيس نجيب ميقاتي يبدو أنه استعاد المبادرة، فهناك انفتاح عربي ودولي عليه كما يشيع؟

- ميقاتي قام بجهد نجح فيه إلى حد ما بإقناع الدول الغربية بأنه حافظ على الأساسيات كما في الموقف من المحكمة الدولية وسياسة النأي بالنفس حيال ما يجري في سوريا، ولو أنها لم تطبق بالطريقة التي يجب أن تطبق بها. لكنه في الوقت نفسه ضرب عرض الحائط بقناعات طائفته والناس التي انتخبته، وكان موقفه التشبث بالحكم رغم الهزة الكبيرة التي أحدثها اغتيال اللواء وسام الحسن.. لكنه اختار الكرسي.

أما في العلاقة مع المملكة العربية السعودية، فقد روج لزيارته إلى هناك على أنها انفتاح سعودي عليه، بعد أن قام بزيارات حج وعمرة خلال السنتين الماضيتين، كما لم يقم بها في حياته، طمعا في أن يتم استقباله فيبرر ذلك بأنه انفتاح عليه. هذه المرة ذهب إلى القمة الاقتصادية ممثلا الدولة اللبنانية، وقد استقبل برتوكوليا كأي رئيس وفد آخر. استغل ميقاتي هذا اللقاء للترويج بأن المياه عادت إلى مجاريها مع المملكة، وقد استعمل كل أدواته لإثبات هذه النظرية. ورغم أن مصادر عدة أكدت بروتوكولية هذا اللقاء، فإنه من دون شك سيرسخ في ذهن الناس على أنه أحدث اختراقا في الموقف السعودي.

* ما الذي كان بإمكانه أن يقوم به؟

- أن يكون بطلا.. لكن على أية حال سواء تحقق مطلبنا باستقالة الحكومة أم لا، فإننا مستمرون في المطالبة به من حيث المبدأ. وفي حال إقرار قانون جديد للانتخابات، فمن المفروض به أن يستقيل وأن تأتي حكومة حيادية لإدارة الانتخابات لا تضم مرشحين.

* ما الذي لم يطبق من سياسة النأي بالنفس؟

- في الواقع، لقد طبقت جزئيا، إنما كان هناك الكثير من الخروقات لهذا الموقف بشكل معلن، وليس سريا.. فموقف وزير الخارجية اللبناني في كل الاجتماعات العربية كان موقفا مؤيدا للنظام السوري، إضافة إلى أن مكونا أساسيا في الحكومة هو حزب الله المشارك فعليا في الدفاع عن النظام، وليس في السياسة، إنما القتال داخل سوريا، وهو كلام اعترف به الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. أما في الطرف الثاني، فقد تكون هناك أطراف مناوئة للحكومة شاركت في القتال في سوريا ضد النظام، لكن هذه الأطراف لا يوجد أحد وراءها بقرار سياسي، وحافزها ديني أكثر مما هو سياسي. هناك ادعاء بأن تيار المستقبل مشارك. في الواقع أن المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب عقاب صقر كان مقنعا بعدم وجود تدخل، إلى حد أن كل الأفواه التي كانت تنظر لهذا التدخل قد سكتت.

* كيف يتأثر لبنان بهذا الواقع؟

- لا أحد من الفرقاء اللبنانيين يجب أن يراهن على الوضع السوري.. الواقع أن القتال داخل سوريا من الواضح أنه مستمر، والأزمة طويلة. فالنظام السوري كان من أكثر الأنظمة لجهة إراحته لإسرائيل، وأنا أعتقد أن الغرب والولايات المتحدة يفضلون مصلحة إسرائيل التي لا تجد فائدة في انتهاء هذا الصراع في فترة قصيرة ما دام البديل عن النظام الحالي سيكون غير مريح لإسرائيل، لذلك فإن أفضل الحلول هو استمرار القتال وتهديم البنية التحتية السورية وضرب البنية الاقتصادية والاجتماعية لسوريا. وعندما تصبح الأوضاع بهذا الشكل، فلن يعود مهما لها من سوف يتسلم السلطة هناك، لأن الحكم الجديد سوف يكون مشغولا بإعادة الحياة إلى العروق السورية وهذا يتطلب عشرات السنين. لذلك، فإن رهان أي طرف على ذهاب النظام أو بقائه هو رهان بلا نتائج إيجابية أو سلبية في الوقت الراهن.