لبنان: جدل سياسي اجتماعي ديني حول الزواج المدني

خلاف بشأنه بين رئيسي الجمهورية والحكومة

TT

لم يكن كل من خلود سكرية ونضال درويش يعرفان، على الرغم من قناعتهما بأهمية الخطوة التي أقدما عليها، أن زواجهما المدني المستند إلى دستور بلد يعتمد قانون الأحوال الشخصية فيه على النظام الطائفي والمذهبي، من الممكن أن يتحول إلى جدل بل خلاف سياسي اجتماعي ديني واسع، على أعلى المستويات، ولا سيما بين المفتي محمد رشيد قباني ورئيسي الجمهورية والحكومة ميشال سليمان ونجيب ميقاتي. وقد أتت الفتوى التي أصدرها المفتي قباني أول من أمس، بتحريم الزواج المدني و«اعتبار من يقدم عليه مرتدا»، لتظهر الهوّة بين الفئات اللبنانية كافة على اختلاف آرائهم، وخاصة بين الشباب اللبناني من جهة ورجال الدين وبعض السياسيين من جهة أخرى، لا سيما أن طرح الموضوع يأتي قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات النيابية التي تعتمد في لبنان على «حرب مواقف» يهدف كل فريق سياسي، من خلالها، إلى إرضاء قاعدته الشعبية انطلاقا من التوجهات الطائفية والمذهبية. وهذا ما انعكس بشكل واضح في ردود فعل الشعب اللبناني، ولا سيما الشباب، الذين أعادوا إحياء حملات المطالبة بإقرار القانون واحترام حرية خيار المواطنين، التي بدأت منذ سنوات عدة، سائلين كيف يمكن الاعتراف بالزواج المدني الذي يعقده اللبنانيون خارج لبنان، ورفض إقرار عقد هذا الزواج في لبنان؟

وفي حين أجمع عدد منهم على أنه لم يكن متوقعا من رجل دين ومفتي جمهورية أن يعلن موافقته على هذا القانون، عبروا في الوقت ذاته عن استيائهم من «هذه الفتوى» التي حكمت على كل من يوافق أو يتزوج مدنيا بأنه «مرتد»، معتبرين أن اللجوء إلى الزواج المدني لا يعني عدم الإيمان. وفي حين كانت دائرة الحملات المطالبة بإقرار الزواج المدني قد توسّعت منذ أيام قليلة من إعلان زواج خلود ونضال، من بينها عريضة المطالبة بإقرار الزواج المدني التي تلعب رأس الحربة فيها الإعلامية بولا يعقوبيان، التي استحوذت على دعم من مجموعة كبيرة من اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، أنشأ المتزوجون مدنيا، أمس، مجموعة على موقع «فيس بوك» أطلقوا عليها تسمية «نحن تزوجنا مدني... وعقبالكم»، لتجمع في أقل من 3 ساعات نحو 1500 داعم، عمد خلالها المتزوجون مدنيا إلى إضافة أسمائهم وصور زواجهم خارج لبنان ولا سيما في قبرص.

وفي هذا الإطار، أكدت يعقوبيان لـ«الشرق الأوسط» أن «العريضة التي جذبت آلاف التواقيع بعد أيام قليلة على إطلاقها، ستكمل طريقها مواكبة الرئيس سليمان في (حربه المطالبة بإقرار القانون)»، معتبرة أنه في لبنان لا شيء يصل إلى خط النهاية إلا بصعوبة، مضيفة: «لكن مجرّد فتح النقاش الذي أظهر عدم اصطفاف اللبنانيين بحسب طوائفهم ومذاهبهم، بعدما كانت الانقسامات الطائفية عمودية في الفترة الأخيرة، هو حراك صحي، يجعلنا نأمل بإمكانية إقرار قانون للأحوال الشخصية، يعامل فيه اللبناني كمواطن، وليس كشخص منتمٍ إلى طائفة أو مذهب معين». وسألت يعقوبيان: «كيف يمكن أن يكون معترفا بالزواج المدني في لبنان ولا يمكن على اللبنانيين عقده على الأراضي اللبنانية؟».

وكان خلود ونضال اللذان ينتميان إلى مذهبين مختلفين، قد عمدا إلى عقد قرانهما لدى رجل دين مسلم، من دون أن يتمّ تسجيله في المحاكم الشرعية، بينما قاما بشطب مذهبيهما من «سجل النفوس»، وهو الأمر الذي أقرّ قانونيا في لبنان عام 2011، وأصبح بموجب الاجتهاد القانوني، الذي يستند على عدم انتمائهما إلى طائفة تتيح لهما الزواج في محكمة شرعية، لهما حق الزواج مدنيا، وها هما اليوم بانتظار إعلان وزارة الداخلية قبولها توثيق هذا الزواج.

يذكر أن فتوى قباني التي اعتبرت «كل من يوافق من المسؤولين المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية على تشريع وتقنين الزواج المدني، ولو اختياريا، مرتدا وخارجا عن دين الإسلام ولا يغسل ولا يكفّن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين»، جاءت بعد حملة شعبية واسعة مطالبة بإقرار القانون، وإثر إبداء كل من سليمان وميقاتي موقفهما تجاه هذه القضية عبر «تويتر»، إذ عبر الأول عن تأييده الزواج المدني فيما اعتبر ميقاتي أن هذا الأمر سجال لا طائل منه. كما كان هذا الموضوع مادة خلافية بين الرئيسين في جلسة مجلس الوزراء، أمس ، وإن لم يكن على جدول أعمالها، إذ عبر كل منهما عن موقفهما بشكل علني خلال جلسة مجلس الوزراء، وفي حين تمنى ميقاتي عدم إثارة موضوع الزواج المدني في هذا الوقت بالذات باعتباره موضوعا حساسا، طلب سليمان من وزير الداخلية مروان شربل التثبت من قانونية زواج نضال وخلود، لافتا إلى أن المبادرة الأخيرة بهذا الشأن كانت لرئيس الجمهورية الراحل إلياس الهراوي عام 1998، وأشار إلى أن زواجهما كان لدى الكاتب العدل فيما يعمد عدد كبير من الشباب لإجراء هذه العقود خارج البلاد وكأن وطنهم ليس لهم.

وأكد سليمان أن «تأييده لـ(قوننة) الزواج المدني غير موجه ضد الطوائف الإسلامية، بل هو من مسؤولياتي الدستورية، وفي مقدمها الحفاظ على الوحدة الوطنية، كما أنه ينسجم مع ما جاء في وثيقة الطائف لجهة حق شطب المذهب عن الهوية»، معتبرا أن هناك ضرورة لبحث موضوع الزواج المدني عبر إحالة المشروع الذي وافق عليه بصورة مبدئية مجلس الوزراء عام 1998 إلى وزيري العدل والداخلية لإعادة درس أو تكليفهما بإعداد مشروع جديد، معتبرا أنه «لا يمكننا إشاحة نظرنا عما يجري من تطور في العالم، وبالتالي عدم مواكبة تطلعات الشباب».