بورسعيد تعود لشعارات ثورة يناير وتهتف «الجيش والشعب يد واحدة»

لجنة تقصي الحقائق أرجأت أعمالها.. ومخاوف من فقدان أدلة الأحداث الدامية بالمدينة

TT

بينما كانت هتافات جموع المتظاهرين تستعيد شعارات ثورة 25 يناير ضد الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وهم يهتفون أمس وسط الدبابات المتمركزة في مدينة بورسعيد، عادت «غرفة العمليات» في مديرية أمن بورسعيد إلى طبيعتها بعد أن رفع جنود الشرطة المدنية المراتب الأسفنجية التي يستخدمها القادة للنوم على أرضية الغرفة الفسيحة منذ يوم السبت الماضي، عقب ليلة هي الأكثر هدوءا في المدينة الساحلية التي شهدت اشتباكات دامية على مدار الأيام الثلاثة الماضية. وطلب أحد القادة تنظيف الغرفة التي أداروا منها عملية تأمين سجن بورسعيد العمومي وأقسام الشرطة، وهو الأمر الذي عكس حالة الهدوء الحذر التي خيمت أمس على المدينة التي تشرف على المدخل الشمالي لقناة السويس، لكن الروايات التي تحيط بالأحداث وبالمتسببين في أعمال القتل والتخريب ما زال يكتنفها الغموض، بعد أن أجلت لجنة برلمانية لتقصي الحقائق أعمالها أمس، إلى وقت لاحق. وشهدت بورسعيد حالة من الفوضى في مطلع الأسبوع الحالي عقب صدور قرار من محكمة مصرية بإعدام 21 من أبناء المدينة على خلفية أحداث عنف مطلع العام الماضي بين أنصار مشجعي كرة القدم في استاد بورسعيد راح ضحيتها 72 من رابطة مشجعي النادي الأهلي المعروفة بـ«ألترس أهلاوي».

وبينما بدأ نحو خمسة من القيادات الشرطية استقبال تقارير أمنية من مختلف القطاعات في بورسعيد، قال رائد عمليات خاصة طلب عدم ذكر اسمه: «استعدنا الأمن في المدينة بنسبة 50 في المائة بعد حملتين قمنا بهما لضبط العناصر المسلحة». وتابع قائلا: «تمكنا ليلة أول من أمس من القبض على 17 ممن هاجموا سجن بورسعيد العمومي (المحتجز به المحكومون بالإعدام)، وقمنا بحملة أخرى أمس ضبطنا فيها 7 عناصر أخرى. وهناك آخرون هاربون نأمل في ضبطهم قريبا».

وأشار إلى أن عمليات ضبط المتهمين تمت بموجب الإجراءات القانونية الطبيعية. وقال: «اتبعنا القانون وهناك إذن من النيابة العامة ولم نلجأ للإجراءات الاستثنائية التي يتيحها لنا العمل بموجب حالة الطوارئ».

وكان الرئيس محمد مرسي قد أعلن حالة الطوارئ في مدن القناة (بورسعيد والإسماعيلية والسويس) يوم الاثنين الماضي، كما أصدر قرارا بحظر التجول في المدن الثلاث من التاسعة مساء وحتى السادسة صباحا.

في غضون ذلك، واصل أهالي بورسعيد تحديهم لحظر التجوال لليوم الثالث على التوالي، وظلت الحركة في شوارع المدينة حتى ساعة متأخرة من الليلة الماضية، كما جابت مظاهرة ضمت العشرات من رابطة مشجعي نادي المصري البورسعيدي والمعروفة باسم «ألترس جرين إيجلز» الشوارع، ورددت هتافات معادية للرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها.

وتنتشر آليات الجيش في شوارع بورسعيد، وحول المواقع الحيوية في المدينة، وتشارك في تأمين الحملات الأمنية التي تقوم بها الشرطة في ضبط الخارجين على القانون. وعاد هتاف «الجيش والشعب إيد واحدة» من جديد وجرى من قبل المحتجين كلما مروا بآليات الجيش المنتشرة في شوارع المدينة. وكان هذا الهتاف أبرز هتافات ثورة 25 يناير قبل عامين حين استدعى الرئيس السابق القوات المسلحة لحفظ الأمن عقب انهيار جهاز الشرطة وانسحابه شبه الكامل من المدن في ذلك الوقت. ويشعر أهالي بورسعيد بالغضب بعد سقوط عشرات القتلى في مواجهات بين محتجين وقوات الأمن، وهو أمر فاقمه إطلاق عناصر الشرطة قنابل الغاز أثناء تشييع جثامين القتلى الأحد الماضي، لكن الشرطة لديها رواية مختلفة، إذ قال مصدر أمني بمديرية أمن بورسعيد: «نحن لسنا مجانين لكي نطلق قنابل الغاز على مسيرة تضم الآلاف.. فما بالك وهم يحملون جثامين القتلى. ما حدث هو أن مجموعة من المجهولين حاولوا الهجوم على نادي الشرطة قبل دقائق من مرور الجنازة». وتابع موضحا: «وفي التوقيت نفسه هاجمنا ملثمون من الناحية الأخرى باستخدام البنادق الآلية.. لم يكن أمامنا إلا التعامل معهم فأطلقنا قنابل الغاز فظن من كانوا في الجنازة أننا نستهدفهم وهذا غير صحيح».

لا يخفي عدد من ضباط الشرطة سخطهم على الأوضاع. وقال أحد الضباط: «كنا نتعرض للهجوم على مدار يومين ولم يصلنا أمر الاشتباك مع المسلحين إلا في اليوم الثالث من الأحداث، كنا نتعرض لهجوم بالغرينوف، وهو سلاح آلي متوسط.. ويمكنك أن ترى قطر الفتحة الذي يخلفها هذا السلاح على جدران «قسم شرطة العرب».

ويزيد الضابط قائلا: «هذا القسم لم يكن به مساجين، فقد رحلناهم قبل الأحداث إلى السجن العمومي.. المهاجمون لم يستهدفوا الاستيلاء على الأسلحة فهم يحملون أسلحة أكثر تطورا مما نملك فلماذا يهاجموننا؟.. كانوا يستهدفوننا نحن.. وسقط منا شهيدان». ويشير إلى أن إصرار الأهالي على مشاهدة الأحداث عن قرب يسبب حرجا للقوات التي تتعامل مع المهاجمين.. «لماذا نتهم نحن بمسؤولية قتل الناس.. الملثمون كانوا يطلقون النار بشكل عشوائي والأسلحة التي يستخدمونها يصل مداها لثلاثة كيلومترات».

في المقابل، يرى الناشط الحقوقي أحمد مفرح وهو باحث في مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان أن أول ما يمكن رصده في أحداث بورسعيد هو الفشل الإداري في التعامل مع الأزمة، ويشير إلى أن هذا الفشل ساهم في تفاقم الأحداث.

يقول مفرح الذي جاء إلى بورسعيد قبل يومين: «لا أستطيع أن أفهم بقاء الأسلحة داخل قسم شرطة الكهرباء الذي يبعد عن السجن بنحو 200 متر فقط.. هذا أمر يناقض التصريحات التي أعلنتها وزارة الداخلية خلال الأيام السابقة على الأحداث التي كانت مصر كلها تتوقعها، وقد قالوا إنهم قاموا بالإجراءات الاحترازية وعلى رأسها إفراغ الأقسام من السلاح، وهذا لم يحدث». ويضيف أنه «بطبيعة الحال استطاع الأهالي اقتحام قسم شرطة الكهرباء واستولوا على الأسلحة التي كانت بداخله.. وهذا السلاح استخدم بلا شك في المواجهات».

هناك أمر آخر يرى البعض في بورسعيد أنه لافت للنظر، وهو اختفاء النيابة العامة طوال الأيام الثلاثة الماضية عن الساحة، و«لم تعاين مواقع الاشتباكات والأماكن الأخرى التي سقط فيها قتلى من المواطنين»، كما يقول مفرح الذي يشير إلى أن عددا كبيرا من القتلى تم دفنهم من دون الحصول على تصاريح بالدفن من النيابة العامة.

وبينما لا يزال الغموض وتضارب الروايات يحيط بأحداث بورسعيد أرجأت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان والتي تتولى سلطة التشريع مؤقتا)، مهمتها في بورسعيد بسبب الأوضاع الأمنية التي تشهدها المدينة.