يحيى صادق وزيري.. آخر وزير سني في إيران

توفي عن 101 سنة بعد مسيرة متميزة في عالمي القضاء والسياسة

يحيى صادق وزيري
TT

«رجل لكل الفصول».. هكذا كانت تعتبر النخبة الفكرية الثقافية الإيرانية يحيى صادق وزيري الذي توفي يوم أول من أمس الأربعاء في طهران عن 101 سنة. ولعل هذا اللقب مستحق تماما لرجل متميز عاش حياة متميزة.

ولد صادق وزيري عندما كان إيران تحت حكم آل قاجار، وهم قبيلة تركمانية استولت على الحكم قرب نهاية القرن الميلادي الثامن عشر. وكان قد تخرّج للتو من أحد المعاهد الدينية عندما أقر المجلس التأسيسي تولّي أسرة بهلوي السلطة عام 1925. ومن ثم، كان شاهدا على الأحداث الكبرى المتلاحقة، بما فيها الحربان العالميتان الأولى والثانية، إلى جانب حرب أهلية وثورة أسهمتا في تشكيل تاريخ إيران المعاصر الذي لم يمر في بال صادق وزيري أن يكون جزءا منه بصرف النظر عن أهمية هذا الجزء. غير أنه كان كذلك، في فبراير (شباط) من عام 1979، عندما استقال من حكومة شاهبور بختيار، آخر رئيس حكومة عيّنه الشاه محمد رضا بهلوي.

في حكومة بختيار أسندت إلى صادق وزيري حقيبة وزارة العدل، بيد أن حكومة بختيار انهارت خلال أيام من ولادتها في خضم ثورة الملالي بقيادة آية الله الخميني التي انتزعت السلطة. وبات صادق وزيري آخر مسلم سنّي يشغل منصبا وزاريا في إيران.

ولد صادق وزيري في مدينة سننداج عاصمة محافظة كردستان في شمال غربي إيران لعائلة بارزة أنجبت عددا من كبار الكتبة والإداريين الذين عملوا في خدمة الأمراء المحليين من أسرة أردلان. وخلال القرن التاسع عشر وسّعت عائلة صادق وزيري نفوذها عبر عدد من أفرادها أسندت إليهم مناصب مهمّة ونافذة في السلطة المركزية بالعاصمة طهران. وفيما بعد دخل عدد من أبناء العائلة البرلمان الإيراني نوابا عن الدوائر الكردية غالبا.

وفيما يتعلّق بيحيى صادق وزيري نفسه، فإنه كان بين طليعة الإيرانيين الذين دخلوا المدارس الثانوية الحديثة، ومن ثم جامعة طهران التي أسّسها رضا شاه بهلوي، وكان بين أوائل خريجي كلية الحقوق الحديثة التأسيس. وبعد سنتين أدى خلالهما الخدمة العسكرية الإلزامية عيّن معاون نائب عام في مدينة تبريز، عاصمة محافظة أذربيجان الشرقية وإحدى كبريات المدن الإيرانية. وكان هذا المنصب بداية مسيرة ناجحة شهدت شغله عددا من المناصب المهمة في الجهاز القضائي العلماني الجديد الذي تأثر كثيرا بالسلطات القضائية والمؤسسات القانونية الغربية. ولم يطل الوقت حتى غدا أحد كبار القضاء في البلاد وتولى لفترة منصب رئيس محكمة التأديب القضائية.

غير أن حياة صادق وزيري في سلط القضاء تعرّضت لهزّة كبرى عام 1963، نتيجة خلاف نشب بينه وبين وزير العدل، يومذاك، محمد باهري بسبب موضوع تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة الاضطرابات ذات الخلفيات السياسية. وبعدما عرض منصب آخر عليه فإنه رفض العرض وفضل التقاعد من الخدمة المدنية الحكومية في سن الحادية والخمسين، ومع أنه حصل على رخصة ممارسة المحاماة فإنه لم يمارس، بل أمضى وقته في كتابة مقالات وتعليقات تتصل بالمسائل والمشكلات القانونية ومساعدة التيارات المعتدلة المعارضة على بلورة استراتيجية عمل.

ثم في ديسمبر (كانون الأول) 1978، مع اندلاع الثورة الإيرانية قبل صادق وزيري دعوة بختيار لدخول حكومته. ولكن بعد مغادرة الشاه البلاد يوم 16 يناير (كانون الثاني) 1979 تقدّم صادق وزيري باستقالته معتبرا أن حكومة بختيار فقدت سند وجودها القانوني وعليها في ضوء ذلك أن تستقيل، لكن بختيار رفض استقالة الحكومة وحاول إنقاذها حتى النهاية التي أتت يوم 11 فبراير (شباط).

في هذه الأثناء جدّد صادق وزيري صلاته القديمة بمهدي بازركان الذي أصبح أول رئيس حكومة في الحقبة الخمينية. وإبان فترة حكم حكومة بازركان قاد صادق وزيري مهمة خاصة إلى كردستان، وفيما بعد عمل عضوا في اللجنة الموكلة بسن دستور جديد لإيران. غير أنه استقال من اللجنة بعد اتضح له أنه عبر الترويج لفكرة «ولاية الفقيه» كان الخميني يسعى إلى السلطة المطلقة لنفسه وللملالي الشيعة، وهو ما يعني تحويل غير الشيعة في البلاد إلى مواطنين من الدرجة الثانية.

تبقى الإشارة إلى أنه قبل الثورة شغل عدد كبير من الإيرانيين السّنّة مناصب وزارية، بينها مناصب حساسة، فكان منهم وزراء للخارجية والداخلية والعدل والزراعة، إلا أن الملالي كسروا هذا التقليد في عام 1979. ومنذ ذلك التاريخ حرم نحو عشرة ملايين سنّي من المناصب الكبرى في الدولة والقوات المسلّحة والسلك الدبلوماسي والقطاع الحكومي الاقتصادي، وبطبيعة الحال، منعوا من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وموقع المرشد الأعلى.