وزير خارجية ليبيا لـ «الشرق الأوسط»: على الدول التي قدمت عروضا بالمساعدة الالتزام بوعودها

وزير الدفاع الليبي: وعدونا بإقامة غرفة عمليات مشتركة للرصد الإلكتروني تتلقى صور الأقمار الصناعية كل عشر دقائق

وزير الخارجية الفرنسي لاوران فابيوس (يمين) يصافح نظيره الليبي محمد عبد العزيز بعد مؤتمر صحافي في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

«الأمن ثم الأمن ثم الأمن»: هكذا اختصر أحد المشاركين في «المؤتمر الوزاري الدولي لدعم ليبيا في قطاعات الأمن والقضاء وإقامة دولة القانون» الذي التأم أمس في وزارة الخارجية الفرنسية بدعوة مشتركة من باريس وطرابلس الغرب. وبالفعل، ومقابل الوعود بالمساعدة والوقوف إلى جانب الحكومة الليبية، فقد قدم المؤتمرون «لائحة مطالب» طويلة إلى الوفد الليبي المشكل من وزيري الخارجية والدفاع تضمنها البيان الختامي، ومن أصل 20 فقرة، ثمة 15 منها تركزت على الموضوع الأمني.

وطالب المؤتمرون طرابلس بأن تسرع الخطى وأن تبادر فورا وبشكل مرئي وملموس لمعالجة المشاكل الأمنية التي من شأنها أن تعيق مسار الانتقال الديمقراطي في ليبيا. والمطلوب من السلطات الليبية أن تعالج الوضع الأمني «في الداخل» والرقابة على الحدود ونزح سلاح «الميليشيات» والتسريح وضم المقاتلين الثوار «إلى الأجهزة الأمنية أو الحكومية» والمسائل المتعلقة بالسلاح «المفترض بالحكومة أن تجمعه» والذخائر. ويريد المؤتمرون متابعة جدية ومستمرة للملف الأمني من خلال «إنشاء مجموعة عمل من شركاء ليبيا الأساسيين في الملف الأمني» ومهمة المجموعة أن تلتقي «دوريا» مع المسؤولين الليبيين من أجل تقويم التقدم الحاصل ومراجعة الإجراءات العامة المتخذة في القطاع المذكور.

وبموازاة ذلك وبالنظر لما يعتبره المؤتمرون من حاجة ليبيا «الملحة» لضبط حدودها مع بلدان الجوار، فقد أعلن المؤتمرون عن «استعدادهم لمساعدة الحكومة الليبية على تحسين ضبط حدودها سريعا ودعوا الحكومة الليبية لوضع خطة طارئة والتعجيل بتنفيذها من أجل إدارة متكاملة» لهذه الحدود. وكخطوة أولى، سيعمد الاتحاد الأوروبي إلى إرسال بعثة مدنية غرضها مساعدة الليبيين في هذا الموضوع وذلك في شهر يونيو - (حزيران) المقبل. ووفق المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» فإن هذه البعثة ستضم ما بين 50 و70 خبيرا أمنيا أوروبيا.

وفي توصيف للوضع الأمني في ليبيا، قال لويس مارتينيز، من مركز الدراسات والأبحاث الدولية والخبير بالشؤون المغاربية لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا سلطة في ليبيا لا للشرطة ولا للجيش» في إشارة إلى استمرار الميليشيات التي تكاثرت في الحرب الليبية وعجز الحكومة حتى الآن عن حلها أو احتوائها على الرغم من وجود ما يقارب 140 ألف رجل أمن وجيش. ووصف مارتينيز ليبيا بأنها «سوق كبيرة للتهريب من كل الأنواع وأول ذلك السلاح». وتتنافس هذه الميليشيات وتتقاتل على سوق السلاح الكبرى، وفق ما أكده. وبحسب مسؤول دفاعي فرنسي كبير، فإن الكثير من السلاح الموجود بين أيدي مقاتلي الشمال في مالي انتقل إليهم من مخازن السلاح الليبية. ونسب مارتينيز استعادة ليبيا لدورها في إنتاج النفط وتصديره على الرغم من الأوضاع الأمنية غير المستقرة لكون الحكومة «اشترت ولاء عدد من القبائل التي أوكلت إليها الحفاظ على الإنشاءات النفطية وتسهيل الإنتاج والتصدير مقابل بدل مالي أو امتيازات عينية».

ونبه المؤتمرون إلى الخطورة المترتبة على وجود مخازن سلاح ومتفجرات لا تخضع في غالبيتها لسيطرة الدولة وهي تشكل تهديدا مباشرا لأمن ليبيا والمنطقة، وفي موضوع الرقابة على الحدود، التزم شركاء ليبيا الدوليون بتوفير الدعم للحكومة الليبية والشركاء الإقليميين لمواجهة هذه التهديدات. وعمليا، يعني ذلك، إلى جانب البعثة الأوروبية، توفير الأجهزة الحديثة للرقابة الإلكترونية الأرضية والجوية على الحدود الليبية البرية والبحرية والتأهيل والتدريب.. غير أن الأمور بحاجة إلى اجتماعات لاحقة من أجل المتابعة. لهذا الغرض، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في المؤتمر الصحافي الذي أعقب انتهاء أعمال المؤتمر التي لم تزد على ثلاث ساعات، أن الاجتماع المقبل سيعقد في روما، وعرض وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن تستضيف بلاده إسطنبول الاجتماع الذي سيليه.

واعتبر فابيوس أن المؤتمر «يعكس الإرادة المشتركة للوقوف إلى جانب ليبيا في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة». وكشف أن بلاده اقترحت على ليبيا تأهيل آلاف من رجال الشرطة والكثير من الضباط ومساعدة طرابلس على إعادة بناء قواتها الأرضية والجوية والبحرية».

وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» على هامش المؤتمر، قال وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز إن «أمن ليبيا هو أمن شمال أفريقيا وأمن شمال المتوسط» وبالتالي فإنه «لم يعد مسؤولية ليبية وحسب بل هو مسؤولية جماعية ولذا فإن تقديم المساندة والدعم واجب إقليمي وجماعي ودولي».

ودعا عبد العزيز الأطراف الإقليمية والدولية المشاركة إلى «الالتزام بما قدموه واقترحوه» معتبرا أن انعقاد المؤتمر «يدل على أن ليبيا ليست متروكة وحدها بل هناك مجتمع دولي وعرب بالدرجة الأولى ما زالوا يؤمنون كليا بمسارها الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات».

وعلى الرغم من التركيز على تداعي الأمن في ليبيا، اعتبر عبد العزيز أنه «غير قلق» وأنه «لا يخشى على الأمني الليبي على الرغم من أننا نمر في ظروف استثنائية». ولفت الوزير الليبي إلى أن كل الدول التي عرفت الحروب احتاجت لوقت طويل لإعادة استتباب أمنها، منوها بالجهود التي تبذلها طرابلس الغرب لفرض الأمن والقانون. وبرأيه، أن المساعدات التي عرضت على بلاده والتي تحتاج إلى ترجمة على أرض الواقع من شأنها تسريع العملية الأمنية.

ومن جانبه قال وزير الدفاع الليبي محمد محمود البرغتي لـ«الشرق الأوسط» إن الدول الغربية وعدت بلاده بإنشاء غرفة عمليات مشتركة للرقابة تتلقى بانتظام صورا من الأقمار الصناعية كل عشر دقائق ما سيمكن من مراقبة الحدود ورصد أي تحركات داخلها أو لاجتيازها. وأفاد الوزير الليبي أن المؤتمرين طلبوا من وفد بلاده جهودا إضافية للسيطرة على الهجرة غير المشروعة عبر الحدود الليبية وضبط عمليات التهريب على أنواعها، مقابل ذلك سألوا الطرف الليبي عما يستطيعون تقديمه للمساعدة على تحقيق هذه الأهداف.

ونفى وزير الدفاع أن تكون بلاده بصدد قبول أي قوات أجنبية للمساعدة على ضبط الأمن والحدود معتبرا أن لليبيا جيشا وطنيا وسلاحا جويا وبحريا وهي قادرة على الدفاع عن حدودها، ونفى البرغتي أن تكون للحرب في مالي أي تأثيرات على بلاده أو على أمنها.

وتتبع مؤتمر الأمس زيارة رسمية اليوم لرئيس الوزراء الليبي علي زيدان ووفد وزاري كبير. ويلتقي زيدان رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس الشيوخ فيما يعقد الوزراء الليبيون اجتماعات مفصلة مع نظرائهم الفرنسيين.