فؤاد حمزة .. موثق مكونات السياسة السعودية

مستشار الملك المؤسس وأول سفير في الدولة الناشئة

الملك عبد العزيز مع الجنرال السير برنارد والأمير محمد بن عبدالعزيز ويظهر فؤاد حمزة على يمين الملك
TT

حظي فؤاد بن أمين حمزة بتقدير الملك عبد العزيز طيلة عمله المتفاني في خدمة السعودية منذ عام 1926م، وحتى وفاته في بيروت عام 1952م، حيث امتاز بالجمع بين العمل الدبلوماسي بما يتطلبه من رحلات وارتباطات داخلية وخارجية والأدب والتاريخ، وكان فذاً في كل عمل يناط به بشهادة من قابلوه وتعاملوا معه.

وجاءت تزكية قدرات الراحل فؤاد أمين حمزة لدى مؤسس السعودية وقدّمه إليه رجل بمستوى رئيس دولة هو شكري القوتلي الذي أصبح فيما بعد رئيساً لسوريا، فكان فؤاد حمزة اللبناني الجنسية آنذاك ثم أصبح سعودياً الآتي من القدس وقبلها من دمشق، ومربي الأجيال الذي عمل مدرساً في ثلاث عواصم عربية، والمجيد للغة الإنجليزية قبل أكثر من ثمانين سنة، الرجل المناسب في المكان المناسب، وحيث يكون الإخلاص حاجة ملحة في أعمال الدولة والمجتمع بُعيد مرحلة من الحروب والمعارك والمنازعات والمطالبات التي تفرضها رغبة النهوض بالبلاد تكون الحاجة لمثل فؤاد حمزة، وأيضاً ما بعد تلك المرحلة الحضارية الحرجة. وقد عمل حمزة في البداية مترجماً خاصاً للملك عبد العزيز، ثم تولى أعمال مديرية الشؤون الخارجية، ثم وكيلاً للشؤون الخارجية، فعين وزيراً مفوضاً في باريس في العام نفسه ثم أنقرة، ثم أصبح مستشاراً للملك، وقد قام برحلات ومهمات دبلوماسية عديدة، من أبرزها سفره إلى القارة الأوروبية وأميركا للتعريف بسياسة المملكة العربية السعودية ومنهجها في التعامل الدولي، فخبر كثيراً من الخفايا في السياسة الدولية، كما كان ضمن الوفد السعودي برئاسة الملك عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ في مؤتمر لوبن للتفاوض مع الملك فيصل ملك العراق وكان الوفد يضم أيضاً كلا من عبد العزيز القصيبي (وكيل الملك عبد العزيز في البحرين)، ومدحت شيخ الأرض، ويوسف ياسين، وحافظ وهبة.

منح فؤاد حمزة لقب سفير ثم وزير دولة، وهو أول من نال منصب سفير في السعودية، وذلك لعلو كعبه في الدبلوماسية، وقدراته التفاوضية، وسبقه في هذا المجال ونجاحه في تفاصيله، وهو يملك صورة حقيقية عن شخصية الملك عبد العزيز، حيث يقول «إن من أروع مآثر الإمام الملك عبد العزيز هو تفهمه للمشكلة القبلية تفهم ابن الجزيرة الخبير بها، وعلاجه لها في ضوء مقتضيات الدولة السعودية ومتطلبات العصر، ذلك العلاج الذي كانت له نتائج باهرة بعيدة المدى في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية».

عرف عن فؤاد أمين حمزة الذي بدأ حياته بالتدريس ويجيد اللغة الإنجليزية بحبه للقراءة والبحث والتوثيق حتى أنه توفي وهو يحضر كتاباً عن آثار الجزيرة العربية قبل الإسلام، كما أن عدد عناوين مكتبته التي اهديت لدارة الملك عبد العزيز بلغ 1257 عنواناً وتحتوي مجموعات نادرة ونفيسة، حتى أن الدارة وقتها أعلنت أنها من أهم المكتبات المهداة لها، وجاء أغلب العناوين في المجالات السياسية كون صاحبها فؤاد حمزة عمل في السلك الدبلوماسي، في المقابل فإن فؤاد حمزة أثرى المكتبة التاريخية الوطنية بتأليف ثلاثة كتب قيمة كانت من بواكيرالرصد والتوثيق ذات المرجعية الأصيلة والقوية للتاريخ الوطني، تحوي إحصاءات مبكرة عن الخدمات والسكان، وتطرقت لموضوعات مسيسة بالمشهد القانوني وتاريخ بعض مؤسسات السلطة التنفيذية مثل مجلس الشورى وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبعض مؤسسات السلطة التشريعية التي كان أولها آنذاك القضاء بما يشبه توثيق مكونات السياسة المحلية السعودية في ذلك الوقت بما في ذلك شكل الحكومة والديموغرافيا السكانية بما فيها من القبائل وأنسابها والأجناس غير العربية، وصفه كثيرون من العرب والأجانب ممن كتبوا عن زياراتهم للمملكة العربية السعودية ومقابلاتهم مع الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بأنه مفوّه بليغ التعبير، قوي اللغة، رطب العبارة، يحتفظ بدلوماسية راقية وعميقة في أشد المواقف إحراجاً، يحظى باستشارة الملك بكل الأمور السياسية.