مواجهات جديدة في شمال مالي بعد مقتل تشاديين وجهاديين

قاعدة أميركية جديدة في النيجر لـ«الدرون» للرد على الإرهاب المتصاعد

جندي فرنسي يتحصن خلال اشتباكات مع متطرفين في غاو شمال مالي أمس (إ.ب.أ)
TT

دارت معارك جديدة أمس بين متمردين طوارق متحالفين مع القوات الفرنسية وبين جهاديين في شمال مالي، فيما استمرت في سلسلة جبال ايفوقاس ملاحقة إسلاميين أسفرت كما تقول تشاد عن مقتل 13 جنديا تشاديا و65 مقاتلا عدوا. وتقول مصادر أمنية إقليمية ومالية إن المواجهات دارت منذ صباح أمس بين مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد (تمرد طوارق) ومقاتلي مجموعة مسلحة لم تعرف هويتها بعد في قرية إنهليل القريبة من تيساليت والحدود مع الجزائر حيث استهدف اعتداء انتحاري أمس المتمردين الطوارق. وأوضح المصدر الأمني المالي «يبدو أنهم مقاتلون عرب يتواجهون حاليا مع طوارق الحركة الوطنية لتحرير أزواد». وقال محمد إبراهيم اغ الصالح المسؤول في الحركة الوطنية لتحرير أزواد الذي يتخذ من واغادوغو مقرا، إن الفريق الخصم يتألف من «مجموعات إرهابية» أتت على متن عدد كبير من السيارات و«يقودها عمر ولد حماها» من حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، إحدى المجموعات الإسلامية التي احتلت شمال مالي في 2012. ولم تتوافر أي حصيلة من أي مصدر.

وتبنت حركة التوحيد والجهاد السبت الهجوم الانتحاري الذي وقع أول من أمس في انهليل في منطقة كيدال.

وتضم هذه المنطقة أيضا منطقة إدرار الجبلية بين تيساليت وكيدال المدينة (1500 كلم عن باماكو) التي يعتبرها بعض الطوارق مهدا لحركتهم والتي لجأ إليها عدد كبير من الإسلاميين المسلحين المرتبطين بـ«القاعدة» الذين يطاردهم الجيش الفرنسي. وقد استعادت القوات الفرنسية أواخر يناير (كانون الثاني) السيطرة على مطار كيدال مع 1800 جندي تشادي يبسطون الأمن في المدينة التي كان يسيطر عليها إسلاميون يقولون إنهم «معتدلون» والحركة الشعبية لتحرير أزواد التي ترفض وجود جنود ماليين فيها لكنها تؤكد أنها تتعاون مع فرنسا. وأعلنت تشاد مساء أول من أمس أنها ألحقت خسائر فادحة بالجهاديين وأنها خسرت 13 جنديا سقطوا «في ساحة الشرف» وخمسة جرحى، كما ذكرت رئاسة الأركان في بيان صدر في إنجامينا.

وأضافت رئاسة الأركان أن المعارك بين القوات التشادية والإسلاميين المسلحين جرت الجمعة في منطقة ايفوقاس الجبلية شمال مالي. وأكدت أن «الجيش التشادي دمر خمس آليات وقتل 65 جهاديا».

وكانت تشاد أكدت الشهر الجاري أنها نشرت 1800 جندي في كيدال شمال مالي لضمان الأمن في المدينة التي كانت المعقل الأخير للإسلاميين. وأصبحت إنجامينا بذلك على خط المواجهة مع هؤلاء المسلحين. وأعلنت فرنسا هذا الأسبوع مقتل أحد جنودها خلال عملية في إدرار في 19 فبراير (شباط). وأضافت أنها «دمرت مخزنين كبيرين للذخائر» تابعين للجهاديين وقتلت «أكثر من عشرين إرهابيا».

وعلى بعد 350 كلم جنوب غربي كيدال، واصل الجيش المالي في غاو أكبر مدينة في شمال مالي عمليات «تمشيط» السبت، غداة معارك مع إسلاميين متسللين. وقاتل الجنود الماليون الجمعة الجهاديين بالأسلحة الثقيلة - خصوصا ضد بلدية غاو حيث تحصن بعض منهم وهم يحملون أحزمة ناسفة - بدعم من الجيش الفرنسي.

وكانت فرنسا أرسلت قوات إلى مالي في 11 يناير لمساعدة الجيش المالي على طرد الناشطين الإسلاميين الذين سيطروا العام الماضي على الصحراء شمال البلاد. ومنذ ذلك الحين نشر جنود من عدد من الدول الأفريقية بينما تفكر فرنسا في سحب قواتها الشهر الماضي. من جهة أخرى، صرح رئيس وفد اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مالي والنيجر جان نيكولا مارتي أن الوضع في مالي «ليس مستقرا على الإطلاق»، بينما تحدثت الأمم المتحدة عن «معلومات مروعة» في مجال حقوق الإنسان في شمال البلاد. وفي واغادوغو، صرحت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) إيرينا بوكوفا أن العمل العسكري المستمر في مالي ضد المجموعات الجهادية لن يكون فاعلا على المدى البعيد من دون «حوار».

وعلى ضوء إعلان الرئيس باراك أوباما إرسال طائرات «درون» (من دون طيار) إلى النيجر لمساعدة القوات الفرنسية والقوات الأفريقية في الحرب ضد المقاتلين الإسلاميين في مالي وفي دول أخرى في المنطقة، وعلى الرغم من قول أوباما إن الطائرات غير مسلحة، قال مصدر في الخارجية الأميركية إن خطة البنتاغون التي أرسلها إلى أوباما في الشهر الماضي عن العملية تتضمن إمكانية تسليحها، واستعمالها لقتل المقاتلين الإسلاميين. وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «خلافا حادا نشب بين الخارجية والبنتاغون حول إرسال هذه الطائرات إلى دول الصحراء الأفريقية، وإن الخارجية حذرت بأن الإرسال سيقود إلى توريط جديد للولايات المتحدة، وسيزيد العداء للولايات المتحدة في المنطقة».

وكان جنرالات البنتاغون وضعوا خطة طويلة المدى في حربهم ضد الإرهاب، تتضمن ملاحقة الإرهابيين في أي مكان في العالم. وأن سيطرة المقاتلين الإسلاميين على أجزاء من شمال مالي، منذ بداية السنة الماضية، صار فرصة ذهبية لهؤلاء الجنرالات. وكان الرئيس أوباما أعلن، يوم الجمعة، في خطاب إلى الكونغرس، إرسال مائة جندي أميركي إلى النيجر لتأسيس قاعدة جديدة لطائرات «درون». وأكد أوباما أن الطائرات لن تشترك في أي قتال، وأنها سترصد تحركات المقاتلين الإسلاميين. وقال إن أربعين عسكريا أميركيا وصلوا إلى النيجر يوم الأربعاء، بالإضافة إلى ستين كانوا موجودين هناك. وأن هؤلاء العسكريين مسلحون بما يكفيهم الدفاع عن أنفسهم. وستساعد الصور التي سترسلها هذه الطائرات القوات الفرنسية والأفريقية التي تحارب المقاتلين الإسلاميين في شمال مالي.

وقالت مصادر إخبارية أميركية إن النيجر كانت وقعت، في الشهر الماضي، اتفاقية مع الولايات المتحدة، لمساعدتها في الحرب ضد الإرهاب والإرهابيين. وكان عسكريون أميركيون قالوا إن موقع النيجر استراتيجي لأنها تجاور مالي، والجزائر، وتشاد، ونيجريا. وذلك بعد أن رفضت الجزائر ونيجريا وضع قواعد عسكرية أميركية في أرضيهما. وقال العسكريون إن الخطة ستسد فجوة في القدرات العسكرية الأميركية في شمال أفريقيا والصحراء الكبرى، حيث دول لا تزال بعيدة عن القواعد العسكرية الأميركية في شرق أفريقيا، مثل التي في جيبوتي، وفي جنوب أوروبا، مثل التي في إيطاليا. وأن الخطة الأساسية كانت لاستخدام الطائرات للمراقبة، لا للضربات الجوية، ولكن تتطور الخطة لتكون الطائرات مسلحة، وقادرة على قتل الإرهابيين. وكانت الخطة تعتمد على طائرات «بي سي 12» للمراقبة الجوية. لكن، أبدى المخططون قلقهم من أن هذه الطائرات يمكن أن يسقطها المسلحون بصواريخ تطلق من على الكتف. وقالت المصادر الأميركية إنه، فعلا، استخدمت طائرات «بي سي 12» في مالي في السنة الماضية، بعد بداية زحف المقالتين الإسلاميين في الشمال. لكن، طلبت السفيرة الأميركية في مالي، ماري بيث ليونارد، وقف هذه الاستكشافات الجوية خوفا من أن طيارا يمكن أن يسقط، ويصبح رهينة. أو إذا اضطرت طائرة إلى هبوط اضطراري. في ذلك الوقت، كانت قاعدة طائرات «بي سي 12» في بوركينا فاسو، الدولة الصغيرة التي تشترك في حدود طويلة مع مالي. وتظل بوركينا فاسو، بالإضافة إلى النيجر، من الخيارات أمام المخططين العسكريين.

لكن، صارت النيجر أقوى الخيارات بسبب قربها من دول أخرى مثل الجزائر، حيث مناطق النفط والغاز التي كان المقاتلون الإسلاميون احتلوا واحدة منها. وكان البنتاغون نقل، في نهاية العام الماضي، طائرة «بي سي 12» إلى نيامي، عاصمة النيجر. ووجد ترحيبا من المسؤولين هناك.