لبنان بين الانقسام السياسي والتوتر الأمني.. «خوف من الانفجار»

وزير الداخلية يدعو إلى حالة طوارئ سياسية شاملة وتوافق بين جميع الأفرقاء

رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يستعرض حرس الشرف مع نظيره المجري فيكتور أوربان في بيروت أمس (رويترز)
TT

بين صيدا وطرابلس والبقاع والعاصمة بيروت، وما بينها من توترات أمنية هنا وعمليات قنص وإلقاء قنابل هناك، وما يحكى عن ظاهرة التسلّح في مناطق معينة، إضافة إلى تباينات تكاد تصل إلى حدّ «العداء» بين أبناء الوطن الواحد، نتيجة انقسام اللبنانيين حيال ما يحصل في سوريا، ولا سيّما بين الطائفتين السنية والشيعية، لا يخفي كلّ الأفرقاء اللبنانيين تخوفهم من انفجار الوضع الأمني في أي لحظة، من دون أنّ يعكس هذا التخوّف أي تهدئة على الأرض ولا سيّما فيما يتعلّق بسقف الخطابات السياسية المرتفع بل والتحريضي.

وكان خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله، الأخير، واضحا في هذا الإطار، من خلال كلامه بشكل صريح للمرّة الأولى، عن الانقسام السني – الشيعي، محذرا من أنّ الاقتتال المذهبي سيؤدي إلى تدمير الجميع وهو مرفوض بكل المقاييس، متهما بعض النواب والمشايخ بأنّهم يتخذون منحى تصعيديا خطيرا وتحريضيا.

هذا الواقع يلفت إليه أيضا، وزير الداخلية اللبناني مروان شربل، معتبرا أنّ استمرار الخلافات السياسية وعدم الاتفاق بين جميع الأفرقاء سيؤدي إلى انفجار الوضع الأمني، والجميع عندها يتحمّل المسؤولية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الداء في لبنان معروف، وهو بالتأكيد عدم الاتفاق السياسي الذي ينعكس سلبا على الوضع بشكل عام، من الأمني والاقتصادي إلى السياحي والاجتماعي، وبالتالي الدواء لا يكمن إلا باتفاق الأفرقاء السياسيين، إلى جانب دور القوى الأمنية التي تقوم بعملها على الأرض على أكمل وجه»، مضيفا: «لكن على كل الأفرقاء السياسيين وليس فقط الممثلين في الحكومة، أنّ يجتمعوا ويتوافقوا لتجنيب لبنان نتائج خلافاتهم، لأنّ التسلّح بما يقولون: إنه (رفع الغطاء) لا يكفي في هذه الحالة، بل يجب أن يكون هناك حالة طوارئ سياسية لبنانية شاملة». وشدّد شربل، أنّ هناك خطّة أمنية تنفذ فيما يتعلّق بظاهرة الخطف، مقللا في الوقت عينه، من المعلومات التي تشير إلى احتمال حدوث توترات أمنية، اليوم الجمعة في طرابلس.

وكان شربل، قد أعلن كذلك، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ممثلي برنامج الأمم المتحدة، عن قلقه حيال تزايد عدد اللاجئين السوريين في لبنان الذين وصل عددهم إلى مليون، معتبرا أنّهم يهددون الوضع الأمني في البلد، وقال: «العدد الكبير الموجود حاليا حتى الآن لم نستطع أن نضبطه بالشكل المفروض» وسأل «مع من يتعاونون؟ من يستغلهم؟ من يسلحهم؟...حتى الآن ليس لدينا الإمكانية الكاملة للسيطرة عليهم».

بدوره، استغرب مصدر في تيار المستقبل، كلام نصر الله «الصارخ» حول الخلاف السني– الشيعي، معتبرا، أنّ هذا الحديث ليس غريبا إن صدر على لسان «ميليشيا» إنما تبرز خطورته في كونه صادرا على لسان من يتحدّث باسم المقاومة، ومن دون أن يتطرّق في الوقت عينه إلى الجبهة مع إسرائيل مستعيضا عنها بالكلام عن الجبهة السورية. وحذّر المصدر من العودة إلى أحداث 7 مايو (أيار) 2008. مذكرا أنّه حينها، وقبل أيام قليلة، هدّد نصر الله بأنّ «السلاح للدفاع عن السلاح»، وها هو اليوم يعود ليقول: «لا أحد يقوم بحسابات خاطئة معنا»، مضيفا: «حينها ذهبنا ووقعنا على اتفاق الدوحة، أمّا اليوم لن يجد حزب الله من يوقّع معه على اتفاق كهذا».

وفي حين لم ينف تخوفه من انفجار الوضع الأمني في لبنان، قال المصدر إن «حزب الله هو مصدر المشكلة الأساسي والوحيد، فإضافة إلى أنّه الجهة الوحيدة التي تحمل السلاح وقادرة على التفجير في أي وقت، ويهدّد ويقول الأمر لي ويرفض الانصياع إلى الدولة، أدّى تمسّكه بالسلاح إلى ظهور السلاح الآخر في مواجهة سلاحه وردا عليه».

وفي السياق الأمني نفسه، أكد أمس، قائد الجيش العماد جان قهوجي «حرص الجيش على صون الوحدة الوطنية والانتظام العام في البلاد، واستعداده للتصدي بكل حزم لأي محاولة تهدف إلى استدراج الفتنة والفوضى إلى لبنان»، فيما أعلن وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي أنّ «كل المؤشرات تدل على استعدادات لتفجير أمني في طرابلس»، واعتبر أنه «علينا التحذير مما سمعناه، وعمل الأجهزة الأمنية هو الكشف عن هذه المخططات»، معتبرا أنّ الموضوع لا يتعلق فقط بطرابلس، بل بدأت في طرابلس وأصبحت في كل لبنان.

كما لفت النائب مروان حمادة في كتلة اللقاء الديمقراطي، إلى أن «حزب الله وحلفاءه ومن ورائه النظامان السوري والإيراني، أقاموا (7 أيار ميليشيا) واجتاحوا بيروت، واليوم يحاول استهداف طرابلس»، مضيفا: «نريد ألا نقع ولا تقع الدولة والجيش والأمن العام في هذا الفخ. هذا الفريق يريد أن يكرّر الأحداث نفسها في طرابلس. يجب أن ننتبه لذلك، وأن لا تكون العملية التي تستهدف طرابلس هي لإسكات كل صوت يناهض سوريا ولإسكات كل صوت يعتصم أو يرفع علما للثورة»، محذرا من «زيادة تحويل بعض أحياء طرابلس إلى ترسانة مسلحة تابعة للنظام السوري».

من جهته، ندّد رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان في بيان له: «بالأحداث الدامية التي شهدتها مدينة طرابلس في الآونة الأخيرة»، معتبرا أنّها «تشكّل خطرا كبيرا على السلم الأهلي وتدقّ جرس الإنذار الأخير قبل اشتعال نيران الصراعات الطائفيّة والمذهبيّة في لبنان، والتي ستعيدنا عقودا إلى الوراء، إلى زمن الحرب الأهليّة».

ودعا النائب علي عسيران عضو كتلة «التنمية والتحرير» المسؤولين إلى «إعلان حال طوارئ في طرابلس والشمال بهدف إيقاف الفتنة هناك وإيجاد الحلول والسبل الناجعة لوضع حد لما يجري هناك، تخوفا من أن تلتهم الفتنة البلاد»، مؤكدا أن «مصلحة لبنان مهددة وأن كل من عرف الحرب ونتائجها يعرف مدى المآسي التي عاشها اللبنانيون وما جرته على لبنان من دمار وخراب وقتلى وجرحى وويلات ومصائب ما زلنا وما زال الوطن يدفع ثمنها».

وكرر أرسلان الدعوة لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إلى «عقد مؤتمر وطني للحوار لإعادة تقويم الأمور ووضعها في نصابها السليم كي لا نصل بالبلاد إلى مأزق جديد»، داعيا الجهات الأمنية والاستخباراتية إلى «القيام بعمل جاد لدرء المخاطر عن المسؤولين اللبنانيين وعن لبنان».