ماليزيا تسعى لقمع مسلحين يريدون إحياء مزاعم سلطنة

مظاهرات في مانيلا احتجاجا على العمليات العسكرية ضد المجموعة الفلبينية.. وسقوط قتلى

سكان يغادرون قراهم أمس بعد القصف الماليزي ضد المجموعة التي احتلت جزيرة بورينو (أ.ب)
TT

شنت قوات الأمن الماليزية أمس غارات جوية وحشدت آلاف الجنود، للقضاء على مجموعة فلبينية مسلحة اجتاحت الأراضي الماليزية بزعم استعادة جزء من جزيرة بورنيو تعود إلى إحدى الممالك القديمة.

وصرح وزير الدفاع الماليزي، أحمد زاهد، أن ثلاث طائرات مقاتلة من طراز «إف 18» وخمس مروحيات هجومية من طراز هوك قصفت وأطلقت النار على ما يقرب من 200 مسلح فلبيني يتمركزون بالقرب من قرية كامبونغ تاديو، الصغيرة الواقعة شمال شرقي ماليزيا. وأشار الوزير إلى أن الضربات الجوية تبعها هجوم أرضي قتل خلاله عدد من المسلحين الفلبينيين دون وقوع خسائر في صفوف القوات الماليزية. وقال الوزير في بيانه للصحافيين، دون تقديم تفاصيل بشأن ما إذا كان كل المسلحين قد تعرضوا للقتل أو الأسر: «كانت عملية القوات المسلحة للدفاع عن سيادة البلاد مثمرة».

وقد عرضت التقارير الصادرة عن وكالة «بيرناما» الرسمية حاملات جنود مدرعة تتحرك عبر شوارع ولاية صباح، فيما كانت طائرات عسكرية تحلق فوقها. وقد أقيمت الحواجز العسكرية حول المنطقة لوقف اتساع نطاق القتال، وتحدث قرويون عن اضطرارهم لنقل جثة واحدة على الأقل لمقاتل فلبيني من شوارع قريتهم.

مع اشتداد الهجوم الماليزي، تظاهر نشطاء يساريون ومسلمون أمس أمام السفارة الماليزية في الفلبين للمطالبة بوقف العمليات العسكرية في بورينو، ورددوا «أوقفوا مذبحة الفلبينيين في صباح»، كما أحرقوا صورة لرئيس وزراء ماليزيا نجيب رزاق وهو يصافح الرئيس الفلبيني بنينو أكينو الثالث. وعلقت السفارة العمل في القنصلية بسبب المظاهرة.

وجاءت العملية العسكرية في بورينو بعد أسابيع من مناشدات الحكومتين الماليزية والفلبينية للمسلحين بالعودة إلى جنوب الفلبين. وقد حاولت القوات الماليزية طرد المسلحين بالقوة مرارا، وقد قتل 27 شخصا على الأقل قبل بدء هجوم أمس، فيما لم تتضح بعد أعداد القتلى في عملية أمس.

وكان رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق قد كرر أكثر من مرة خلال الأيام الأخيرة أن صبر حكومته بدأ ينفد. وقال رئيس الوزراء في بيان له عقب الهجوم: «لن نسمح لأي من كان أن يهدد شبرا واحدا من أرضنا». وأوضح مسؤولون في الجيش الماليزي أن المسلحين التابعين لمجموعة تطلق على نفسها الميلشيا التابعة لسلطنة سولو، وهي مملكة إسلامية حكمت جنوب الفلبين وأجزاء من ولاية صباح الماليزية لقرون، وصلوا إلى قرية لاهاد داتو النائية شمال شرقي ماليزيا يوم 9 فبراير (شباط) عبر القوارب قادمين من جنوب الفلبين.

وحاولت المجموعة بأوامر ممن نصب نفسه سلطانا ويقيم في مانيلا، إحياء مزاعم السلطنة في المنطقة، رغم مناشدات كل من الحكومتين الفلبينية والماليزية لهم بالعودة إلى الفلبين. وقال المتحدث باسم المجموعة في مانيلا، إبراهيم إدجيراني، للصحافيين إن هجوم الجيش الماليزي فشل في قتل زعيم المجموعة على الأرض وإن المقاتلين الفلبينيين لا يزالون متواجدين في المنطقة. ويطالب أعضاء هذه المجموعة بالاعتراف بهم وأن تدفع لهم ماليزيا مبالغ مالية كبيرة، بزعم أنهم الأصحاب الأصليون لولاية صباح التي قامت سلطنة سولو بتأجيرها لمستعمرين بريطانيين في القرن التاسع عشر.

ورفضت ماليزيا هذه المطالب وطالبت المجموعة مرارا بإلقاء السلاح والعودة إلى الفلبين. ومن جانبه، قال الرئيس الفلبيني بنينو أكينو إنه يشتبه في أن المعارضة في بلاده أيدت هذه المجموعة في محاولة لإضعاف موقفه قبل الانتخابات العامة المرتقبة في مايو (أيار) المقبل.

من ناحية أخرى، لا يزال قائد المجموعة في مانيلا جمالول كيرام الثالث، وهو واحد من كثيرين يزعمون أحقيتهم في لقب سلطان سولو على رأيه، وأكد في مؤتمر صحافي في مانيلا يوم أمس أن المقاتلين الفلبينيين في بورينو، بمن فيهم ابنه الذي أعلنه أميرا لسولو، سيواصلون القتال. وقال: «إن ولي العهد وقوات الأمن الملكية والكثير من الوطنيين الذين تطوعوا سيقاتلون حتى آخر رجل لحماية قيمنا وطموحاتنا».

وقد شهدت الأيام القليلة الماضية، قيام عدد من المسؤولين الفلبينيين برحلات مكوكية بين كوالالمبور ومانيلا سعيا وراء تهدئة العلاقات مع الجارة في جنوب شرقي آسيا وحماية أكثر من 800 ألف فلبيني يعملون ويعيشون في ولاية صباح، حيث التقى في وقت مبكر من صباح أمس وزير الخارجية الفلبيني ألبرتو ديل روزاريو، المسؤولين في كوالالمبور في محاولة لخفض حدة التوترات بين البلدين.

وطالب المسؤولون الفلبينيون الحكومة الماليزية بضبط النفس في التعامل مع الفلبينيين المتورطين في الاجتياح، لكن المتحدث باسم الرئيس في مانيلا قال أمس إن العملية العسكرية تتعدى قدرة الحكومة الفلبينية على التحكم بها. وقال إدوين لاسيردا، المتحدث باسم الرئاسة: «لسنا في موقف يسمح لنا بالتكهن بتحركات الحكومة الماليزية. لكن الواضح أن الدم الماليزي قد أريق، ولو حدث ذلك لنا، لقمنا بتحركات مماثلة».

وقد أسهم العنف في ولاية صباح والذي تحول إلى واحد من أكثر حالات الطوارئ الأمنية خطورة في تاريخ ماليزيا في توتر العلاقات بين دولتي جنوب شرقي آسيا الحليفتين. ويحاول البلدان الحيلولة دون انتشار العنف، حيث تقوم السفن الحربية الفلبينية بدوريات في الحدود البحرية الضيقة لوقف المقاتلين الفلبينيين المتعاطفين مع المجموعة في بورينو من الالتحاق بالمجموعة كنوع من التعزيزات لها.

وقد صرح نور ميسوري، زعيم جبهة تحرير مورو الإسلامية، وهي مجموعة إسلامية في جنوب الفلبين، في مؤتمر صحافي أمس أن مجموعته لا تدعم الاجتياح، لكنه حذر السلطات الماليزية من المساس بالمدنيين الفلبينيين العاملين في ولاية صباح. وقال: «لا تمسوا المدنيين، لأنكم إن فعلتم ذلك، فسوف يكون ذلك بمثابة إعلان حرب ضد شعبنا وجبهة تحرير مورو».

* خدمة «نيويورك تايمز»