الحكم على معتقل «حزب الله» بقبرص في 21 مارس

ضغوط متزايدة على الاتحاد الأوروبي لإدراج اسم التنظيم على قائمة المنظمات الإرهابية

المتهم حسام طالب يعقوب أثناء توجهه إلى محكمة ليماسول لحضور الجلسة الأخيرة (أ.ب)
TT

ظل حسام طالب يعقوب لأيام بعد إلقاء شرطة قبرص القبض عليه متصدرا الأخبار بقصته التي قضى سنوات في بناء حبكتها. لقد كان رجل أعمال لبنانيا يبحث عن فرص للاستيراد، لا فرصة ليصبح أحد أعضاء تنظيم حزب الله يراقب أهدافا تصلح للهجمات الإرهابية. وبدأ تداول قصته خلال تحقيقات مطولة. واعترف بأنه رصد مواعيد وصول رحلة مقبلة من إسرائيل، لكنه قال إنه لم يفعل ذلك إلا بطلب من تاجر زميله دفع له 500 دولار مقدما ووعده بالحصول على 500 دولار أخرى عند عودته إلى بيروت.

ومثل معتقل حزب الله أمام محكمة قبرصية، أول من أمس، في آخر جلسة قبل البت فيما إذا كان قد خطط لمهاجمة مصالح إسرائيلية لحساب الحزب المدعوم من إيران.

وفي حال قضت المحكمة بإدانة حسام يعقوب، وهو سويدي من أصل لبناني في جلسة يوم 21 مارس (آذار) فإنها ستزيد من الدعوات المطالبة للاتحاد الأوروبي بأن يحذو حذو الولايات المتحدة ويعلن أن حزب الله منظمة إرهابية. ويقاوم الاتحاد الأوروبي ضغطا من الولايات المتحدة وإسرائيل لإدراج حزب الله على القائمة السوداء بدعوى أن ذلك قد يزعزع استقرار الحكومة اللبنانية الهشة، ويساهم في انعدام الاستقرار بالشرق الأوسط.

غير أن الحكم بإدانة يعقوب في قبرص بحسب «نيويورك تايمز» من شأنه أن يزيد من الضغط الناجم عن التفجير الانتحاري في بلغاريا كي يتخذ الاتحاد الأوروبي إجراء صارما ضد الجماعة. وقبرص وبلغاريا دولتان عضوان في الاتحاد الذي يضم 27 دولة. وألقي القبض على يعقوب في مدينة ليماسول القبرصية الساحلية العام الماضي قبل أسبوعين من هجوم انتحاري أسفر عن مقتل 5 سائحين إسرائيليين في بلغاريا في يوليو (تموز) الماضي.

ويقول الادعاء القبرصي إن يعقوب تعقب تحركات سائحين إسرائيليين في الجزيرة، وهي مقصد لقضاء العطلات في شرق المتوسط من قبل كثير من السياح، وقام بتتبع مواعيد وصول الرحلات الجوية المقبلة من إسرائيل وأعداد الحافلات المسجلة التي تقل الزائرين إلى الفنادق. ودفع يعقوب ببراءته من الاتهامات الـ8 الموجهة إليه، التي تتعلق بالتآمر والموافقة على ارتكاب جريمة والانتماء إلى منظمة إجرامية.

ولم ينفِ يعقوب انتماءه لحزب الله أو عمله لحساب الجماعة في أوروبا. وكان يعقوب في الـ24 من عمره وقت إلقاء القبض عليه.

وأخيرا في 14 يوليو (تموز) الماضي، أي بعد القبض عليه بنحو أسبوع، اعترف يعقوب بأنه كان في قبرص للعمل لحساب حزب الله. وقد جنده التنظيم عام 2007 عندما دعاه رجل يدعى رضا إلى لقاء في مكتب تابع لحزب الله في بيروت يعمل في شؤون الطلبة. وأخبر يعقوب المحققين في قبرص: «لقد قالوا لي إنهم بحاجة لي للقيام بمهمة سرية لحساب حزب الله. وقد قبلت لأنني كنت أظن أنهم يحتاجون لي في أمر عظيم وأني بالنسبة لهم المختار»، وذلك بحسب ما جاء في الإفادات.

انتهت محاكمة يعقوب بتهمة الاشتراك في مخطط حزب الله للهجوم على سائحين إسرائيليين في قبرص أول من أمس بانتهاء الدفاع المكتوب، وتقديم ممثل الادعاء العام لحجته، والدفاع لحجته القائمة على التناقض بين شهادة المتهم والأقوال التي أدلى بها في تحقيقات الشرطة، التي ينكر بعضها حاليا.

توضح هذه الإفادات رحلة فتى مهاجر نشأ في بلدة هادئة في شمال غربي غوتبورغ بالسويد، وأصبح شابا له حياة تشبه أفلام الحركة والإثارة وتضم في طياتها مسارات سرية في التدريب على السلاح والرحلات الممولة من تنظيم حزب الله الشيعي.

ربما يكون لمصيره عواقب كبيرة بالنسبة لحزب الله، حيث يمثل التفجير الذي شهدته بلغاريا خلال شهر يوليو الماضي، والذي أسفر عن مقتل 5 إسرائيليين وقائد الحافلة التي كانت تقلهم قبل أسبوعين من القبض على يعقوب، والذي أعلن حزب الله مسؤوليته عنه، ومحاكمة يعقوب في قبرص حاليا، ضغطا متزايدا على الاتحاد الأوروبي لإدراج اسم التنظيم على قائمة المنظمات الإرهابية.

ويقول الخبراء في الإرهاب الذين راقبوا المحاكمة إن مهارة واحترافية حزب الله تزداد، ويتجه التنظيم إلى أن يصبح أكثر حذرا وحرصا في التخطيط لهجماته. يقول ماثيو ليفيت، مدير برنامج مكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «إنهم أرسلوا هذا الشاب إلى قبرص بعد كل ما تلقاه من تدريب ومهارات تؤهله للعمل كناقل، وهو ما أعتقد أنه جزء من التدريب والمهمات. إنهم يعترفون به ببطء ومنهجية. هذه هي المدرسة القديمة».

لقد كان من المرجح أن الاختيار وقع على يعقوب للقيام بالمهام السرية لنشأته في أوروبا وجواز السفر السويدي الذي يحمله، والذي يساعد أي شخص يحاول التجول في أنحاء أوروبا، دون أن يلفت الانتباه. كان والد يعقوب يبيع آنية الزهور في الميدان في ليدكوبينغ. ويتذكر الجيران أنهم كانوا عائلة هادئة غير اجتماعية إلى حد ما. وأجاد يعقوب اللغتين السويدية والإنجليزية.

وأخبر يعقوب المحققين بأن أول شخص تعامل معه كان يدعى «وحيد»، وأنه أخبره بأنه سيعمل بشكل سري تماما. وقال يعقوب للمحققين: «طالما أوضح أنه لا يجب أن يعرف أحد أي شيء عما أفعل سواء كان من أفراد أسرتي أو أصدقائي». وتدرب على المراقبة والعمل بشكل سري في أقبية بيروت. وأوضح أنه تدرب على كيفية إدارة شؤون حياته الشخصية بطريقة عادية لا تثير الريبة أو الشكوك.

ويطلق يعقوب على هذا الجزء من التدريب اسم «الجزء النظري»، أما الجزء العملي من التدريب، فقد تضمن دورات عسكرية لتعلم كيفية التعامل مع الأسلحة والقيام بالرحلات الخارجية. وانتظر يعقوب خلال مهمته الأولى، وهي تسليم مظروف في مدينة أنطاليا التركية، أمام متجر مرتديا قبعة، حتى يسهل على من يتسلم المظروف منه التعرف عليه، وتبادلا الكلمات السرية المتعارف عليها بينهما، ثم سلم يعقوب الحقيبة التي تحتوي على المظروف.

وأوضح يعقوب في إحدى إفادته، قائلا: «أنا لا أعرف ما هي محتويات الحقيبة، ولا يحق لي الاستفسار عن ذلك، لأن كل شيء داخل التنظيم يتم في سرية تامة».

واعترف يعقوب، الشهر الماضي، خلال جلسة علنية في مدينة ليماسول القبرصية بأنه كان يعمل عميلا سريا لدى حزب الله مقابل تقاضيه 600 دولار شهريا، ولكنه سرعان ما أنكر بعض أقواله، مثل تأكيده أن حزب الله يدربه على كيفية اختبار كشف الكذب، مشيرا إلى أنه كثيرا ما كان يشعر بالارتباك والخوف أثناء استجوابه.

لقد اختلق يعقوب روايته للمحققين بصورة منهجية لصرف الشكوك تجاه قيامه بجمع معلومات استخباراتية في قبرص. وبحسب أقوال يعقوب، كانت أول مرة يسافر فيها إلى قبرص عام 2009؛ حيث يقول: «وحتى أتمكن من المجيء باستمرار إلى قبرص بشكل مقنع ودون إثارة أي شكوك، كان علي اختلاق قصة غير حقيقية تمويهية ليتعرفوا علي». ولدعم هذه القصة، أمضى يعقوب أسبوعا في مدينة أيا نابا القبرصية كإجازة على نفقة حزب الله.

وبدأ يعقوب عمله بشكل جدي في رحلته الثانية إلى قبرص، في ديسمبر (كانون الأول) 2011، عندما شرع في جمع معلومات حول الفنادق ومقاهي الإنترنت وحتى ساحات انتظار السيارات، حيث يشير يعقوب قائلا: «يستخدم حزب الله ساحات انتظار السيارات الكبيرة لتسليم وتسلم السيارات والطرود».

وتجدر الإشارة إلى أنه عقب إنجازه كل مهمة، كان عليه تقديم تقرير مختصر إلى مسؤول آخر في حزب الله، وليس المسؤول عن تدريبه، ليوضح «أين ذهب وماذا فعل».

وأضاف يعقوب: «رغم إيماني بالكفاح المسلح من أجل تحرير لبنان من إسرائيل، فأنا لا أؤيد الهجمات الإرهابية ضد الأبرياء، فالحرب والإرهاب ضدان».