ليبيا تواجه صعوبات في استرداد أموال القذافي وأبرز قيادات نظامه من مصر

البرلمان علق جلساته أسبوعا.. وتصاعد الخلافات حول قانون العزل

العقيد الراحل معمر القذافي (رويترز)
TT

علمت «الشرق الأوسط» أن المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا قرر تعطيل جلساته لمدة أسبوع تمهيدا لتشكيل قوة لتأمين مقره في الاجتماعات المقبلة، بعد أن تعرض أعضاء بالمؤتمر لاعتداء من محتجين. يأتي هذا في وقت قالت فيه مصادر مصرية مطلعة أمس إن رئيس الوزراء الليبي علي زيدان لم يتمكن من إقناع الجانب المصري بتسليم قيادات من النظام الليبي السابق لطرابلس الغرب، وإن ليبيا تواجه صعوبات في استرداد مليارات الدولارات التي كان يستثمرها نظام القذافي في مصر.

وتعرض البرلمان الليبي لاقتحام من محتجين غاضبين يريدون الإسراع في إقرار مشروع قانون العزل، وهو مشروع تعضده تنسيقيات شعبية في عدة مدن ليبية. وحذر الناطق باسم كتلة تحالف القوى الوطنية بالمؤتمر الوطني الليبي، توفيق الشهيبي، من خطورة تكرار الاقتحامات لجلسات أعضاء البرلمان ومحاولة ما وصفها بـ«مجموعات مدفوعة من قبل البعض خارج صفوف المؤتمر وخارجه لتمرير القانون عبر الضغط والإرهاب النفسي». وقال الشهيبي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) «نحن نرفض فكرة الضغط ومنطق القوة لإقرار قانون العزل، ونأمل أن يتم التصويت عليه بشكل نزيه وشفاف وعادل».

وقال جمعة السائح، رئيس لجنة الدفاع بالمؤتمر الوطني، لـ«الشرق الأوسط»، إن القوة الأمنية الجديدة ستتبع مؤقتا وزارة الداخلية الليبية، وإن المؤتمر قرر تجميد جلساته إلى يوم الأحد بعد المقبل، مشيرا إلى أن الجلسة التي كان مقررا عقدها يوم الأحد المقبل تم إلغاؤها.

وشدد زيدان، الذي زار أخيرا كلا من القاهرة ومدينة مرسى مطروح المصرية المجاورة لحدود بلاده، على استمرار فرض التأشيرة المسبقة على دخول المصريين إلى ليبيا، قائلا إن الظروف الأمنية التي تمر بها بلاده تتطلب الاستمرار في العمل بنظام التأشيرة. وعاد زيدان أمس إلى ليبيا التي تشهد خلافات شديدة حول قانون العزل، الذي من شأنه أن يقصي محمود جبريل أقوى حلفاء زيدان من العمل السياسي.

وقال رئيس اللجنة الليبية «التسييرية لتحالف القوى الوطنية»، عبد المجيد مليقطة، إن تحالفه السياسي يؤيد صدور قانون للعزل السياسي في البلاد «شريطة أن يتم العزل على أسس موضوعية ومنطقية ومن دون ظلم أو إقصاء لشرائح واسعة من المجتمع، وأن يتوافق حوله كل الليبيين لا مجموعة دون غيرها». ورفض مليقطة ما يطرح ويردد بأن رفض التحالف لقانون العزل السياسي يتعلق بالتخوف من أن يطال هذا القانون شخص رئيس التحالف السياسي البارز محمود جبريل. وقال إن «الأمر لا يتعلق بشخص جبريل.. نحن نرفض القانون شكلا ومضمونا لإقصائه شريحة كبيرة من الليبيين، وبالتالي التحالف ككيان سياسي لا يوجد لديه أي غرض في تطبيقه بشكله الحالي». وتابع مليقطة لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) قائلا «نحن في المناقشات المستمرة حول القانون نحاول ألا يخرج على نحو يتنافى مع حقوق وحريات المواطنين لدينا».

واقتحم محتجون، يعتقد أنهم من بين ما يعرف بـ«تنسيقية العزل»، مقر البرلمان قبل يومين للاحتجاج على تأخير عرض مشروع قانون العزل وإقراره، لكن سامي الساعدي، رئيس تنسيقية العزل السياسي في طرابلس، قال إن ما حدث في مقر البرلمان لم يكن هجوما، لكنه «اعتصام سلمي مفتوح من جانب أعضاء في تنسيقيات العزل في عموم البلاد». وأضاف الساعدي قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن تنسيقيات العزل السياسي تقدمت بمشروع قانون لهذا الغرض، للجنة التي شكلها المؤتمر الوطني والتي تتكون من 19 عضوا لصياغة مشروع القانون في شكله النهائي. وتابع أن لجنة الصياغة المشار إليها استقبلت جميع المقترحات، إلى أن خرجت بمشروع قانون «يختلف قليلا عن مشروعنا، لكننا قبلناه، إلا أن المؤتمر الوطني لم يقم بالتصويت عليه في الموعد المقرر سلفا، وهذا سبب غضب تنسيقيات العزل والكثير من المواطنين».

ومن شأن قانون العزل أن يطيح بمستقبل كثير من كبار المسؤولين الحاليين وعدة قيادات لديها القدرة على المنافسة في أي انتخابات مقبلة، مثل الدكتور جبريل، في وقت تدعو فيه بعض القيادات الليبية إلى المصالحة ولم الشمل بدلا من الفرقة و«لغة وإجراءات الانتقام». وقال العمدة بوعطية الجميعي، عضو لجنة المصالحة الليبية، في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «نحن انتخبنا المؤتمر الوطني، وهو الجهة الشرعية الوحيدة، وعلينا أن ننتظر ما يقرره ومتى يقرره». وتابع الجميعي قائلا «هناك من يريد التخلص من شخصيات معينة عن طريق قانون العزل السياسي، رغم أن هذه الشخصيات أدت دورا لا ينكر لصالح الثورة ضد القذافي». وأضاف «يتعرض المؤتمر الوطني لضغوط كبيرة وأصبح كأنه يسير في حقل ألغام».

وعلى صعيد ذي صلة بزيارة زيدان لمصر، أوضحت مصادر مقربة من الحكومة المصرية، في اتصال مع «الشرق الأوسط» من القاهرة، أن زيدان بحث مع الجانب المصري «موضوع الأموال الليبية التي كان يستثمرها النظام السابق في مصر، إلا أن الجانبين تفاهما على أن قضية هذه الأموال تتعلق بقرارات دولية بشأن الأموال الليبية المجمدة في الخارج منذ اندلاع ثورة 17 فبراير (شباط) 2011»، مشيرا إلى أن الأموال الليبية في مصر تقدر بالمليارات ويجري استثماراها منذ أكثر من عقدين في مشروعات سياحية وعقارية وزراعية في منطقة البحر الأحمر والفيوم والقاهرة والساحل الشمالي ومرسى مطروح. وأضافت المصادر أن الجانب الليبي حث الجانب المصري على تسليم عدد من قيادات النظام السابق الذين يقيمون في مصر، إلا أن رد القاهرة اقتصر على تعهدات لحكام ليبيا الجدد بعدم السماح لأي من عناصر نظام القذافي بالعمل ضد النظام الليبي الجديد أو «ممارسة أي نشاط سياسي أو غير سياسي من شأنه أن يتسبب في مشاكل داخل ليبيا أو مصر». ومن بين الشخصيات المطلوبة عدد من الوزراء والمبعوثين الخاصين للقذافي سابقا.

وشهد المنفذ البري بين البلدين اشتباكات عدة مرات خلال الشهر الأخير بين مصريين ورجال أمن ليبيين، بسبب رفض الجانب الليبي دخول المصريين من دون تأشيرة من سفارة ليبيا في القاهرة، إضافة لمنع شاحنات النقل المصرية من العبور إلى داخل البلاد. ومنذ ذلك الوقت ردت لجان شعبية مصرية على حدود مصر الغربية بمنع دخول الليبيين، وأجبرت نحو 1000 سيارة ليبية على العودة مرة أخرى إلى ليبيا.

وقال زيدان خلال زيارته لمدينة مرسى مطروح «تحدثنا مع المسؤولين في القاهرة حول حفظ الأمن على جانبي الحدود وحول التبادل التجاري والتعاون بين البلدين»، مشيرا إلى أن بلاده اضطرت لفرض تأشيرة دخول ليبيا على المصريين لـ«ظروف قهرية». لكنه أضاف أنه اتفق مع الرئاسة المصرية على إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين، قائلا إنه سوف يصدر تعليمات بفتح منفذ جديد لمنح التأشيرة للمصريين عند منفذ السلوم البري الذي يبعد عن القاهرة غربا بنحو 700 كيلومتر.

ووجهت عدة جهات حقوقية في مصر انتقادات لما قالت إنه سوء معاملة الأمن الليبي لرعايا مصريين في ليبيا. وقال فرج الجبيهي، أحد الناشطين بمطروح «كنا نتمنى أن يعطينا رئيس الوزراء الليبي تطمينات عن شباب الجالية المصرية المحتجزين داخل السجون الليبية الآن أو حالات التعذيب التي رصدتها وسائل الإعلام أو الفيديوهات على مواقع الإنترنت لعدد من المصريين بليبيا». بينما أوضح الناشط عبد الله حميدة، بمطروح، أن «ميليشيات الكتائب الليبية ما زالت تسيء للمسافرين والسائقين المصريين.. كنا نود أن يخبرنا رئيس الوزراء الليبي عما إذا ما كان سيتم استبدال قوات من الجيش الليبي المؤهل بهم من عدمه». إلا أن العمدة أحمد طرام، رئيس مجلس العمد والمشايخ بمطروح، قال لـ«الشرق الأوسط»: «نقدر زيارة زيدان لمطروح، ولا بد من العمل سريعا على حل المشاكل الحدودية».