حماس والجهاد ترفضان زيارة أوباما للأقصى تحت «حراسة إسرائيلية» وتدعوان إلى منعه

هنية متخوف من أن تعطل زيارة رئيس أميركا الشرق أوسطية المصالحة الفلسطينية

TT

اشتبك مصلون فلسطينيون مع الشرطة الإسرائيلية بعد اقتحامها باحات المسجد الأقصى المبارك عقب صلاة الجمعة، أمس، في أعنف مواجهات منذ شهور، وخلّفت نحو 60 مصابا وتعرّض آخرون لحالات إغماء نتيجة الاعتداء المباشر عليهم. وفي غزة حذّرت حركة حماس من التعاطي السياسي مع زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما المرتقبة إلى المسجد الأقصى، واعتبر مشير المصري، أحد قيادييها، أن الزيارة تحت سلطة الاحتلال تشكل «إعلان حرب على الأمة العربية والإسلامية».

وحول أحداث القدس، ذكرت الشرطة الإسرائيلية أمس أنها أطلقت قنابل صوت لتفريق مصلين فلسطينيين كانوا يرشقونها بالحجارة والقنابل الحارقة بعد صلاة الجمعة في ساحة الأقصى، في أعقاب اقتحام العشرات من رجال الشرطة باحة المسجد لتفريق المصلين مستخدمين قنابل ارتجاجية ورصاصا وغازا مسيلا للدموع. وحسب ناطق باسم الشرطة الإسرائيلية، أصيب عدد من أفرادها بجروح طفيفة، كما جرح مصور إحدى الصحف الإسرائيلية، وأظهرت صور شبوب النيران بشكل طفيف في أحد الشرطيين.

وتزامنت هذه المواجهات في القدس مع مواجهات أشد عنفا في مناطق لأخرى بالضفة الغربية، إذ اشتبك متظاهرون فلسطينيون مع قوات الجيش الإسرائيلي في كل من رام الله وبيت لحم والخليل. وألقى راكب دراجة نارية شهابا ناريا على سيارة تابعة للبلدية كانت تسير على شارع بارليف في القدس، ولاذ بالفرار من المكان، كما ألقى متظاهرون حجارة على الجنود الإسرائيليين في قرية بيت أمّر في منطقة الخليل ومحيط مستوطنة بيت حجاي في المنطقة وقرية تقوع وقريتي بلعين ونعلين في منطقة رام الله وقرية قدوم، وذلك في مظاهرات غضب مساندة للأسرى، وردّ الجيش بإطلاق قنابل الغاز والرصاص. ويذكر أن الضفة تشهد مظاهرات مستمرة منذ نحو شهرين احتجاجا على رفض إسرائيل مطالب الإفراج عن أسرى مضربين عن الطعام، وتوتر الموقف أكثر بعد وفاة أسير فلسطيني داخل السجون الإسرائيلية نهاية الشهر الماضي. كذلك شيع الفلسطينيون أمس شابا قضى متأثرا بجراح أصيب بها في مواجهات قبل أسبوعين في قرية عابود، شمال غربي رام الله، وتفجّرت مواجهات عنيفة بعد ذلك بين المشيعين والجيش الإسرائيلي.

على صعيد آخر، مع تظاهر فلسطينيين في غزة تضامنا مع الأسرى واحتجاجا على اقتحام الأقصى، أدلى مشير المصري، القيادي في حركة حماس، بتصريح دعا فيه السلطة الفلسطينية إلى «رفع يدها الثقيلة» عن المقاومة في الضفة، مضيفا أن «الاحتلال لا يفهم إلا لغة الصواريخ»، وطالب السلطة إلى وقف التنسيق الأمني، وناشد «الأمة النفير العام نصرة للمسجد الأقصى» لوقف مخططات الاحتلال. وحذّر المصري من التعاطي السياسي مع زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المسجد الأقصى، معتبرا أن زيارة أوباما للأقصى تحت سلطة الاحتلال يشكل «إعلان حرب على الأمة العربية والإسلامية» واستفزازا لمشاعر الأمة، داعيا إياه للعدول عن هذه الزيارة. كذلك حث خالد البطش، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، الشعب الفلسطيني في القدس على التصدي لزيارة الرئيس الأميركي ومنعه من دخول المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية، مضيفا «إن المقدسيين سيتصدّون له وسيمنعونه وسيرجمونه بالأحذية».

وعلى الرغم من قرب موعد الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الشرق الأوسط، فإن الجهات التي تعد لها من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لم تتفق بعد على تفاصيل ما تتضمنه، بل ثمة خلافات عميقة حول كثير من القضايا المتصلة بها. وهو ما دفع الرئيس أوباما إلى إبلاغ جمع من الزعماء اليهود الأميركيين استقبلهم في البيت الأبيض، أول من أمس، بأن زيارته لإسرائيل تأتي للتأكيد على الالتزام الحديدي للولايات المتحدة تجاه إسرائيل، وخصوصا في مقابل الشرق الأوسط «المتدهور»، وأنه ينوي إرسال رسالة إلى إيران مفادها أنه لا ينوي التراجع والتخلي عن التزامه بمنعها من حيازة أسلحة نووية. ورد أوباما، خلال اللقاء، على اتهام مناصري إسرائيل إياه بأنه ينوي ممارسة الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقال إنه سيمارس الضغوط عليه وعلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أيضا، للبدء بالحوار، مشيرا إلى أنه لا ينوي عرض خطة سلام شاملة، وأن مثل هذه الخطة قد تعرض خلال 6 أو 12 شهرا.

كذلك قال أوباما أمام ضيوفه إنه يضع 4 أهداف لزيارته لإسرائيل في العشرين من مارس (آذار) الحالي، الأول هو التشديد على الالتزام الصلب للولايات المتحدة تجاه إسرائيل، والثاني ليؤكد أنه يدرك حقيقة أن الشرق الأوسط يتحول إلى منطقة قاسية جدا بالنسبة لإسرائيل مع تحديات صعبة من قبل مصر وسوريا وإيران، وأنه بالتالي يجب على الولايات المتحدة أن تقف بحزم إلى جانب إسرائيل. أما الهدف الثالث فهو لإرسال رسالة مباشرة إلى إيران مفادها أن كل الخيارات موجودة على الطاولة بما في ذلك الخيار العسكري. وأضاف أن الخيار المفضل هو الخيار الدبلوماسي الذي بموجبه تمنح إيران إمكانية «النزول عن الشجرة» بشكل محترم. وأما الهدف الرابع، بحسب أوباما، فهو إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، معترفا في الوقت نفسه بضآلة هذا الاحتمال.

ونقل عن أوباما قوله إنه «ضمان أمن إسرائيل على المدى البعيد مرتبط بحل القضية الفلسطينية»، غير أن الرئيس الأميركي انتقد ما وصفه بـ«الالتفاف الفلسطيني على العملية السياسية» (المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة) بدلا من إجراء محادثات مباشرة مع إسرائيل، إضافة إلى «محاولة نزع الشرعية عن إسرائيل» على حد قوله. وقال أيضا إنه ينوي أن يجعل من زيارته لإسرائيل «زيارة تضامن مع المجتمع الإسرائيلي، ومع اقتصاده القوي، ومع التكنولوجيا الناجحة، ومع الروح الإنسانية». وأضاف أنه خلال زيارته إلى رام الله سيقول إن «السلام ممكن، ولكنه صعب لأن الفلسطينيين ملزمون باتخاذ خطوات من أجل السلام».

وضمن ردوده على الأسئلة، قال أوباما إن الولايات المتحدة وإسرائيل تتقاسمان كل المعلومات حول إيران، وأن هناك تطابقا في المعلومات بين الطرفين بنسبة 95%، مشيرا إلى أنه على الرغم من وجود خلافات في الرأي بشأن ما يجب القيام به مقابل إيران، فإن الفجوة أكبر في داخل إسرائيل، بين وزارة الدفاع فيها والاستخبارات والجيش من جهة وبين مكتب رئيس الحكومة نتنياهو، من جهة ثانية. وضمن حديثه عن الفلسطينيين، قال أوباما إنه «لا توجد قيادة قوية»، وإنه يدعم توحيد الفصائل الفلسطينية بشرط ألا تكون حكومة الوحدة ضد السلام وضد حل الدولتين. وأردف: إنه «يجب التفكير فيما يجب القيام به لتعزيز مواقع (الفلسطينيين المعتدلين)، وإن على كل من نتنياهو وأبو مازن ألا يعمل على إضعاف الطرف الآخر».

وحول تركيا، قال الرئيس الأميركي إن وزير خارجيته جون كيري بعث برسالة حادة إلى تركيا في أعقاب تصريحات رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان التي جاء فيها إن «الصهيونية جريمة ضد الإنسانية». وأشار إلى أن إسرائيل وتركيا لم تنجحا في حل المشكلات بينهما لأن الأخيرة تطلب ثمنا كبيرا جدا من إسرائيل، مضيفا أن الولايات المتحدة تواصل محاولة إيجاد حل.

من جانبه هاجم إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي باراك أوباما إلى منطقة الشرق الأوسط، معتبرا أنها ستعطل المصالحة الفلسطينية، في حين شن صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، هجوما حادا على سياسة كندا إزاء الفلسطينيين، وقال إن السلطة لا ترى في إفراج إسرائيل عن الأسرى بوادر حسن نية.

هجوم هنية على زيارة أوباما جاء خلال خطبة الجمعة في المسجد العمري الكبير بمدينة غزة أمس، ونبه فيه السلطة الفلسطينية من «الوقوع في فخ الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي»، وناشدها ألا تغلق الباب أمام المصالحة. وأضاف هنية أنه «من خلال استقرائنا لكل الزيارات السابقة ومعرفتنا بنتائجها، فنحن على قناعة أنها لن تحدث اختراقا مطلوبا لشعبنا ولن تضع القطار على السكة الصحيحة لمسار الصراع مع الاحتلال.. تلك الزيارة ستركز على الأجندة الإقليمية، وسيجري التطرق لقضيتنا من بوابة تعطيل برنامج المصالحة الوطنية، لكي تنطلق مجددا ما تسمى بمسيرة المفاوضات العبثية». وأردف رئيس حكومة حماس المقالة قائلا إن «شعبنا لا يمكن أن يقتنع مجددا بهذه البضاعة الكاسدة في أسواق النخاسة المسماة بالمفاوضات. يجب تقويم مسيرة التسوية والخروج منها بقناعة أن خط المفاوضات مع الاحتلال، ضياع للوقت وإهدار للزمن واستهانة بالكرامات».

في المقابل، في رام الله، قال عريقات إن السلطة الفلسطينية لا ترى في أي إجراءات قد تتخذها إسرائيل نحو الإفراج عن أسرى فلسطينيين أنها تدخل في إطار مبادرات حسن النية وإنما هي التزامات وفق اتفاقات سابقة، وذلك في إشارة إلى أن السلطة الفلسطينية تطلب الإفراج عن 1000 أسير فلسطيني حسب اتفاق سابق بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، إضافة إلى أسرى ما قبل «اتفاق أوسلو» في 1994. وهذا الطلب قدم إلى واشنطن ضمن طلبات أخرى قبل انطلاق عملية السلام منها توسيع نفوذ السلطة في مناطق الضفة الغربية، وإدخال أسلحة إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية من الأردن، إضافة إلى الإفراج عن معتقلين فلسطينيين.

وفي هذا الشأن، قال عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية «لم نتلق أي رد رسمي من الجانب الإسرائيلي حول وجوب قيام الحكومة الإسرائيلية بالإفراج عن الأسرى الذين اعتقلوا قبل نهاية عام 1994، والأسرى الـ1000 الذين تم الاتفاق حولهم». ودعا في لقاء مع القنصل البريطاني العام، السير فنسنت فين، بريطانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي الاستمرار في بذل كل جهد ممكن للإفراج عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.

وعلى صعيد ثان، هاجم عريقات في بيان صادر عنه موقف كندا الجديد من القضية الفلسطينية الذي عبر عنه وزير الخارجية الكندي جون بيرد إبان مؤتمر منظمة «أيباك» الداعمة لإسرائيل في الولايات المتحدة، وتضمن التهديد وقف المساعدات التي تقدمها كندا إلى السلطة الفلسطينية في حال توجهت إلى المحكمة الدولية في لاهاي لمحاسبة إسرائيل، وتزامنت تصريحات بيرد مع المناقشات داخل الحكومة الفيدرالية الكندية بخصوص استمرار دعم الدولة الفلسطينية بمئات الملايين من الدولارات. وجاء في بيان المسؤول الفلسطيني قوله «لا نعلم لماذا هذا العداء الذي تمارسه كندا بشكل فاضح وصريح ضدنا! إن من يخشى المحاكم الدولية عليه إلزام إسرائيل بوقف الجرائم. وعلى الوزير الكندي أن يركز على ما يحدث في الأرض الفلسطينية». يذكر أن كندا كانت إحدى 9 دول صوتت ضد طلب فلسطين الحصول على وضعية «الدولة» غير المراقب في الأمم المتحدة خلال تصويت الجمعية العمومية للمنظمة الدولية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.