حكومة العريض تحظى بأغلبية مريحة في تونس

المرزوقي ينصح الشباب المحبط بأن لا ييأس من رحمة الله بعد وفاة المحتج الذي أحرق نفسه وسط العاصمة

الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي في صورة تذكارية مع أعضاء حكومة علي العريض بعد أدائهم اليمين الدستورية أمامه بقصر قرطاج أمس (رويترز)
TT

حصلت الحكومة التونسية الجديدة برئاسة علي العريض على ثقة المجلس التأسيسي (البرلمان) أمس، فيما توفي شاب تونسي عاطل عن العمل أضرم في نفسه النار احتجاجا على ظروف معيشته في حادثة تعكس التوتر الاجتماعي في البلاد. وصادق 139 نائبا من مجموع 217 من نواب البرلمان على منح الثقة للحكومة، مقابل 45 صوتوا ضدها، واحتفظ 13 نائبا بأصواتهم خلال جلسة عامة حضرها 197 نائبا. ويتكون البرلمان من 217 نائبا.

وهذه ثاني حكومة في تونس بعد انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011 التي فازت فيها حركة النهضة، والخامسة منذ الإطاحة مطلع 2011 بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.

وتتكون حكومة العريض من 51 في المائة من المستقلين، و28 في المائة من حزب حركة النهضة، والبقية من الحزبين المشكلين للترويكا مع «النهضة»، حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، و«التكتل من أجل العمل والحريات».

من جانب آخر، قال عماد الطويبي، المدير العام لمستشفى بن عروس (جنوب العاصمة) لوكالة الصحافة الفرنسية إن البائع المتجول عادل الخذري (27 عاما) توفي فجر أمس (الأربعاء) متأثرا بحروقه البليغة. ووصف رئيس الحكومة التونسية انتحار الخذري بأنه «حادثة أليمة»، وقال: «إن شاء الله نكون قد فهمنا الرسالة».

وبعيد إعلان وفاته، تظاهر عشرات من الباعة المتجولين في العاصمة التونسية في المكان نفسه الذي أحرق فيه الخذري نفسه، وطالبوا بإقالة والي (محافظ) تونس الذي اتهموه بتعطيل مشروع لبناء سوق منظم لنحو 500 بائع جائل في شارع قرطاج بالعاصمة.

وأضرم البائع النار في نفسه صباح الثلاثاء أمام مقر المسرح البلدي في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة تونس، في حادثة هي الأولى في هذا الشارع الذي يعتبر رمزا للثورة التونسية. وقالت خالة الخذري للتلفزيون الرسمي التونسي أمس إنه «اشتكى لها في أكثر من مناسبة من مصادرة الشرطة للسلع التي كان يبيعها» (السجائر)، موضحة أن والده متوفى، وأنه «العائل الوحيد لأمه ولأشقائه الثلاثة الذين ما زالوا يدرسون».

وأعلنت إذاعة «كلمة» التونسية الخاصة أول من أمس نقلا عن خاله أنه كان يعاني من مرض في المعدة، وطلب منذ أكثر من عام من السلطات منحه بطاقة علاج مجاني لتلقي العلاج في مستشفى حكومي، إلا أنه لم يحصل على جواب. وأضاف أن الشاب قرر التوجه الثلاثاء إلى وزارة الداخلية بهدف إيجاد حل لمشكلته.

وكان منجي القاضي، الناطق الرسمي باسم جهاز الحماية المدنية صرح لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الخذري كان يعاني من الإحباط بعد وفاة والده منذ أربع سنوات، والظروف المادية «الصعبة» التي تعيشها والدته وإخوته الثلاثة.

ونقلت وكالة الأنباء التونسية عن شهود أن الشاب الذي كان يعمل بائعا للسجائر في سوق المنصف الباي (وسط العاصمة) «تمت مضايقته في المدة الأخيرة من قبل أعوان الشرطة الذين يقومون بحملة ضد الباعة المتجولين وباعة السجائر». وسيوارى جثمان الخذري الثرى بعد ظهر اليوم بمسقط رأسه. وأدى أعضاء الحكومة أمس اليمين الدستورية أمام الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في قصر قرطاج. ودعا الرئيس التونسي العاطلين عن العمل في بلاده إلى عدم اليأس، وذلك بعد ساعات من وفاة البائع الجائل الذي أحرق نفسه الثلاثاء.

وقال المرزوقي بعد أداء عناصر الحكومة التونسية الجديدة اليمين أمامه «أتوجه إلى كل الشباب اليائس المحبط الذي نفد صبره ولا يرى بارقة أمل في الأفق.. إلى هذا الشباب أقول: لا تيأسوا، لا من رحمة الله، ولا من تعاطف شعبكم، ولا من حكومتكم»، وأضاف أن «احتفالنا اليوم بمراسم تعيين الحكومة الجديدة لا ينسينا فجيعتنا في فقدان أحد أبنائنا الأبرار هذا الفجر، بالكيفية نفسها المؤلمة المرعبة التي توفي بها شهيد ثورتنا (محمد البوعزيزي)، وربما للأسباب نفسها، نتيجة فقدانه الأمل، وانسداد الأفق في عيونه كغيره من شبابنا الذين لا يرون من بصيص لحل مشكلاتهم ومعاناتهم». ومضى يقول إن «هذا الانتحار الأخير هو صيحة غضب وصيحة استغاثة وصيحة للتسريع في التعاطي مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية.. لكي يدرك الشباب والشعب أننا لا نراوح مكاننا ولا ندور في حلقة مفرغة وإنما بدأنا نمشي بخطى ثابتة على طريق يفتح باب الأمل الذي طال غلقه».

ولفت إلى أن الحكومة «ليس لها عصا سحرية لمعالجة مشكلات الفقر والبطالة التي تراكمت لأكثر من ثلاثة عقود من سياسة إجرامية بنيت على الفساد والتهميش والتضليل وإخفاء الحقائق، لكن لها إرادة فولاذية لمواجهة المشكلات والسير قدما في الطريق الصعب الذي سيخرجنا من الوضع الحالي إلى أفضل وضع ممكن، وذلك بتضافر جهودنا جميعا».

وقال مخاطبا أعضاء الحكومة الجديدة: «أهيب بكم جميعا عدم نسيان هذه المأساة وكل المآسي التي سبقتها ليكون هاجسنا جميعا عودة الأمل إلى الشعب والشباب».

من جهته، وعد العريض بتنفيذ الأولويات التي ذكرها أمام البرلمان، ودعا الإعلاميين إلى المساعدة على تنقية الأجواء السياسية، والتعريف ببرنامج الحكومة، وقال إن الفريق الحكومي سينفذ البرنامج الحكومي مع المحافظة على استقرار البلاد.

ووجهت قيادات أحزاب المعارضة انتقادات عديدة لحكومة العريض، وقالت إن برنامجها تضمن عدة ثغرات؛ بل هناك من وصف الحكومة الجديدة بأنها «النسخة المنقحة لحكومة حمادي الجبالي المستقيلة»، ودعت أكثر من جهة سياسية إلى تحييد وزارات أخرى غير وزارات السيادة الأربع التي تم التوصل إلى تحييدها، منها وزارات: التربية والشؤون الدينية والطفولة والتعليم العالي. وتواجه الحكومة الجديدة صعوبات وتحديات سياسية واجتماعية واقتصادية ضمنها وجود قرابة مليون عاطل عن العمل، إلى جانب تراجع الاستثمار والإنتاج.