كيري يسعى لحوار بين الأسد والمعارضة السورية

واشنطن تكثف جهودها لعقد «محادثات صادقة» تمهد للانتقال السياسي

سوري يقف مكان تمثال للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في محافظة الرقة شمال شرق العاصمة دمشق تهاوى جراء المعارك (رويترز)
TT

ظهر تحول في الموقف الأميركي من الأزمة السورية خلال اليومين الماضيين بعد أسابيع من المشاورات المطولة التي أجراها وزير الخارجية الأميركي جون كيري؛ فبعد أشهر من المطالبة الأميركية العلنية بأن «على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل»، أعلن كيري دعم بلاده لحوار بين الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة السورية من أجل تشكيل حكومة انتقالية تمهد لانتقال سياسي.

وبينما موقف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ما زالت ترتكز على ضرورة رحيل الأسد عن السلطة على المدى البعيد، فإن هناك تصورا بأن المرحلة المقبلة قد تحتاج إلى حوار بين الأسد والمعارضة من أجل وقف القتال ومنع تدهور الأوضاع الأمنية كليا.

وقال كيري: «العالم يريد و ف القتال، ونريد أن نرى الأسد والمعارضة السورية تأتي إلى طاولة الحوار لخلق حكومة انتقالية بناء على إطار العمل الذي وضع في جنيف»، في إشارة إلى اتفاق جنيف الصيف الماضي. وأضاف كيري خلال مؤتمر صحافي مع نظيره النرويجي إسبن بارث إيد بعد لقائهما في واشنطن عصر أول من أمس: «هذا ما ندفع من أجله، وحتى يحصل ذلك لا بد أن يغير الأسد حساباته، فلا يظن أنه قادر على إطلاق النار إلى ما لا نهاية، ولا بد أيضا من معارضة سورية متعاونة تأتي إلى الطاولة، ونحن نعمل من أجل ذلك وسنستمر في ذلك».

وهناك وعي في واشنطن، وخاصة مع قدوم كيري إلى الخارجية الأميركية، وهو كان على علاقة شخصية مع الأسد، ويعتبر نفسه قادرا على معرفة طريقة تفكير الرئيس السوري، بأن هناك حاجة للتعامل مع الأسد في المرحلة الحالية؛ إذ إنه يتطلع إلى التمسك الكلي بالسلطة لأطول فترة ممكنة. ولذا، فإن واشنطن بدأت تتحاور مع حلفائها ومع المعارضة السورية حول إمكانية دعم حوار جدي بين النظام السوري والمعارضة من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وقال ناطق باسم وزارة الخارجية لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نركز بشكل مكثف على المحادثات الدبلوماسية، ونبحث إمكانية إجراء محادثات صادقة تجلب التغيير إلى سوريا». وأضاف: «في السابق، المحادثات التي طرحها النظام لم تكن ذات مصداقية، ولكننا منفتحون على فكرة محادثات صادقة والعمل على مرحلة انتقالية يتفق عليها ائتلاف المعارضة السوري ولجان التنسيق المحلية والنظام أيضا».

ورغم فشل الجهود السابقة للحوار مع النظام السوري، فإن جهات عدة في واشنطن ترى أن التطورات على أرض الواقع والتقدم العسكري للمعارضة السوري قد يدفع النظام إلى تغيير حساباته. وكان كيري قد صرح بأن الأسد يجب أن يغير حساباته، وهذا ما تعول عليه الإدارة الأميركية في المرحلة المقبلة.

وردا على سؤال عما إذا كانت واشنطن تعمل على جمع هذه الأطراف بشكل مباشر، قال الناطق: «إننا سنحاول إنجاح أي عمل منطقي من أجل الانتقال السياسي في سوريا ودفع الديمقراطية في البلاد». وحول إذا كانت واشنطن تشهد تحولا في موقفها من الأزمة السورية بإشراف وزير الخارجية الجديد، اكتفى الناطق بالقول: «إننا ندعم الانتقال السياسي في سوريا والمحادثات».

وكان كيري قد التقى نظيره الروسي سيرغي لافروف قبل أسبوعين وبحثا الأزمة السورية، مؤكدين على عزمهما العمل تجاه حل سياسي. وكانت سوريا على رأس القضايا التي بحثها لافروف مع وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ في لندن أمس، حيث اعتبر لافروف في مؤتمر صحافي مشترك أن «تسليح المعارضة السورية خرق للقانون الدولي».

ويذكر أن لافروف لم يثِر مسألة بقاء الأسد في السلطة أو التحاور معه مباشرة خلال لقائه هيغ أمس. وأفادت مصادر دبلوماسية في لندن لـ«الشرق الأوسط» بأن هناك تفاهما بريطانيا - روسيا على اتباع «نهج أكثر إيجابية» في التعامل مع الملف السوري بهدف الدفع باتجاه مفاوضات بين النظام السوري والمعارضة. وأضافت المصادر بأن البريطانيين والروس سيعملان كل على الطرف السوري الذي يستطيع التأثير عليه - أي المعارضة والنظام - لسد الفجوة بينهما من أجل الجلوس على طاولة الحوار. وهناك جهد ملموس من الأميركيين والبريطانيين من جهة، والروس من الجهة الأخرى، على اتباع النمط الأكثر إيجابية والعمل بشكل بناء في الملف السوري بهدف حل سياسي بدلا من التصريحات الإعلامية الناقدة لكل طرف. وأوضحت المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها بأن هناك قناعة بتبني «نهج عملي» من أجل التوصل إلى مفاوضات ممكنة بين الطرفين.

وهناك تقارب أميركي - روسي في البحث عن اتفاق سياسي مبني على مبادئ عملية بدلا من تشديد المواقف المعلنة، ولذا فإن الولايات المتحدة تشجع المعارضة السورية على الموافقة على حوار مع النظام، رغم رفض عدد كبير من أعضاء الائتلاف السوري هذا الطرح. وكان رئيس الائتلاف معاذ الخطيب قد أعلن الشهر الماضي استعداده للحوار مع النظام السوري من أجل التمهيد لحكومة انتقالية، مما أدى إلى خلاف بينه وبين أقطاب من المعارضة السورية.

ويشير الحراك السياسي في عواصم القرار الدولي، وبالأخص باريس وواشنطن، إلى أن أطرافا في المجتمع الدولي تسعى لإجلاس السوريين إلى طاولة حوار دون شروط مسبقة، سواء من ناحية وقف إطلاق النار، الذي تطالب به المعارضة السورية، أو من ناحية التوقف عن الإمداد بالسلاح، شرط نظام الأسد للتفاوض.

وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أول من أمس أمام الجمعية الوطنية الفرنسية: «خلال الأسابيع القليلة الماضية عملنا معا على فكرة لم تتحقق بعد تقضي بإعداد لائحة بمسؤولين سوريين تكون مقبولة من الائتلاف الوطني السوري» المعارض.

ورغم ترحيب الائتلاف بالمساعي الفرنسية الأميركية بالتعاون مع روسيا، التي كشف عنها فابيوس، أكد وليد البني، الناطق الرسمي باسم الائتلاف الوطني السوري، في تصريح لوكالة الأناضول التركية أن «الائتلاف لا يمانع في الحوار مع ممثلين لنظام بشار الأسد، طالما أن الحوار سيبدأ بعد تنحيته»، الذي يعتبره الائتلاف «المحدد الأساسي لأي حوار»، بحسب وصف البني.

وحول رفض الأطراف دولية أن يكون الحوار مع النظام «مشروطا»، من قبل الائتلاف، بدعوى أن ذلك ضد مبادئ التفاوض، أضاف البني: «نحن لا نتفاوض على قطع أرض أو شركة، نحن نتفاوض لتحقيق أهداف ثورة، بعد أن دفع 100 ألف مواطن حتى الآن حياتهم ثمنا لها، وهجر 5 ملايين مواطن سوري منازلهم».

من جانبه انتقد نظام الأسد ما وصفه بالتصاعد المستمر في «تقديم أسلحة بشكل مباشر إلى إرهابيين متطرفين ينتمون إلى جبهة النصرة».

وزعمت وزارة الخارجية السورية في رسالتين متطابقتين وجهتهما أمس إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي أنه في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة السورية بدأب شديد على تهيئة أجواء الحوار الوطني بين السوريين وتوفير الضمانات له، تتصاعد تصريحات مسؤولين من الولايات المتحدة وتتخذ قرارات داخل الاتحاد الأوروبي وفي الجامعة العربية تدعو بوضوح لتقديم المزيد من الدعم العسكري واللوجيستي لتلك المجموعات الإرهابية المسلحة».

أما في لندن، وردا على سؤال للجنة الارتباط في مجلس العموم عما إذا كانت بريطانيا يمكن أن تتجاوز حظر الأسلحة الأوروبي، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أول من أمس: «إذا شعرنا مثلا أن هناك حاجة إلى التحرك للمساعدة على جلب التغيير إلى سوريا والمساعدة على وقف حمام الدم الشنيع هذا، وإذا شعرنا أن شركاءنا الأوروبيين لا يزالون على معارضتهم لذلك، فعلينا عندئذ تغيير أسلوبنا».