كردستان.. استثمارات بالمليارات وانتعاش اقتصادي

الإقليم كان الرابح الأكبر من سقوط النظام السابق

مواطنون يستمتعون بأجواء الساحة الرئيسية وسط أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

إذا دقق أي مراقب سياسي في أوضاع العراق بعد 10 سنوات من سقوط النظام السابق، فسيخرج بنتيجة مؤداها أن إقليم كردستان كان الرابح الأكبر من ذهاب ذلك النظام ونشوء نظام جديد في البلاد.. فلأول مرة حصل فيها الأكراد على مكاسب دستورية وسياسية لم يكونوا يحلمون بها، ولأول مرة في تاريخهم تبوأ رئيس كردي رئاسة الدولة، ولأول مرة يعترف الدستور ويؤمن لهم حقوقا سياسية واقتصادية وثقافية لم يعترف بها أي دستور سابق، ولأول مرة يكون لهم صوت مسموع بالمجلس التشريعي (البرلمان) وبالسلطة التنفيذية (الحكومة الاتحادية)، ولأول مرة يشعر فيها الوزير والنائب الكردي في بغداد أن له اعتبارا ومكانة وسلطة بتقرير سياسة البلد. بل إن كردستان أصبحت خلال السنوات العشر الماضية ملجأ للفرقاء المتخاصمين في العراق، وأصبح لها الدور حتى في تنصيب رؤساء الوزراء والحكام الفعليين في البلاد.

ومع كل هذه المكاسب السياسية والدستورية المهمة التي حققوها بزوال النظام الديكتاتوري السابق، تبقى المكاسب الاقتصادية التي حصلوا عليها هي الأكثر وضوحا على الشارع الكردي، فالنهضة العمرانية والتنموية التي شهدتها كردستان خلال السنوات الأخيرة نتيجة هبوط مليارات الدولارات على الإقليم بميزانيات سنوية ضمن حصة كردستان البالغة 17 في المائة لم تكن كافية لإعادة بناء كردستان من جديد وإحياء بنيتها التحتية فحسب، بل أوجدت حالة من الانتعاش الاقتصادي لم يشهد الإقليم مثيلا له من قبل. وساعد تدفق الاستثمارات الأجنبية التي فاقت مؤخرا عشرين مليار دولار، على إحداث تحسن كبير بمستوى معيشة الأفراد. وتكفي الإشارة إلى أن عدد السيارات في المحافظات الثلاث للإقليم وصل، حسب إحصائيات رسمية، إلى حدود مليون و300 ألف سيارة، وهذا يعني أن كل عائلة باتت تمتلك أكثر من سيارة. كما سجل دخل الفرد الكردي مستويات رفيعة، حتى تمكنت الأسر الكردية من أن تستقدم الخادمات من دول جنوب شرقي آسيا ومن الإثيوبيات والبنغال للخدمة المنزلية على غرار بعض دول الخليج.

وإذا أخذنا بالاعتبار معيار أن كل دولة متقدمة بالعالم إنما يقاس تقدمها بما تحققها من خدمات اجتماعية، فلا بد من العودة إلى أرقام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة الإقليم التي كشفها لـ«الشرق الأوسط» مدير مكتبها الإعلامي عباس أكرم، الذي أشار إلى أرقام كبيرة تحدد مستويات التقدم الحاصل في رعاية المواطنين الذين يتسلمون رواتبهم من الحكومة، وهم من الفئات المشمولة بشبكة الرعاية الاجتماعية، ففئة المعاقين المشمولين بشبكة الرعاية والتنمية الاجتماعية حصلوا على زيادة لافتة برواتبهم الشهرية من 30 ألف دينار إلى 150 ألف دينار. وتم رفع راتب رعاية الأسرة من 30 ألف دينار أيضا إلى 150 ألف دينار، ويشمل «الأرامل، والمطلقات، والطلبة الجامعيين، والمتزوجين وزوجات المحكومين بالسجن، وكل فتاة يتيمة الأبوين أقل من 18 سنة ولا معيل لها، والمسنين فوق 60 سنة، والأيتام القاصرين».

ويورد عباس أكرم «أنه رغم أن إحصائيات وزارة التخطيط بحكومة الإقليم تشير إلى انخفاض ملحوظ في نسبة البطالة بكردستان من 14 في المائة عام 2007 إلى أقل من 6 في المائة في الوقت الحالي، ولكن الوزارة خصصت إعانات مالية للعاطلين عن العمل، وخاصة من فئة المتخرجين بمقدار 150 ألف دينار لكل عاطل واستفاد منها الآلاف من المتخرجين الذين لم يحصلوا بعد على فرص التوظيف».

ويضيف: «ولتمكين فئة الشباب من العمل بمشاريع خاصة، وللتخفيف من حدة البطالة، وكذلك تخفيف الطلب على وظائف الحكومة، بادرت الوزارة بإطلاق مشروع القروض الصغيرة والميسرة».

أما وزارة الكهرباء، وهي من أهم الوزارات الخدمية قاطبة، فقد تمكنت خلال السنوات العشر الأخيرة من تحقيق قفزة نوعية بمشاريع توليد الطاقة الكهربائية، فقد حققت تقدما مهما بتنويع مصادر توليد الطاقة، ولأول مرة نجحت حكومة الإقليم بإشراك القطاع الخاص وتوظيف الاستثمارات المحلية لإنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية، حيث تم بناء عدة محطات ضخمة لتوليد الطاقة من قبل القطاع الخاص بمساهمة من الحكومة، أوصلت الإنتاج الحالي من الطاقة إلى أكثر من 3 آلاف ميغاواط بعد أن كانت قبل سقوط النظام لا تتجاوز خمسمائة ميغاواط من محطتين كهرومائيتين، فيما تعمل معظم المحطات الحالية بالمشتقات النفطية. وكانت ساعات التجهيز اليومي لبيوت المواطنين لا تتجاوز أربع ساعات يوميا، ولكنها وصلت قبل عدة أشهر إلى 24 ساعة يوميا.

وحسب مسؤولة هيئة الاستثمار في الإقليم ومدير عام الاستثمار في أربيل نوروز عبد الواحد، فإن «حجم الاستثمارات فاق الـ22 مليار دولار توزعت على مشاريع سكنية وصناعية وسياحية وزراعية وتجارية». وتضيف نوروز قائلة لـ«الشرق الأوسط» في أربيل: «هناك كثير من المشاريع الأخرى التي هي قيد الدراسة، فما يهمنا هو خلق توازن في هذه المشاريع ونوعيتها لا كميتها، ونركز حاليا على الاستثمار في الزراعة والصناعة»، مشيرة إلى أن «قانون الاستثمار في الإقليم الذي وضعه رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني، منح تسهيلات وفرصا واسعة أمـام المستثمرين، ونحن نفضل المستثمر المحلي، أعني العــراقي، ثــم العــربي والغـــربي».