القتلى الأميركيون في العراق ضحايا لـ«حرب صروح» في واشنطن

عقبات تعترض إقامة صرح لهم في قلب العاصمة

TT

بعد عشر سنوات من غزو العراق بقيادة أميركية، لا يزال أمام المحاربين الأميركيين طريق طويل لضمان مكان لهم في الذاكرة الوطنية في صرح يقام في حديقة ناشيونال مول، المعلم الشهير في واشنطن، حيث يرتفع نصبا واشنطن ولينكولن إضافة إلى صروح الحرب العالمية الثانية وحربي كوريا وفيتنام، والتي تعرض أكثر من قرنين من التاريخ.

غير أن أي خطة لتكريم نحو 4500 جندي أميركي قتلوا في العراق ستصطدم بقوانين صارمة، وربما عليها انتظار حكم التاريخ بشأن الحرب التي لم تحظ بشعبية. وقال بول ريكهوف، مؤسس جمعية «قدامى محاربي أميركا في العراق وأفغانستان» ورئيسها، لوكالة الصحافة الفرنسية «هناك نسبة كبيرة جدا من التأييد لإقامة نصب ما في واشنطن».

والجمعية غير الربحية تضم أكثر من 200 ألف عضو، وهي أكبر منظمة أميركية لقدامى المحاربين لحروب ما بعد هجمات سبتمبر (أيلول) 2001. وقال ريكهوف الذي خدم من 2003 إلى 2004 في الجيش برتبة قائد فرقة رماية بسلاح المشاة في العراق «فقدنا أصدقاء هناك، البعض منا جرحوا». وأضاف «من المهم أن يكون في العاصمة تذكير بالكلفة البشرية للحرب».

غير أن الكونغرس شدد الشروط لإقامة نصب وطنية في واشنطن. فمنذ 1986، يشترط قانون «أعمال التخليد» عدم السماح بإقامة نصب يخلد «حربا أو صراعا عسكريا كبيرا مشابها» إلا بعد 10 سنوات على الأقل من «النهاية الرسمية المحددة» للأعمال العدائية. وقال البروفسور في التاريخ في جامعة بيتسبرغ كيرك سافدج «هي فترة انتظار من 10 سنوات للإذن ثم التصميم فالتمويل، وبناء الصرح يتطلب أحيانا عشر سنوات أخرى أو أكثر».

وفي حين لم يمض سوى أقل من عشر سنوات على الانسحاب الأميركي من فيتنام لإقامة صرح دونت عليه أسماء أكثر من 58 ألفا من الجنود الأميركيين القتلى والمفقودين على جدار من الغرانيت الأسود، انتظر قدامى محاربي الحرب العالمية الثانية نحو ستة عقود قبل أن يفتتح نصب تكريمي لهم أمام العامة في أبريل (نيسان) 2004. وليس في ناشيونال مول حتى الآن نصب يخلد ذكرى جنود الحرب العالمية الأولى.

ويقول سافدج، الذي دون تاريخ الصروح الوطنية في واشنطن في كتابه «حروب الصروح»، إنه سيكون من الصعب وضع تاريخ رسمي لنهاية حرب العراق.

وبعد نصر سريع على جنود صدام حسين، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش على متن حاملة طائرة في الأول من مايو (أيار) 2003 نهاية العمليات العدائية الكبرى تحت لافتة كتب عليها «المهمة أنجزت» أصبحت الآن مصدر انتقادات وإدانات. غير أن غالبية الإصابات وقعت في السنوات العديدة التالية، فيما واجه الجيش الأميركي تمردا متزايدا وهجمات شبه يومية من قبل تنظيم مرتبط بـ«القاعدة» برز بعد سيطرة القوات الأميركية على بغداد.

وبينما أنهى خلف بوش الرئيس باراك أوباما الانسحاب من العراق في ديسمبر (كانون الأول) 2011، لا يزال نحو 66 ألف جندي منتشرين في أفغانستان، فيما الطائرات الأميركية من دون طيار تستهدف بانتظام إرهابيين مشتبها بهم في باكستان واليمن.

وكتب سافدج في مقال في الـ«واشنطن بوست»: «إذا كانت هاتان الحربان مجرد عمليتين في الحملة العسكرية الطويلة ضد قوى الإرهاب، فإن الصراعات في القرن الحادي والعشرين قد لا تحصل أبدا على صروح تخلد ضحاياها في عاصمة الوطن». وأضاف أن «حالة حرب دائمة، ومن المفارقات، قد تعني منعا دائما لصروح الحروب الجديدة».

ورغم الحرب الأميركية المستمرة على عدو مراوغ في ما سمي بالحرب على الإرهاب، والإرث غير المحسوم لغزو العراق، فإن الخطط جارية لإقامة نصب مؤقت للجنود الأميركيين الذين حاربوا وقتلوا في السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر 2001. والمجموعة التي قامت ببناء نصب ذكرى حرب فيتنام تقوم حاليا بجمع المال لإطلاق مركز تحت الأرض للزوار وللتعليم في ناشيونال مول يحكي قصص الجنود الذين قتلوا في المعارك. وقال لي آلان من «صندوق نصب قدامى حرب فيتنام»: «قررنا أيضا عرض صور الذين قتلوا في الحروب في فترة ما بعد 9 سبتمبر»، مشددا على أن «هؤلاء الأبطال الشجعان لن يحظوا بنصب في المول لسنوات عديدة» بسبب فترة الانتظار.