الشارع الكردي في العراق بين مؤيد ومعارض لمبادرة أوجلان

حكومة الإقليم اعتبرتها خطوة إيجابية للغاية.. وأردوغان يجدد دعوته لإحلال السلام

TT

بعد نحو أربعين عاما من صراع دام كلفت تركيا أربعين ألف قتيل من الطرفين وبحدود 400 مليار دولار، تنازل حزب العمال الكردستاني أول من أمس عن آيديولوجيته القاضية بتأسيس دولة كردستان الكبرى، ورضي بحقوق ثقافية وسياسية ومكاسب دستورية محدودة، وغير أسلوبه من المفهوم الذي راج خلال عدة عقود (كوردستان يا نةمان) أي (كردستان أو الفناء)، إلى الانخراط بالعملية السياسية بتركيا. فكما يبدو أن قيادة هذا الحزب المتشدد فكريا، استوعبت متغيرات العصر وما يحصل في المنطقة من تطورات وتغيرات سياسية دراماتيكية، وتخلت طواعية عن السلاح الذي طالما اعتز الكردي بشرف حمله طوال تاريخه النضالي ضد الحكومات والأنظمة التي تنكرت لحقوقه القومية المشروعة.

هناك من يعتقد أن هذه المبادرة من زعيم الحزب عبد الله أوجلان المعتقل منذ عام 1999 بسجن إيمرالي بتركيا، إنما هي «استجداء» من الحكومة التركية لإطلاق سراحه، وهناك من يعتبرها «مبادرة استسلام» وما يسمونه باللغة الكردية «آشبطال» أي إعلان انهيار الثورة الكردية بشمال كردستان (تركيا)، بينما هناك البعض الآخر يعتبرها خطوة عقلانية تتسق مع تطورات العصر.

المهم أن أوجلان بإطلاقه هذه المبادرة، وفي حال تم تنفيذها على الأرض، سيضمن لنفسه الحرية بعد ما يقرب من 15 سنة من السجن والانعزال، لأن حكمه ببساطة يفقد مبرراته الموضوعية، على اعتبار أنه حوكم كونه زعيما لحزب محظور وموصوف بالإرهاب، فإذا دخل هذا الحزب العمل السياسي العلني لن يكون هناك أي مبرر لسجن وحجز أعضائه.

بدأ رد الفعل الأول حول المبادرة من حكومة إقليم كردستان التي أصدرت بيانا رسميا فور الإعلان عن المبادرة، رحبت فيه بالخطوة واعتبرتها إيجابية للغاية، وقالت في بيانها «تعلن حكومة الإقليم عن كامل دعمها لجهود السلام في تركيا، وتؤكد أنها كما دعمت دائما أي جهد يصبو نحو الحل السلمي للقضية الكردية بتركيا، فإنها تقدر عاليا رسالة السيد عبد الله أوجلان الموجهة إلى شعبه بمناسبة أعياد نوروز التي يدعو فيها إلى وقف القتال والعنف وحل القضية الكردية بشكل سلمي، وتؤيد هذه الخطوة سواء من قبله أو من الحكومة التركية. وبهذه المناسبة تؤكد حكومة الإقليم مرة أخرى استعدادا الكامل للقيام بأي دور يطلب منها من أجل المساعدة لحل تلك القضية عبر الحوار السلمي، وتدعو جميع الأطراف إلى الالتزام بعملية السلام وإعطاء الفرصة للجهود المبذولة حاليا لتحقيقه في تركيا».

المفارقة هنا، أن القضية الكردية بتركيا لم تكن تهم أبدا النظام العراقي السابق، بل إن هذا النظام كان متحالفا دائما مع الأنظمة التركية المتعاقبة في حربها ضد حزب العمال الكردستاني، حتى إنه سمح لتركيا بانتهاك دائم لسيادة الدولة العراقية بأن أجاز لجيشها بعبور الحدود العراقية لملاحقة مقاتلي الحزب المعارض، ولكن مع ذلك فإن الرسالة التي أعلنها الزعيم الكردي أوجلان أيقظت قائد حزب البعث عزة الدوري من سباته ليبارك هذه الخطوة التي اعتبرها «ضربة موجعة للصهاينة». ففي رسالة على موقعه الشخصي بـ«فيس بوك» نشر الدوري بيانا مقتضبا جاء فيه «انتهى حلم الانفصاليين بقيام الدولة الكردية.. بعد إعلان الزعيم الكردي عبد الله أوجلان بإنهاء الصراع بين الأكراد وتركيا الذي استمر نحو 30 عاما. ويعتبر إعلان الزعيم الكردي ضربة موجعة جديدة للانفصاليين الأكراد في شمال عراقنا الحبيب، وضربة موجعة للصهاينة الداعمين لقيام الدولة الكردية وتفكيك الأمة العربية والإسلامية».

وعلى مستوى الشارع الكردي تباينت المواقف بين مؤيد ومعترض. ويرى المواطن نوري سليمان أن «أوجلان قدم كل أوراقه لتركيا، ولم يبق بيده ولا ورقة واحدة يستخدمها في حال تراجعت تركيا عن تعهداتها بحل القضية الكردية، خاصة أن أنقرة التي تعتبر من ألد أعداء الأكراد سبق لها أن تنكرت حتى للوجود القومي الكردي، فكيف يمكن الوثوق بها وتسليمها السلاح الذي هو شرف الكردي؟. ومن يضمن أنها لن تغدر بالشعب الكردي كما فعلت منذ العقود الماضية».

وأما المواطن فرهاد ياسين فاعتبر «مبادرته جيدة وجاءت في وقت مناسب جدا حيث تشهد المنطقة تحولات مهمة، ولكن كان يكفي لأوجلان أن يدعو إلى وقف القتال أولا، ثم يتبعها بسحب المقاتلين، ثم إذا وافقت تركيا على شروط السلام عندها يلقي الحزب سلاحه، وهكذا فعلنا نحن في كردستان العراق، فالملا مصطفى رحمه الله لم يثق بالنظام البعثي عندما وقع معه اتفاقية مارس (آذار) عام 1970 التي جاء فيها شرط تسليم السلاح، ولكنه أصر على عدم تسليم سلاح البيشمركة إلا بعد تنفيذ الاتفاقية، وكان بارزاني على حق بعدم ثقته بحزب البعث، حيث عاود هذا النظام البعثي قتاله ضدنا بعد عدة شهور من تنفيذ الاتفاقية من طرف واحد وحسب مقاييس حزب البعث وليس حسب شروط القيادة الكردية».

لكن هيمن، وهو طالب جامعي، يعطي ثقته الكاملة لأوجلان فيقول «أنا أؤيد الزعيم أوجلان، لأنه أدرك أن العالم تغير، وأنه لم يعد هناك جدوى من استخدام السلاح. انظر إلى حالنا في إقليم كردستان، مع انحسار شبح الحروب والقتال حصلنا على مكاسب لم نكن نحلم بها.. انظر إلى النهضة العمرانية وإلى الانتعاش الحاصل؟. هل كان ذلك يتحقق لو كنا نستنزف أموالنا بالقتال والحرب؟».

ويؤيد هيمن تاجر السيارات حسين يوسف بقوله «الأمن والاستقرار في أي بلد يجلب معه الانتعاش الاقتصادي. في ظل الأمان تتحرك الأسواق وتزداد فرص الحياة، وهذا ما استفدنا منه هنا في كردستان. ونرجو أن يعم السلام بكردستان تركيا لكي تتقدم بدورها مثلنا. إذن هذه هي فرصة ذهبية لإخواننا هناك لكي يعيدوا بناء بلدهم».

إلى ذلك جدد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، دعوته إلى إحلال السلام في تركيا، وبدء مرحلة من الحوار السياسي، بعيدا عن لغة السلاح، ليسود السلام الدائم على حد قوله، مؤكدا وفق وكالة الأناضول التركية، أنه يرتدي كفنه في طريقه دون الخوف من أي شيء، في سبيل الاستمرار في خدمة تركيا.

ودعا أردوغان، في كلمة أمام اجتماع لحزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه، في أنقرة أمس إلى أن يكون كل يوم في تركيا، بداية ربيع كما كان يوم (أول من) أمس، حيث ساد الهدوء احتفالات عيد «النوروز»، وأكد أن حزبه يريد لأبناء تركيا أن يعيشوا براحة وهدوء، من أجل مستقبل أفضل، لا كما عاش هو في فترة صعبة، يتحول معها الربيع إلى خريف.

وانتقد حزب السلام والديمقراطية، متهما إياه بالانجرار خلف لعبة خبيثة تستهدف الإثارة وحسب، من خلال عدم رفع العلم التركي في ساحة احتفالات ديار بكر جنوب شرقي تركيا، التي تليت فيها رسالة أوجلان باللغتين التركية والكردية. وأضاف أن مواقف الحزب تعتبر متناقضة، من خلال دعمها لمرحلة السلام في البلاد من جهة، وإقدامها على هذا الفعل، واصفا ما حدث بأنها لعبة رخيصة، في وقت وصف فيه احتفالات أمس، التي مرت بسلام، بالمبشرة والجيدة لتركيا.