قيادي في المعارضة اللبنانية: ما الذي يخطط له حزب الله أمنيا في دفعه نحو تغييب ريفي؟

استقالة ميقاتي تعيد خلط الأوراق.. والحريري ليس مستعدا لترؤس حكومة جديدة

الرئيس اللبناني يستقبل رئيس وزرائه ميقاتي في قصر بعبدا ويقبل استقالته أمس (رويترز)
TT

كانت استقالة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي متوقعة منذ زمن طويل، لكن المفاجئ فيها كان التوقيت الذي اختاره لإعلان الاستقالة، والسبب الذي بررها فيه. فاللواء أشرف ريفي، المدير العام لقوى الأمن الداخلي، الذي كان ميقاتي يريد تمديد ولايته ليس محسوبا عليه سياسيا، بل على فريق الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري الذي خصص عشية جلسة الحكومة معظم محادثته الهاتفية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري من أجلها.

وكان ميقاتي قد أقرن أمس أقواله الليلة السابقة بالفعل، فذهب إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان وسلمه استقالته، فرحب به الأخير وشكره، ودعاه – على الطريقة التقليدية عند استقالة الحكومات – إلى تسيير أعمال الحكومة إلى حين تأليف حكومة جديدة. غير أن الرئيس سليمان لم يبد مستعجلا إعلان موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة، فأفادت مصادره إلى أنه سيعلن هذا الموعد بعد عودته من مؤتمر القمة العربية في قطر. أما ميقاتي فأكد بعد تقديمه الاستقالة خطيا إلى رئيس الجمهورية أنه «لم يخبر أحدا عن استقالته كي لا يتعرض لضغوط من أحد للعودة عنها»، وتابع أن «القرار كان قرارا شخصيا بالاستقالة»، وشدد ميقاتي على أن «الأهم أن يلتقي اللبنانيون ويبدأ الحوار وأن يتم تشكيل حكومة إنقاذية في هذه المرحلة»، قبل أن يضيف أن المواضيع كانت متراكمة، لا نية لإجراء الانتخابات والأجهزة الأمنية متجهة إلى الفراغ وعلى هذا الأساس قررت الاستقالة.

من جهة أخرى، بدت قوى 8 (آذار)، الشريك الأكبر في الحكومة المستقبلة، متفاجئة بقرار الاستقالة، أو على الأقل بتوقيته. فلقد أشارت مصادر رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى أنه يعتبر أن استقالة الحكومة ستعيد خلط الأوراق بين 8 (آذار) و14 (آذار) ، لافتة إلى أن الوضع السياسي يضع اللبنانيين أمام خيارين: إما المضي بسياسة النأي بالنفس أو إدخال لبنان في الفوضى، ومؤكدة عمل بري في مجلس النواب للتوصل إلى تشكيل حكومة جديدة. غير أن وزير الصحة علي حسن خليل، المعاون السياسي للرئيس بري واحد وجوه حركة «أمل» قال أمس في انتقاد ضمني لقرار ميقاتي الاستقالة إنه «لو أننا عرضنا إقالة مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي من منصبه، لكنا قد تفهمنا موقف رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي. ولو أنه عرض تعيين ضابط جديد في الأمن الداخلي وفرضنا اسما آخر، لكنا قد تفهمنا أيضا». ولفت حسن خليل في تغريدة على «تويتر» «أنه لا يجوز أن يكون عمل الحكومة بهذه الطريقة، ما في شي بيحرز (لا شيء يستحق) استقالة الحكومة، وعدم ترك أي مجال للنقاش».

النائب العماد ميشال عون، رئيس تكتل «التغيير والإصلاح»، قال من ناحيته معلقا إن استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فاجأتنا ولم تفاجئنا ولكن أسبابها كانت تافهة. فجميع الاحتمالات كانت لدينا بالأمس للاستقالة رئيس الحكومة وعدم استقالته. ونصح عون، في معرض الانتقاد، بوجوب البحث عن سبب الاستقالة في مكان آخر في إحدى السفارات، معتبرا أن موضوع قانون الستين الانتخابي لم يبرز إلا بعد زيارة السفيرة الأميركية مورا كونيللي لميقاتي وسليمان. وتابع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» القول إنه لم يستوعب أسباب الاستقالة حتى الآن ومستطردا «موضوع تسمية رئيس حكومة جديد موضوع معقد حتى الآن، والموضوع يتم بحثه بعد خطوة رئيس الجمهورية». أما في الحديث عن سلة متكاملة تحوي قانون انتخاب وتشكيل حكومة من دون حزب الله، فوصف عون الأمر بالتسلية.. ولا تأتي في وقتها الآن وهم يطرحون مشكلة، ونحن نحتاج إلى تمثيل صحيح كي نقر السلة المتكاملة.

وفي المقابل، لم تستغرب قوى 14آذار قرار ميقاتي، إذا اعتبر أحد قيادييها البارزين في تعليق أدلى به لـ«الشرق الأوسط» أن رئيس الحكومة المستقيل يقفز من السفينة الغارقة لبشار الأسد. وأردف أن ميقاتي كان قد اتخذ قراره بالاستقالة منذ 3 أشهر، يوم أدرك أن سفينة الأسد غارقة، مضيفا أنه كان ينتظر السبب فأتاه على طبق من فضة. وفي السياق نفسه رأى القيادي – الذي طلب إغفال اسمه – أن ميقاتي يدرك أن المسألة انتهت في سوريا ولأنه لا يريد أن يكون جزءا من التركة التي ستصفى بعد رحيل الأسد قرر الاستقالة. لكن القيادي نفسه يرى أن الخطورة تكمن في مكان آخر، وهو أسباب قبول حزب الله التخلي عن السلطة مقابل الإحجام عن التمديد للواء ريفي علما بأنه قدم سابقا الكثير لميقاتي لإبقائه في الحكومة وبالتالي بقاء الحزب ممسكا بالسلطة من خلالها. واعتبر أن السؤال الأهم هو ما الذي يخطط له الحزب في المستقبل القريب ولا يريد أن يكون حينها أشرف ريفي موجودا في مركزه الأمني؟، وتابع: «أن هناك قرارا إيرانيا بإشعال الحرائق في المنطقة دفاعا عن الأسد ويبدو أن لبنان مشمول بالقرار، فالنظام الإيراني يرى أن الدفاع عن الأسد يستحق المخاطرة بلبنان وأمنه واستقراره». وأما ما تتداوله بعض الأوساط عن إمكانية عودة الحريري لترؤس حكومة وحدة وطنية في الوقت الراهن، فقال القيادي إن هذا الأمر غير وارد وموقف المعارضة كان ولا يزال عند المطالبة بتأليف حكومة حيادية وهذا ما ستفعله في الاستشارات النيابية المقبلة.

في هذه الأثناء، لفت علاء الدين ترو، وزير شؤون المهجرين في الحكومة المستقيلة وعضو الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه النائب وليد جنبلاط، إلى أن استقالة الحكومة جاءت بعد سلسلة من التراكمات من أبرزها قانون الانتخابات. واعتبر ترو أنه لو كان أداء الحكومة مستقيما لما كان أحد يفكر باستقالتها بعد ما حققته لا سيما لجهة تمويل المحكمة الدولية. وأكد ترو أن وزراء تكتل «التغيير والإصلاح» وحزب الله دخلوا إلى جلسة مجلس الوزراء رافعين شعار «لا أشرف ولا إشراف»، في إشارة إلى رفض التمديد للواء ريفي ورفض الموافقة على هيئة الإشراف على الانتخابات، وبالتالي، رأى ترو أن وزراء عون وحزب الله كانوا قد نسقوا الأمور باتجاه الدفع نحو استقالة الحكومة، ولم يكن هناك أي موقف مسبق من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

وردا على سؤال حول موقف جبهة النضال الوطني، أي كتلة جنبلاط، بشأن تسمية رئيس الحكومة العتيد، أشار ترو إلى أن الأمر سيتحدد بعد عودة رئيس الجمهورية من قطر حيث يشارك في أعمال القمة العربية، وعندها ستبدأ المشاورات حول شخصية رئيس الحكومة المقبل، قائلا: «هذه المرة سنكون أوضح في أي تركيبة جديدة ستنشأ من خلال الاستشارات النيابية أو الحكومة الجديدة».

وحول موقف الرئيس سليمان، طالب مروان شربل، وزير الداخلية والبلديات في الحكومة المستقيلة، جميع الجهات بتلبية دعوة رئيس الجمهورية إلى طاولة الحوار للاتفاق على حكومة جديدة بديلة بأسرع وقت، وطمأن إلى أن استقالة الحكومة لن يكون لها تداعيات أمنية وسياسية، لكن يجب التعجيل بتشكيل حكومة جديدة نظرا للأوضاع التي تمر بها المنطقة وخصوصا تداعيات الأزمة السورية على لبنان.

وردا على سؤال عما إذا كان يتوقع عودة رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري إلى لبنان لترؤس حكومة جديدة قال: «الحريري من الرؤساء الفاعلين على الأرض ويستطيع أن يهدئ الأجواء السياسية والطائفية في لبنان»، مشددا على أهمية التوافق والاتفاق بين اللبنانيين على ترؤس الحريري حكومة جديدة، قبل أن يعود على تأكيد ضرورة تلبية جميع الفرقاء الدعوة إلى طاولة الحوار الوطني للتفاهم على التعجيل في تشكيل الحكومة لأنه لا يمكن أن نبقى من دون حكومة في ظل الأجواء الإقليمية والدولية القائمة.

أما في ما يخص حزب الله، ومع أن «الحزب» لم يعلن بشكل مباشر موقفه الرسمي من الاستقالة، حمل رئيس كتلة نوابه في البرلمان اللبناني محمد رعد على فريق 14 (آذار) واتهمه بتصعيد الأزمة. ومما قاله رعد إن إصرار البعض على الاستقواء بالخارج بديلا عن التوافق الوطني سوف يزيد من مشكلات البلد ويعطل كل الجهود الوطنية لبناء دولته واستقرار عمل مؤسساته. وإن من عطل الحوار الوطني وشكل فرق عمل في الخارج لمحاصرة العمل الحكومي ومارس أعلى مستويات الإثارة والتحريض المذهبي والطائفي وشكل بيئة حاضنة لكل مجموعات الصخب والفوضى والفتنة والتخريب والسلاح الأعمى والعشوائي، ليس مؤهلا لتسلم سلطة، وإن من يتحايل على مناصفة المسيحيين ويزور تمثيلهم الحقيقي ليس مؤهلا لدور الشريك المطلوب. وحول إمكانيات الاستقرار في البلاد، قال رعد: «في بلد مثل لبنان، ليست الحكومات هي التي تصنع الاستقرار وإنما التوافق الوطني الذي يؤسس الإطار الضروري لشكل ومضمون وأداء كل الحكومات ومع غياب التوافق الوطني يصبح من العبث أن ننتظر استقامة أمور الحكم والدولة».