تهديدات كوريا الشمالية لواشنطن تلقي بظلالها على المحادثات النووية مع إيران

طهران قد تسعى لاستنساخ تجربة بيونغ يانغ التي باتت تحظى بثقل أكبر بعد امتلاكها «النووي»

TT

رغم أن كوريا الشمالية تبعد أكثر من 2500 كيلومتر عن المفاوضات النووية التي تم استئنافها هنا يوم الجمعة الماضي بين إيران والقوى الست الكبرى، فإن الحديث عن التهديد النووي لبيونغ يانغ ورد الفعل الحذر من جانب الدول الأجنبية قد ألقيا بظلالهما على المفاوضات بشكل مثير للقلق.

وللمرة الأولى منذ استئناف المفاوضات بين إيران والقوى الست قبل عام من الآن وبعد فترة طويلة من التوقف، أثبتت كوريا الشمالية – التي عقدت محادثات مماثلة في التسعينات من القرن الماضي والتي انهارت في ظل حالة من الخداع وعدم الثقة - نتيجة قد تسعى طهران للتوصل إليها، حسب رأي خبراء حظر الانتشار النووي، وهي أن الترسانة النووية لكوريا الشمالية رغم صغرها قد شجعت بيونغ يانغ على تحدي الولايات المتحدة والقوى الأخرى المسلحة نوويا، التي اتسم رد فعلها بالحذر ودرجة كبيرة من الاحترام، خشية تنفيذ كوريا الشمالية لتهديداتها باستخدام السلاح النووي ضد واشنطن.

وقال فاليري لينسي، وهو المدير التنفيذي لمشروع «ويسكونسن» للحد من انتشار الأسلحة النووية، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له: «أشعر كما لو أن إيران ستستخلص الدروس من كيفية تعامل العالم مع كوريا الشمالية، وأتصور أن الدروس التي ستستخلصها طهران ستزعج القوى الغربية، مثل: يمكنك تجاوز العقوبات والتراجع عن الاتفاقات السابقة، وفي نهاية المطاف ستتمكن من تحقيق هدفك إذا سرت نحوه بسرعة».

وقال كليف كوبشان، وهو متخصص بالشأن الإيراني في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير ربحية تتخذ من واشنطن مقرا لها وتعمل على حل النزاعات، إنه رغم أن إيران لا تريد أن تظهر كأنها «دولة طائفية متهورة» مثل كوريا الشمالية، فإنها ترى أيضا الغياب الواضح للحديث عن تغيير النظام من قبل خصوم كوريا الشمالية في الفترة الحالية من التوتر الذي يسود شبه الجزيرة الكورية.

وتحدث كوبشان عن قادة إيران قائلا: «هؤلاء الرجال أذكياء، ويتسمون بالدهاء. إنهم يدركون تماما ما نجحت كوريا الشمالية في الوصول إليه، ويرون أن بيونغ يانغ تثير الخوف وباتت تحظى بثقل جيوسياسي أكبر لأنها تمتلك أسلحة نووية».

ولا توجد توقعات كبيرة بنجاح الجولة الأخيرة من المفاوضات، مع وجود إشارات قليلة إلى استعداد الحكومة الإيرانية لقبول العرض المقدم من القوى الست في الجولة الأخيرة من المحادثات التي عقدت في شهر فبراير (شباط) الماضي، الذي كان يقضي بفرض قيود على إمداداتها من اليورانيوم المخصب في مقابل تخفيف بسيط للعقوبات الدولية بشكل أولي، ثم يتبعه مزيد من التدابير التي تعمل على بناء الثقة بين الطرفين.

وقال الوفد الإيراني إنه مع استئناف المحادثات، وإنه قد تم طرح «اقتراح شامل» على أمل أن يؤدي إلى «إقامة حجر أساس جديد للتعاون»، إلا أن المفاوضين الذين يمثلون مجموعة القوى الست قالوا إنهم لم يروا أي جديد، مشيرين إلى تعثر المفاوضات بالفعل.

وتواصلت المحادثات أمس بين المفاوض الإيراني سعيد جليلي ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون التي تمثل ما يسمى مجموعة الـ«5+1»، التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن – بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة – بالإضافة إلى ألمانيا.وعقب استئناف المحادثات، قال مايكل مان، المتحدث باسم أشتون، للصحافيين: «إجراءات بناء الثقة يجب أن تأتي من إيران».

وفي ما يمكن أن يكون إشارة إلى أن موقف إيران لم يشهد أي تغيير، بدأ جليلي زيارته إلى ألماتي يوم الخميس بخطاب لطلبة جامعيين، أصر خلاله على حق بلاده غير المشروط في تطوير برنامج نووي سلمي، متهما القوى الكبرى بالنفاق لأنها تمتلك أسلحة نووية.

وأشار جليلي في خطابه إلى أن نظراءه يجب ببساطة أن «يتقبلوا الحقوق الثابتة التي لا يمكن التنازل عنها» لإيران، وتحديدا حقها في تخصيب اليورانيوم، وذلك كجزء من أي حل يتم التوصل إليه.

ولطالما أكد الإيرانيون أن أنشطة تخصيب اليورانيوم ذات أغراض مدنية وأن المرشد الأعلى آية الله على خامنئي قد أصدر مرسوما دينيا بحظر إنتاج أسلحة نووية في البلاد، كما أكدت إيران مرارا أنها قد وقعت على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وأن أنشطتها سلمية وقانونية.

وفي نفس الوقت، رفض الإيرانيون الامتثال لمطالب مجلس الأمن بتعليق تخصيب اليورانيوم حتى يتم حل القضايا العالقة بشأن نواياها النووية، بما في ذلك مؤشرات على أنها قد بدأت العمل في مشغلات لصنع قنابل نووية.

وقالت لينسي، التي تعمل في مشروع «ويسكونسن» للحد من الأسلحة النووية، إنها تعتقد أن إيران قد تكون مهتمة في المقام الأول بالمفاوضات من أجل تخفيف العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي تؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي - ولكنها تريد القيام بذلك من دون التضحية بقدرتها على صنع وقود نووي.

ومرة أخرى، قارنت لينسي بين ما يحدث مع إيران الآن والمفاوضات مع كوريا الشمالية منذ أكثر من عقدين من الزمن، عندما عقدت اتفاقا مع الولايات المتحدة بالحصول على الأغذية ومساعدات الوقود في مقابل وعود بعدم تصنيع أسلحة نووية، قبل أن ينهار هذا الاتفاق عام 2002. عندما اتهم الأميركيون كوريا الشمالية ببناء منشأة لتخصيب اليورانيوم بشكل سري.

وأضافت لينسي أن العرض الذي قدمته مجموعة الـ«خمسة زائد واحد» إلى إيران يشبه، في بعض النواحي، العرض الذي أدى إلى فشل الاتفاق مع كوريا الشمالية – تحركات أولية من قبل إيران، تليها عقوبات مخففة، تليها خطوات أخرى.

وكتب غاري ميلهولين، وهو المحرر التنفيذي لموقع «Iranwatch.org» الذي تم إطلاقه من قبل مشروع «ويسكونسن»، مقالا قبل المحادثات الأخيرة قال فيه إنه من الخطأ أن يتم تبني هذا النهج، مضيفا: «الدرس المستخلص من قضية كوريا الشمالية، هو أن أي اتفاق مؤقت من هذا النوع لن ينجح. قبل التوصل إلى أي حل وسط، يجب أن يصر الدبلوماسيون الأميركيون والأوروبيون على أن تبتعد إيران عن الطريق الذي سلكته كوريا الشمالية بكل سهولة».

وقال آخرون إن الإيرانيين – مثل الكوريين الشماليين - قد أبدوا مثابرة كبيرة في تحمل العقوبات الاقتصادية بغض النظر عن قسوتها وشدتها، الأمر الذي يشكك في قيمتها في أي استراتيجية للتفاوض.

وفي دراسة نشرت قبل الجولة الأخيرة من المحادثات، قال المجلس الوطني الإيراني - الأميركي، وهو مجموعة تعارض العقوبات وتتخذ من واشنطن مقرا لها، إن تلك العقوبات قد أدت في واقع الأمر إلى زيادة عزم الحكومة الإيرانية، مضيفا: «يشكل الاستسلام تهديدا لبقاء النظام الإيراني أكبر من التهديد الذي تشكله أي مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة».

وأشار بعض الخبراء إلى اعتقادهم أن القادة الإيرانيين ينظرون إلى القضية النووية لكوريا الشمالية بقدر من الحذر والذعر، ويرون أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول يمكنها استخدام هذه القضية كمبرر لفرض مزيد من العقوبات على إيران، التي لديها علاقة توأمة عسكرية مع كوريا الشمالية، واعتمدت على التكنولوجيا الصاروخية والعسكرية لبيونغ يانغ. وكان البلدان، جنبا إلى جنب مع سوريا، هما المعارضان الوحيدان لتمرير اتفاقية تنظيم التجارة العالمية في الأسلحة التقليدية في الأمم المتحدة خلال الأسبوع الحالي.

وقال مهرزاد بروجردي، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيراكيوز: «إذا بدأ الكوريون الشماليون الحرب بالفعل، فسون تخضع إيران لضغوط دولية مكثفة»، مشيرا إلى أن الكثير من الناس سوف يخشون من «حقيقة أن الإيرانيين يتسمون بالجنون مثل هؤلاء الرجال، وبالتالي يجب علينا أن نحتويهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»