أوغلو يتهم الأسد بـ«إقامة ممر آمن للنصيريين بين حمص ولبنان»

معارض سوري: يصعب أن تعيش ضمن محيط وحدود معادية لها

احمد داود اوغلو
TT

شن وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو هجوما غير مسبوق على نظام الرئيس بشار الأسد، متهما إياه بالضغط على زر الخطة «ب» القاضية بتطهير الساحل من الطائفة السنية، وتأمين «ممر آمن للنصيريين (العلويين) بين قلب مدينة حمص ولبنان».

ويتجنب القاموس السياسي توصيف العلويين بمسمى «النصيريين»، نسبة إلى محمد بن نصير النميري أحد نواب الإمام المهدي في فترة الغيبة الصغرى، لكنها هي التسمية التي نجدها في كل الكتب التي تحدثت عنهم قبل القرن العشرين. ويفضل أبناء الطائفة إطلاق كلمة «علويين» عليهم، وهي التسمية التي اعتمدت في سوريا على أبناء الساحل منذ عهد الاحتلال الفرنسي لسوريا بعد الحرب العالمية الأولى.

ويرى أوغلو أن الأسد تدرج في تعامله مع الثورة عبر 5 مراحل، ابتدأت باستخدام القناصة لقتل المدنيين الأبرياء والمتظاهرين السلميين، ثم بالهجوم بالدبابات والمدافع على المدن، مثل حماه وحمص. أما المرحلة الثالثة، وفقا للوزير التركي، فتمثلت في استخدام الأسد للطائرات والقصف الجوي لدك المدن المنتفضة ضد نظامه، إلا أن ذلك لم يمكنه من إعادة السيطرة على المناطق التي سقطت في أيدي المعارضة السورية، مما دفعه لاستخدام صواريخ سكود في المدن والبلدات السورية المحررة.

وأضاف وزير خارجية تركيا، وصاحب مؤلف «العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية»، في لقاء صحافي مع صحيفة «حريات» التركية، أنه أبلغ نظيره الأميركي جون كيري، بأن «المجازر الأخيرة التي ارتكبها الأسد في مدينة بانياس، والتي أسفرت عن مقتل 62 شخصا سنيا، تعتبر مؤشرا خطيرا ومرحلة جديدة في الأزمة السورية».

وأكد وزير الخارجية التركي أن «النظام الأسد عندما أدرك عجزه عن إعادة السيطرة على المناطق التي باتت تحت سيطرة المعارضة انتقل إلى المرحلة الخامسة، وهي إعلان إنشاء إقليم مذهبي، وسعى إلى ارتكاب إبادة جماعية على أساس إثني من أجل تطهير مناطق بعينها، بغية إقامة كيان منفصل على أساس طائفي، أي دولة نصيرية»، على حد قوله، منوها إلى أن المؤشرات الآن تدل دلالة واضحة على أن الأسد انتقل إلى تنفيذ الخطة (ب).

ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «باريس الجنوب» الدكتور خطار أبو دياب لـ«الشرق الأوسط» أن «تصرفات النظام السوري منذ بداية الأحداث وصولا إلى ما جرى في بانياس من مجازر مروعة تبين أن هناك تركيزا من قبل الجيش النظامي على الاحتفاظ بمدينة حمص ومنطقة القصير لربط العاصمة بالساحل أو تأمين الطريق بينهما»، مشيرا إلى «وجود أفكار يتم تداولها بأن النظام وبسبب فقدانه القدرة على السيطرة على البلاد يمكنه أن يلجأ إلى خيار إقامة (كونتون) طائفي».

ويوضح أبو دياب «أن هناك مسافة بين الأفكار والتطبيق، لقد طرحت هذه الأفكار في العراق سابقا ولم يتحقق منها شيء، مسألة من نوع إقامة دولة علوية يحتاج إلى (سايكس بيكو) جديد أي ترتيب بين منتصرين وهذا ما لم نلحظه في مقررات لقاء كيري لافروف الأخير»، ويرجح أبو دياب أن «يستمر الوضع المتفجر في سوريا نحو التدهور والاهتراء مدة طويلة»، مؤكدا أن «جميع الدول المجاورة لسوريا مثل تركيا والأردن ولبنان والعراق لا مصلحة لها بوجود أي دولة طائفية لأن ذلك سيعني إعادة تركيب الإقليم على قواعد أقلوية وإثنية، الأمر الذي سيؤدي مستقبلا إلى انتقال عدوى التفتيت إلى هذه الدول»، ويشدد أبو دياب على أن «الشعب السوري نفسه لن يسمح بمرور هكذا سيناريوهات وهو غير جاهز أساسا لذلك».

ويصف نظام الأسد صناع القرار الحاليين في تركيا بـ«العثمانيين الجدد» في محاولة لإيقاظ النعرات بين العلويين والأتراك. ووفقا لـ«قانون الملل العثماني» الصادر عام 1571. كان على علوي سوريا دفع ضرائب إضافية نظرا لعدم صيامه رمضان أو أدائه الصلوات اليومية الخمس، بحسب ما نقله القس البريطاني صموئيل لويند، صاحب أول مرجع غربي عن الطائفة العلوية.

وبحسب عضو المجلس الوطني المعارض عماد الدين الرشيد، فإن مشروع الدولة العلوية قد ينجز لكنه لن يستمر طويلا لأن «العلويين سيجدون أنفسهم وجها لوجه أمام بشار الأسد ما سيدفعهم للانفكاك عنه وسيسقط هذا الكيان المصطنع». ويؤكد الرشيد لـ«الشرق الأوسط» أن «فكرة إنشاء كيان علوي هي آخر خيارات النظام بعد أن هزمه الثوار وتمكنوا من السيطرة على مساحات واسعة من سوريا»، مشيرا إلى «وجود حاضنة شعبية قد تؤيد خيار الكونتون وتتمثل بالطائفة العلوية التي وضعها النظام في مصير واحد معه كما عمل على رفع منسوب القلق والخوف عند العلويين عبر خطابه الإعلامي ليضم فك ارتباطهم ببقية السوريين». ويؤكد الرشيد أن «مشروع إقامة دولة علوية سيفشل من الناحية الجغرافية، إذ إنه يصعب أن تعيش وتحيا دولة ضمن محيط وحدود معادية لها».

ولا يعتبر مشروع الدولة العلوية جديدا في سوريا، فقد سبق أن أعلن عن دولة علوية على الساحل السوري في فترة الاستعمار الفرنسي للبلاد (1920 - 1946)، إذ تلقى الجنرال هنري غورو، المندوب السامي للانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا، برقية في نهاية عام 1919 من 73 شخصا من أعيان العلويين، طلبوا منه «تكوين دولة علوية تحت حماية مطلقة بعيدا عن الحكم السني في حلب ودمشق». وأعلن عن إنشاء دولة اللاذقية في 1 يوليو (تموز) 1922. ترافق ذلك وقرار ينهي السيطرة السنية على المحاكم الناظرة في القضايا العلوية التي بات يحكم فيها وفقا للفقه العلوي.

وفي الآونة الأخيرة تم تداول نص الوثيقة التي طالب زعماء الطائفة العلوية باستقلالهم عن سوريا، إذ رد وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس في 31 أغسطس (آب) 2012 على اتهامات مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري بأن فرنسا تسعى لاستعمار بلاده من جديد، بالقول: إنه «بما أنكم تحدثتم عن فترة احتلال فرنسا لسوريا فمن واجبي أن أذكركم أن جد رئيسكم الأسد قد طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سوريا ومنحها الاستقلال بموجب وثيقة رسمية وقع عليها ومحفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية وإن أحببت أعطيكم نسخة عنها»، في إشارة إلى وثيقة أخرى رفعت إلى رئيس الحكومة الفرنسية ليون بلوم (1936 - 1937)، ومحفوظة تحت الرقم 3547 تاريخ 15 يونيو (حزيران) 1936 في سجلات وزارة الخارجية الفرنسية، وفي سجلات الحزب الاشتراكي الفرنسي.