أكثر من 40 قتيلا و100 جريح في تفجيرين انتحاريين بتركياوتحذيرات من «الحساسيات الإثنية والطائفية»

وقعا في بلدة الريحانية.. وسوريا «مشتبه به طبيعي»

مواطنون أتراك احتشدوا في مكان التفجيرات التي حدثت أمس ببلدة الريحانية القريبة من المعبر التركي السوري (رويترز)
TT

شهدت تركيا أمس «أسوأ كوابيسها» مع استهداف إحدى بلداتها الحدودية بتفجيرين كبيرين، أوقعا أكثر من 40 قتيلا و100 جريح، بينهم 29 في حالة خطر شديد، مما قد يرفع عدد الضحايا خلال الساعات المقبلة.

وعلى الرغم من امتناع المسؤولين الأتراك عن الإشارة إلى النظام السوري بشكل مباشر «بانتظار التحقيقات»، بعث توقيت ومكان التفجير أكثر من رسالة إلى الداخل التركي، أهمها اللعب على «الحساسيات الطائفية»، لأن التفجير وقع في بلدة سكانها عرب سنة من المؤيدين للمعارضة السورية في إقليم تتعدد فيه الانتماءات الطائفية التي تتطابق مع الانتماءات الطائفية السورية، المكونة بشكل أساسي من سنة وعلويين ومسيحيين.

وكشف كبير مستشاري الرئيس التركي إرشاد هورموزلو لـ«الشرق الأوسط» عن معلومات نقلتها السلطات في «ولاية هاتاي» التي وقع فيها الانفجار عن احتمال كون التفجيرين انتحاريين.

وقال هورموزلو إن المعلومات تحدثت عن اكتشاف جثة مواطن سوري الجنسية في إحدى السيارتين كان صاحبها مربوطا بحزام الأمان، مما يرجح فرضية التفجير الانتحاري. ورفض هورموزلو توجيه الاتهام إلى النظام السوري أو غيره، بانتظار انتهاء التحقيقات، لكنه قال إن تركيا «دولة قوية قادرة على حماية مواطنيها، وهي سوف تلاحق الجناة أينما كانوا، وسينالون عقابهم العادل»، مشددا على أن بلاده «لن تهتز إرادتها بسبب حوادث مفتعلة، هدفها إشاعة الرعب وإثارة الحساسيات الإثنية والحساسيات بين الأطياف (الطوائف) المختلفة في هذه المنطقة».

وتحدث المسؤول التركي عن «خيوط معينة»، تكونت لدى أجهزة الأمن والاستخبارات التركية، موضحا أن هذه الخيوط «تؤشر في اتجاه معين»، رافضا الكشف عن ماهيته. لكنه أكد في المقابل أن مثل هذه الحوادث «لن تخيف تركيا ولن تجعلها تتوانى في التعبير الصريح والواضح عن موقفها من الأحداث (السورية) ولن تتوقف عن دعم ما تراه عادلا من القضايا».

وعلى الرغم من أن الناطق بلسان الخارجية التركي ليفنت جمركجي رفض في اتصال مع «الشرق الأوسط» الحديث عن «مسؤوليات» في موضوع التفجير، لكنه أكد أن بلاده سوف تقوم برد قاسٍ على أي طرف أو دولة تظهر التحقيقات تورطها في الجريمة. وأفادت قناة «سكاي نيوز» بأن تركيا هددت «برد قاسٍ»، إذا ثبت تورط الحكومة السورية في تفجيرات الريحانية بهتاي، بينما قال نائب رئيس الوزراء التركي إن الحكومة السورية مشتبه به طبيعي في هذه التفجيرات. وصرح نائب رئيس الوزراء التركي، بولنت أرينج لتلفزيون «إن تي في» أن النظام السوري «بأجهزته السرية وجماعاته المسلحة هو بالتأكيد أحد المشتبه بهم المعتادين على التحريض على مثل هذه المؤامرة الفظيعة وتنفيذها».

وبدوره، تحدث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن هذه «الحساسيات». وقال إن هجمات السيارات الملغومة قد تكون ذات صلة بالصراع الدائر في سوريا أو بعملية السلام بين أنقرة والمتمردين الأكراد. وقال في تصريحات بثها التلفزيون التركي: «إننا نمر بأوقات حساسة، حيث بدأنا عهدا جديدا يشهد عملية حل القضية الكردية. وهؤلاء الذين لا يستطيعون استيعاب هذا العهد الجديد.. يمكن أن يقدموا على مثل هذه الأفعال». وأضاف: «هناك قضية حساسة أخرى، وهي أن إقليم هاتاي (الذي وقعت فيه الانفجارات) يقع على الحدود مع سوريا، وهذه الأفعال ربما نفذت لإثارة تلك الحساسيات».

وكانت سيارتان مفخختان انفجرتا، بعد ظهر أمس، في قلب بلدة «الريحانية» أو ريحانلي، وفقا لاسمها التركي، وهي بلدة حدودية يقع عند طرفها الشرقي معبر يؤدي إلى سوريا، حصل عنده تفجير مشابه في شهر فبراير (شباط) الماضي، حيث انفجرت سيارة مفخخة عند المعبر نفسه، وألقت تركيا بمسؤولية الهجوم الذي أسفر عن مقتل 17 شخصا، وإصابة 30 آخرين على السلطات السورية.

وأكد وزير الداخلية التركي معمر غولر أن حصيلة التفجيرين مرشحة للارتفاع، لأن 29 مصابا أصيبوا بجروح بالغة، متحدثا عن «استفزاز» يهدف إلى تقويض عملية السلام التي بدأتها أنقرة قبل أشهر عدة مع المتمردين الأكراد.

وقد انفجرت السيارتان أمام مبنى البلدية ومكتب البريد في البلدة، مما أدى إلى وقوع دمار كبير في المنطقتين. وأرسلت السلطات التركية العشرات من سيارات الإطفاء وسيارات الإسعاف إلى المكان لإجلاء المصابين، كما عملت المروحيات على نقل الحالات الصعبة إلى مستشفيات أكثر تجهيزا في داخل تركيا.

وقد أدى الانفجار إلى تضرر مبنى البلدية، بينما أفاد شهود عيان بانهيار مبنى خشبي قديم قريب من البلدية، بينما انقطع التيار الكهربائي بالكامل عن المنطقة المتضررة. وبدأ عدد من أهلي البلدة بمغادرتها خوفا من تفجيرات أخرى. وأفادت وسائل إعلام تركية عن شجارات بين سكان محليين ومواطنين سوريين، متحدثة عن ارتفاع في التوتر بين الجانبين.

ولم تعلن أي جهة حتى الآن المسؤولية عن الهجوم، لكن وزير الخارجية أحمد داود أوغلو حذر من «اختبار قدرة تركيا»، وقال إنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.

وقال داود أوغلو للصحافيين خلال زيارته لبرلين: «يجب أن لا يحاول أحد اختبار قدرة تركيا. وستتخذ قواتنا الأمنية جميع الإجراءات الضرورية».

وأدان الائتلاف الوطني السوري «الهجمات الإرهابية التي وقعت في مدينة الريحانية جنوب تركيا»، مؤكدا «وقوفه وأبناء سوريا جميعا إلى جانب الحكومة التركية والشعب التركي الصديق».

ورأى الائتلاف أن «هذه الجريمة الإرهابية النكراء تهدف إلى الانتقام من الشعب التركي، ومعاقبته على مواقفه المشرفة في الوقوف إلى جانب الشعب السوري، واستقباله للاجئين السوريين الذين فروا من جرائم النظام في قراهم ومدنهم»، معتبرا أنها «محاولة يائسة وفاشلة لإيقاع الشقاق بين الشعبين».

وتأتي تفجيرات السبت بعد يومين من تصريحات لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قال فيها إنه يعتقد أن النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية وتجاوز «الخط الأحمر»، الذي حدده الرئيس الأميركي باراك أوباما، وعشية زيارة سيقوم بها أردوغان إلى واشنطن، حيث سيكون الملف السوري بندا أول على جدول أعمالها.

ونددت الولايات المتحدة بشدة بالتفجير المزدوج الذي تم بسيارتين ملغومتين وأسفر عن مقتل نحو 40 شخصا في بلدة ريحانلي التركية قرب الحدود مع سوريا، أمس، وتعهدت بالتضامن مع تركيا في تحديد الجناة.

* الريحانية بلدة سنية في محيط علوي

* الريحانية هي إحدى مدن محافظة هاتاي المعروف سابقا باسم لواء إسكندرون الذي فصل عن سوريا في عام 1937 بقرار من عصبة الأمم وضم إلى تركيا في عام 1939، بناء على استفتاء أجري بإشراف سلطات الانتداب الفرنسي. وتقع البلدة في سهل العمق على الطريق الواصلة من حلب إلى أنطاكية، وتبعد 5 كيلومترات عن الحدود بين سوريا وتركيا عند معبر باب الهوى في محافظة إدلب.

تقابلها من الجانب السوري للحدود الحالية مدينتا حارم وكفر تخاريم في محافظة إدلب. غالبية سكان المدينة من العرب السنة، في حين أن معظم مناطق اللواء الأخرى ذات غالبية علوية. وتشتهر منطقة الريحانية بزراعة القطن والحبوب.