هدام لـ «الشرق الأوسط»: على الحركة الإسلامية أن تتخلص من ثقافة العمل السري

القيادي السابق في «الإنقاذ» الجزائرية يدعو إلى مرحلة انتقالية يتم فيها خلع بوتفليقة فورا

انور هدام
TT

دعا أنور هدام، القيادي السابق في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية المحظورة، والرئيس الحالي لحركة الحرية والعدالة الاجتماعية (غير مرخص لها)، إلى مرحلة انتقالية يتم فيها خلع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من منصبه فورا لأسباب صحية، وتعيين رئيس مؤقت توافقي يحظى برضا جميع التيارات السياسية لمدة لا تتعدى ستة أشهر إلى حين نهاية الولاية الحالية، يسهر خلالها على تهيئة المناخ المناسب لإجراء انتخابات تعددية لمجلس وطني تأسيسي (البرلمان) وانتخاب رئيس الدولة.

ودعا هدام، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إلى تنظيم حوار وطني حول أسس نظام سياسي جديد يعبر عن الشعب في تنوعه، وذلك في مسعى لبعث الثقة من جديد بين جميع التيارات السياسية في البلد.

وبشأن موقفه من تحديد الولاية الرئاسية، وهو المطلب الذي رفعته أحزاب المعارضة وطلبت أن يتضمنه التعديل الدستوري المرتقب، قال هدام: «المسؤول النزيه الذي يخاف الله في منصبه لا يريد أن يتحمل المسؤولية أكثر من ولايتين متتاليتين»، وأشار إلى أن «مرض الرئيس حسم موضوع الولاية الرابعة». وفي ما يلي نص الحوار.

* تعيش الجزائر على وقع مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إذ كثر الحديث حول خلافته، فما السيناريوهات المحتملة في نظرك؟

- بالفعل هناك تكهنات لجهات مختلفة بشأن مرض رئيس الدولة الجزائرية، ومسألة خلافته، في الوقت الذي تعيش فيه الجزائر منذ عقود تغييبا رهيبا للمؤسسات الدستورية، الذي بدوره أفضى إلى غياب تام للشفافية، والرقابة تمكننا من جعل حد للفساد بكل أشكاله المالية والاقتصادية والسياسية. لذلك لست من الذين يخوضون في تخمينات كهذه، والتي قد تساهم في إضفاء نوع من الشرعية الدستورية لنظام قام على التلاعب بالدستور لتسويق مصادرة حق الشعب في اختيار من يراهم مناسبين لتولي الحكم. هو الشعب لا غيره قادر على تلبية طموحاته وتحقيق تنمية بلده، والحفاظ على مصالحه الاستراتيجية.

الذي يمكنني التأكيد عليه في هذه الظروف الحرجة هو أن بلدنا الجزائر في حاجة إلى إرادة سياسية وطنية من أجل استعادة الثقة بين جميع التيارات السياسية، ومن أجل انحياز المؤسسة العسكرية والمخابراتية إلى جانب الشعب، ولو على يد من هم متورطون في المأساة الوطنية (العشرية السوداء)، المهم اليوم استعادة السيادة للشعب وجعل حد لتهميشه ونهب خيراته، كل ذلك حتى نتمكن من تحقيق تغيير فعلي للنظام السياسي القائم وطبيعة صنع القرار فيه.

* أحزاب المعارضة تطالب بإعادة النظر في تحديد الولاية الرئاسية خلال مشروع التعديل الدستوري المرتقب، ما هو موقفكم من هذه النقطة؟

- لا أعتقد أن المشكلة في الجزائر تكمن في مسألة عدد الولايات الرئاسية، أو ولاية أي منصب آخر، فمبدئيا من حق الشعب اختيار من يراهم مناسبين لتلك المناصب. ولو أن التجربة تبين لنا أن السلطة تفسد، والمسؤول النزيه الذي يخاف الله في منصبه هو المسؤول الذي لا يتحمل المسؤولية أكثر من ولايتين متتاليتين، أما في حالة الجزائر اليوم فأعتقد أن مرض الرئيس حسم موضوع الولاية الرابعة.

* في نظركم كيف ينبغي أن يكون عليه التعديل الدستوري المرتقب؟

- نحن نرفض تعديلا فوقيا وتجميليا للدستور يكرس طبيعة النظام القائم، النظام الجزائري مستمر في نهج سياسة الهروب إلى الأمام نحو المجهول، وتجاهل الشعب وطموحاته في التغيير الحقيقي المنشود. الجزائر بحاجة إلى قانون أساسي للبلد ينبع من الشعب من خلال ممثليهم المنتخبين لجمعية وطنية تأسيسية بكل حرية وشفافية وبعيدا عن أي إقصاء أو تهميش.

ومن الناحية العملية، من منظورنا، لا بد من مرحلة انتقالية يتم فيها خلع الرئيس بوتفليقة من منصبه فورا لأسباب صحية، وتعيين رئيس مؤقت توافقي بديل يحظى برضا جميع التيارات السياسية لمدة لا تتعدى ستة أشهر إلى نهاية الولاية الحالية، أي إلى شهر أبريل (نيسان) من العام المقبل على أقصى حد، يسهر خلالها على تهيئة المناخ المناسب لإجراء انتخابات تعددية لمجلس وطني تأسيسي (برلمان) ولرئيس الدولة.

وفي تصورنا، يتم ذلك أولا بالسعي لبعث الثقة من الجديد بين جميع التيارات السياسية في البلد من خلال تنظيم حوار وطني حول أسس نظام سياسي جديد يعبر عن الشعب في تنوعه.

* عودة قيادات جبهة الإنقاذ الإسلامية إلى الحياة السياسية أمر غير متاح لهم حاليا، هل في نيتكم دعم مرشح للرئاسيات المقبلة؟

- القضية تكمن في منع ظلم وعدوان وفي غياب تحقيق شفاف حول المأساة الوطنية (العشرية السوداء) وفي إطار دولة القانون واستقلالية القضاء فئة عريضة من الشعب من حقها في الممارسة السياسة. فلا يمكنني المساهمة في فساد سياسي كهذا يكرس الإقصاء والأبارتايد السياسي، اللهم إن كانت هناك إرادة سياسية وطنية، كما أسلفت، من أجل الشروع في مرحلة انتقالية نحو تغيير النظام السياسي في الجزائر وطريقة صنع القرار فيه.

* النقاش حول دور المؤسسة العسكرية وتأثيرها على المشهد السياسي عاد مجددا إلى الواجهة، كيف ترون أنتم هذه العلاقة؟

- من الصعب على المواطن العادي، بل حتى على المختصين بالشأن الجزائري، معرفة طبيعة النظام الجزائري بدقة، وطريقة صنع القرار فيه. إن المؤسسات الدستورية ودورها الرقابي يشكل أحد الأسباب الأساسية وراء الأزمة في الجزائر وتفشي الفساد فيها بطريقة أصبحت تهدد الأمن القومي والمصالح الاستراتيجية للشعب.

نحن ليس لدينا أدنى شك في أن المؤسسة المخابراتية في الجزائر، نظرا لسيطرتها الكاملة على الساحة، هي على علم بتفاصيل الفساد في الجزائر. وكونها تريد فعل شيء ما هذه الأيام حول هذا المرض الخطير، هذا أمر جميل، فلا بد من جعل حد للفساد وحماية مؤسسات الدولة من الفساد السياسي والاقتصادي. لكن الحل الأمثل والدائم والمستقر يكمن في استعادة الشعب للسيادة، وتمكينه من اختيار ممثليه لدى مختلف المؤسسات الدستورية من رئاسة الدولة إلى البرلمان إلى المحكمة العليا إلى مجلس المحاسبة إلى آخره. الأزمة الجزائرية أزمة سياسية، أزمة هيكلية، وبالتالي فإن أي إصلاحات لما آلت إليه الأوضاع يكون مصيرها الفشل إذا تم تجاهل وضعية النظام السياسي وطريقة صنع القرار فيه.

* البعض يتهم التيار الإسلامي بالفشل، وحسب هؤلاء فإن جزءا من الإسلاميين تورط في العنف الدموي، والجزء الآخر تواطأ مع النظام ضد الشعب، كيف تردون على هذه التهم؟

- أتفهم سؤالكم جيدا وما تضمنه من افتراضات تجانب الصواب إلى حد بعيد. فالحركة الإسلامية في الجزائر لم تحظَ بالاهتمام المناسب لحجمها ولدورها في المساهمة في إعادة بناء المجتمع الجزائري، وتهيئة المناخ المناسب الذي سمح لهذا الشعب باسترجاع استقلاله، بعد احتلال بل واستيطان صليبي - فرنسي بكل ما للكلمة من معنى، طيلة أكثر من 130 سنة. فالحركة الإسلامية الأصيلة في الجزائر تعتبر نفسها امتدادا للحركات المناهضة للاحتلال، طيلة المائة العام الأولى من الاحتلال الفرنسي. كما أن الحركة الإسلامية الأصيلة في الجزائر تعتبر نفسها امتداد لحركة جمعية العلماء المسلمين والحركة الوطنية في بداية القرن الماضي حتى نهاية الحرب التحريرية الخالدة.

إننا نبذل كل جهدنا من أجل قيام دولة القانون ومنظومة قضائية مستقلة، تمكننا من الكشف عن الحقيقة كلها غير منقوصة حول العنف الدموي، في حق شعبنا، إنه بالتأكيد السبيل الوحيد لطي صفحة المأساة الوطنية طيا عادلا يضمن عدم تكرار المأساة ورد المظالم وضمد الجراح.

لكن أعلم كذلك أن هناك مشكلة واقعية هي مشكلة الإرهاب الذي دفع إليه بعض أبنائنا خلال المأساة الوطنية (العشرية السوداء)، ولقد سقطوا فيه نتيجة جهلهم بالإسلام وبمقاصد شريعتنا السمحة، فأصبحوا لعبة في يد الذين يعملون على إبقاء النظام المغلق الحالي.

لا يمكن لأي مدرك لحقيقة الأوضاع في بلدنا الجزائر أن يتحدث بكل موضوعية عن أي انتكاسات للحركة الإسلامية في الجزائر، اللهم إن كان الأمر يتعلق بالتشكيلة المنتسبة إلى حركة الإخوان المسلمين، والتي بررت الانقلاب على خيار الشعب وشاركت جلادي الشعب في الحكم، بل شاركتهم في تنفيذ سياساتهم ولم تشارك ولم يكن لها لتشارك في صنع القرار، لكن هذه التشكيلة حجمها على الساحة الإسلامية والوطنية صغير جدا، كما بينت ذلك تلك الانتخابات التاريخية المحلية لسنة 1990 والبرلمانية لسنة 1991، لم تحصل على مقعد واحد في البرلمان.

أما الحديث عن تجربة الحركة الإسلامية الأصيلة التي اعتمدت آنذاك الجبهة الإسلامية للإنقاذ كإطار للممارسة السياسية، فلم يتح لها تجربة العمل السياسي والحكومي حيث تم الانقلاب عليها وعلى خيار الشعب بمجرد فوزها بثقة الشعب لتسيير شؤون الدولة.

* البعض يقول إن التيار الإسلامي في الجزائر مات وانتهى، وهو من وقع على شهادة وفاته؟

- لو أنها انتهت، لِمَ إذن التردد في فتح المجال السياسي في الجزائر؟ المختصون بالشأن الجزائري على دراية تامة بحجم الحركة الإسلامية الأصيلة وقدراتها. ولذا هناك «راية حمراء» ترفعها بالنسبة للجزائر غداة الثورات الشعبية التي يشهدها الشارع العربي، راية «الإسلاميين»، متناسين أن شعبنا في أغلبيته الساحقة شعب مسلم، وأن الإسلام يشكل العنصر الأساسي لشخصية المواطن فلا يمكن تجاوزه.

إن مستقبل التيار الإسلامي في الجزائر كسائر التيارات الوطنية بمختلف ألوانها الآيديولوجية مرهون بتغيير النظام السياسي وطبيعة صنع القرار فيه نحو نظام أفضل يعبر عن طموحات الشعب في تنوعه.

* من نتائج الثورات العربية وصول الإسلاميين إلى الحكم، وتحديدا حركة الإخوان المسلمين، ما موقفكم من هذه الحركة؟ وهل يمكنها أن تنجح في ما فشل فيه التيار الإسلامي في الجزائر؟

- من المبكر الحكم على تجربة دول الربيع العربي. أما في ما يخص الحركات الإسلامية التي فازت بثقة غالبية الناخبين في دول الربيع العربي فهي الأخرى من المبكر الحكم عليها. فلا النخب السياسية بما فيها التابعة للحركة الإسلامية، ولا تلك المجتمعات مستعدة للتحول الديمقراطي على عكس ما كنا عليه نحن في الجزائر بعد أحداث أكتوبر (تشرين الأول) 1988، وبداية التحول الديمقراطي، حيث كان لشعبنا ثقافة تعددية سياسية عريقة تمكنه من التحول الديمقراطي لولا افتقار بعض النخب العلمانية إلى تلك الثقافة، ورفضها خيار الشعب وإقحامها المؤسسة العسكرية لمصادرة حق الشعب في التحول الديمقراطي السلمي.

من جهة أخرى، صحيح أن هذه الأسباب تضع أمام الحركة الإسلامية تحديات كبيرة في ممارستها السلطة في دول الربيع العربي. لكن على الحركة الإسلامية أن تتخلص من ثقافة العمل السري، الذي فرض عليها طيلة عقود من الزمن، وأن تنفتح على المجتمع وعلى الكفاءات فيه. كما عليها أن تقوم بإصلاحات هيكلية من داخلها تمكنها من القيام بمهام الدولة، فالدعوة للدعاة، والثقافة لرجال الثقافة، والسياسة ومهام الدولة للسياسيين.