«مقامرة خطيرة» يدخلها حزب الله بمشاركته في الصراع السوري

قد تؤدي إلى نقض التحالفات السياسية مع مسيحيي لبنان

TT

إن خوض غمار حرب استباقية ضد المجاهدين في سوريا لهو «مهمة غير عادية» لحزب الله اللبناني، ولذا عندما بدا زعيم الحزب، حسن نصر الله، عندما برر سبب إرساله لمقاتلين إلى سوريا، حريصا على تذكير أنصاره أنهم لا «يعيشون في جيبوتي»، بل على الحدود مع دولة يرى الحزب في ثورتها، التي تجاوزت عامها الثاني، تهديدا وجوديا له.

ومن خلال المشاركة بالصراع الدائر في سوريا، يقود «الحزب» أنصاره إلى وجهة غير مألوفة، في مقامرة تاريخية قد تساعد في إنقاذه من ذلك التهديد وحصوله على مزيد من القوة والثقة، أو قد تنتهي بهزيمة لها عواقب واسعة النطاق. فرغم أن الثورة السورية لا تحظى بتأيد الشيعة، فإنها تحظى في الوقت ذاته بتأييد خصوم «الحزب» اللبنانيين والأغلبية السنية في العالم العربي، وهو ما يعني وضع سمعة ومكانة حزب الله على المحك.

ولا تختلف «الركيزة» التي يستند إليها الحزب في انغماسه بالصراع مع ركيزة حليفه الرئيس بشار الأسد، ألا وهي البقاء، إذ يعتمد الحزب على سوريا في تزويده بالأسلحة، التي هي ربيبة إيران الأساسية، وهو ما يعتبره نصر الله، كما قالها بشكل واضح، مسألة حياة أو موت.

وأخذ ضلوع حزب الله في سوريا، الذي دأب على التقليل من أهميته، بالظهور إلى العلن تدريجيا مع تزايد أعداد القتلى في صفوف مقاتلي الحزب، إذ أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، سقوط 141 مقاتلا من حزب الله الشهر الماضي خلال مساندتهم للجيش السوري في اجتياح القرى المحيطة بمدينة القصير الاستراتيجية، الربط بين دمشق ومعاقل الحكومة على الساحل. ويقال إن من بين هؤلاء 79 منهم قتلوا خلال الأيام الـ10 الأخيرة، وهو الرقم الذي يتفق مع إحصاءات الباحثين الذين يتابعون مواقع حزب الله.

لتبرير هذه «التضحيات الجديدة» غير المتوقعة لأنصاره، وصف حزب الله تدخله المحفوف بالمخاطر في سوريا بالمحوري لحماية مهماتهم الأساسية المعلنة، وهي: مواجهة إسرائيل، وتمكين الأقلية الشيعية، وحماية لبنان. وهذا يعني أن فشل حزب الله في سوريا سيعرض هذه المهمات الـ3 للخطر، وإضعاف الجماعة عبر حرق جسور التعاون في الداخل والخارج، وسط مخاوف متزايدة بنشوب حرب إقليمية بين السنة والشيعة.

حتى في الضاحية الجنوبية بيروت، معقل الحزب في العاصمة اللبنانية، يتزايد القلق بين الكثير من المؤيدين الموالين لحزب الله؛ تتوجس أم حسن، إحدى سكان الضاحية، من عدم العثور على مأوى في حال تعرض حزب الله للهجوم مرة أخرى من قبل إسرائيل؛ فخلال الهجوم الأخير الذي وقع عام 2006 لجأ الآلاف من شيعة الحزب إلى سوريا وأقاموا في منازل السوريين، بما في ذلك السنة الذين يهيمنون على الثورة، والذين يساعد الحزب الحكومة في محاولة سحقهم. وتقول أم حسن: «أين سأذهب هذه المرة؟ لا يوجد مكان نحتمي به، حتى وإن انتصرنا، لن تكون سوريا مكانا بالنسبة لي كشيعية. سوف نقتل، إن لم يكن على يد الإسرائيليين فسيكون بيد السوريين الغاضبين».

أولى تجارب الاختبار هي معركة القصير القريبة من الحدود اللبنانية، التي توقع حزب الله والحكومة السورية تحقيق انتصار سريع فيها، لكن لا يزال الثوار، الذين لا يتمتعون بنفس القدر من التسليح، صامدين مع دخول المعركة أسبوعها الثاني. وبدأت المعركة تتخذ أهمية محورية أشبه بمعركة آلامو الأميركية. فإذا ما نجح حزب الله في قيادة الجيش السوري إلى النصر في القصير، فقد يمتلك الحزب قدرات لم تكن معروفة عنه سابقا (تمكنه من شن هجمات واحتلال أراض). وهو ما قد يضيف إلى قوة ردعه ضد عدوه الأساسي، إسرائيل، ليؤكد مصداقية تهديداته بغزو شمال إسرائيل في أي نزاع مستقبلي.

لكن في حال خسارته أو فشله في تحقيق فوز سريع وحاسم، فقد يؤثر ذلك على صورة حزب الله التي تشكلت في أعقاب حربه مع إسرائيل عام 2006.

ويقول إيميل هوكايم، المحلل العسكري المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إن الخطورة التي يواجهها حزب الله هي أنه في حال «استمرار المعركة، ستتقوض صورة حزب الله العسكرية». وإذا ما فشل الأسد أو ضعفت قوته بشكل كبير، فسوف يجد الحزب نفسه في عزلة متزايدة في الداخل والعالم العربي، حيث تصدر استطلاعات الرأي لفترات طويلة كأكثر المؤسسات السياسية احتراما.

طول البقاء في سوريا قد يدفع الثوار السوريين أو مؤيديهم إلى شن هجمات على مناطق الحزب في لبنان، فقد شهدت الضاحية الأحد الماضي سقوط صاروخين على مشارفها، وقد يزيد من جرأة المقاتلين السنة اللبنانيين. وإذا اعتبر تدخل حزب عامل خطر على استقرار البلاد فقد يؤدي ذلك إلى نقض التحالفات السياسية مع المسيحيين والطوائف الأخرى التي تساعد في جعل حزب الله الكتلة السياسية الأقوى في البلاد.

يعد حزب الله أكثر قوة عسكرية فاعلة في البلاد، حتى إنه يفوق الجيش اللبناني من حيث القوة، ومن ثم لا يتوقع أن يواجه هجمات مباشرة من الجيش، لكن تسلل الثوار السنة عبر الحدود اللبنانية قد يزيد من فرص تعرضه لهجمات عدوانية. ولن يستطيع حزب الله تحمل استعداء الجيش، الذي يعتمد عليه بشكل كبير في حماية بعض المناطق نظرا لانتشار مقاتليه على عدة جبهات. ولن يكون في صالح الحزب أيضا، بحسب محللين، جر البلاد إلى عنف جديد يمكن أن يشكل ضررا أوسع نطاقا على اقتصاد البلاد القائم على السياحة.. الأمر الذي قد يضر بأنصاره وخصومه على السواء. على الجانب الآخر سيتمتع حزب الله بنفوذ كبير في التحالف الثلاثي مع إيران وسوريا. وسوف يحتفظ أو قد تزيد سطوته في لبنان، لكنه في الوقت ذاته لن يتمكن على الإطلاق من استعادة الشعبية التي نالها في العالم العربي قبل مناصرة الأسد. ويقول كامل وزني، مؤسس مركز الدراسات للشؤون الأميركية الاستراتيجية، إن حزب الله خلص إلى أن الوقوف على الحياد أكثر خطورة من المشاركة في القتال في سوريا.

* خدمة «نيويورك تايمز»