اتفاقية أروشا ولدت بلا أسنان وواشنطن وباريس غير جادتين في احتواء الحروب الأهلية الأفريقية

TT

بات واضحا ان «اتفاقية اروشا» للسلام في بوروندي ولدت هي الاخرى بلا اسنان، لتنضم الى «اتفاقية لوساكا» لتحقيق السلام في جمهورية الكونغو المجاورة، واتفاقيات السلام الكثيرة المنهارة لتحقيق السلام في انغولا المجاورة ايضا.

ومن عجب ان بوروندي التي فجعت الانسانية عام 1994 بحربها الاهلية بين الهوتو والتوتسي، وبفاتورة ضحايا وصلت الى 800 الف لا تزال تشكل عقدة ذنب واضحة لدى اميركا، التي تلكأت يومها في ارسال بعثة لفرض السلام بين المتحاربين، ولدى فرنسا المستعمر السابق التي وقفت تتفرج على حرب، تقول كل التحقيقات التالية لها بقابلية منها او الحيلولة دون وصولها لذلك الدرك.

ومعلوم هنا ان باريس وواشنطن تأثرتا اصلا بكوابيس الفشل التي صاحبت مهام الامم المتحدة في الصومال قبل عامين من حرب بوروندي الاهلية.

ومن عجب ايضا ان اتفاقية اروشا التي رعاها الرئيس الجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا خلفا لمؤسس مبادرة السلام الراحل جوليوس نيريري تبدو كما لو انها محاولة تكفير عن تلك الاخطاء، وبتسديد فواتير وفاء خاصة بين الرئيس الاميركي بيل كلينتون ومانديلا.

والاشارة هنا الى اختيار الاول لتنزانيا محطة ثانية بعد نيجيريا في جولته الافريقية بغرض اضفاء زخم على جهود الثاني، والاشارة ايضا الى ان كلينتون استبطن خطاب مانديلا الشهير بالصالون الازرق في البيت الابيض مساء الخميس 24 سبتمبر (ايلول) 1998 وفي ذروة فضيحة، مونيكا لوينسكي، يوم ان وقف مانديلا مدافعا عن كلينتون وسط دهشة العالم، اما بالنسبة لمانديلا فعناصر محاولة التكفير منه تكمن في ابعاد التهم التي تلاحق جنوب افريقيا كمصدر للسلاح الذي غذى ولا يزال الحروب الاهلية في منطقة البحيرات العظمى. وهناك احصاءات تقول ان جنوب افريقيا حصدت نحو 5 مليارات دولار ثمنا لصفقات سلاح لمختلف الفصائل المتحاربة في بوروندي ورواندا والكونغو.

وشاهد القول هنا ان تلك الاغطية الاخلاقية هي التي ساهمت في مولد مسودة اتفاق الاثنين 29 الشهر الماضي بلا أسنان، لان الاتفاق تعجل الوصول الى صيغة هشة لحل معضلة الشراكة في السلطة بين الهوتو، الذين يشكلون 85 في المائة من السكان، والتوتسي الذين يشكلون 15 في المائة، ويحتكرون السلطة ومفاتيح الثروة بدعم من يوري موسيفيني رئيس اوغندا، وهو من التوتسي ايضا في وطن لا وجود يذكر لتلك القبيلة على ارضه.

ورغم ان الاتفاقية نصت على اقامة مجلس وطني ومجلس شيوخ جديدين على اساس متكافئ عرقيا، وتنظيم قوات للدفاع تستوعب المتمردين من الهوتو، واعادة وتأهيل اللاجئين، إلا ان المؤتمرين وبالاصرار على توقيت التوقيع مع وصول كلينتون والبحث عن مكاسب اخلاقية ومعنوية، نسفوا بعلم منهم او بدونه اية احتمالات لصمود الاتفاق في ضوء رفض خمسة فصائل توتسية من بين الاطراف الـ19 على التوقيع، دعك عن مقاطعة فصيلين مهمين من قبائل الهوتو لمؤتمر اروشا منذ البداية، وهما جبهة الدفاع عن الديمقراطية وقوى التحرر الوطني، وكلاهما يخوض حربا معلنة ضد حكومة الرئيس بيير بويويا الذي جاء للحكم بانقلاب في 25 يوليو (تموز) 1996، بعد حقب من الفوضى التي تلت اغتيال الرئيس السابق ميلشيور اندادي اول رئيس يأتي للحكم بالانتخابات المباشرة منذ استقلال البلاد في يوليو عام 1962، وبالمناسبة هو من الهوتو.

حرب بوروندي الاهلية مرشحة للاستمرار في ضوء وجود مصالح لدى اكثر من دولة في المحيط الاقليمي، فتلك الحرب لها خطوط تماسها مع حرب الكونغو الاهلية، وكينشاسا تستضيف اكثر من نصف مليون لاجئ في شرق البلاد واقدم الرئيس الكونغولي لوران كابيلا على تسليحهم لحفظ موازين القوى بينه وبين اوغندا ورواندا، بعد قرارهما خوض الحرب الاهلية الى جانب الفصائل المتمردة على ادارته.

وبعيدا عن كل ذلك، تثير مواقف الدول الكبرى، وتحديدا اميركا وفرنسا شفقة الكثيرين من مثقفي القارة بقراءة دعم الدولتين للادارات السياسية في ثلاث دول لا تعترف بالتعددية السياسية، وهي اوغندا وبوروندي ورواندا والاحجام عن دعم الكونغو التي تغرد مع تلك الدول في نفس السرب.

ومن الواضح ان منطقة البحيرات العظمى في حاجة الى اعادة ترتيب للاوراق السياسية والمصالح الاقتصادية فيما بين دولها والدول الغربية، بعد ان وضح ان جميع الومضات الافريقية لمشاكل القارة لا تقدم ما يشفي امراض الحرب الاهلية المنتشرة في جسد القارة.