نقابات العمال تدخل على خط احتجاجات تركيا في يومها الخامس غداة مقتل متظاهر ثان

أردوغان يخالف نائبه والرئيس غل بحزمه.. ومصادر رسمية: 13 منظمة ماركسية ضالعة في الشغب

رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، وعقيلته لدى وصولهما إلى مطار العاصمة الجزائرية أمس قادمين من الرباط (أ.ب)
TT

شهد أمس، خامس أيام اختبار القوة الجاري بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وعشرات آلاف المتظاهرين الأتراك الذين يتحدون سلطته في الشارع، تصعيدا مع إعلان اتحاد نقابات القطاع العام إضرابا ليومين وذلك غداة مقتل متظاهر ثان.

وبعد ليلة جديدة من التعبئة وأعمال العنف في عدد من مدن البلاد، قرر اتحاد نقابات القطاع العام، أحد أكبر الاتحادات النقابية في البلاد، دعم الحركة الاحتجاجية بتنفيذ إضراب ليومين اعتبارا من أمس. وأعلن الاتحاد اليساري التوجه، الذي ينتسب له 240 ألفا، أن «الإرهاب الذي تمارسه الدولة على مظاهرات سلمية تماما يتواصل بشكل يهدد حياة المدنيين». وتجاوبت مدينة إسطنبول مع دعوات الإضراب. وأكد مصدر رسمي تركي لـ«الشرق الأوسط» أن الأمور في طريقها إلى المعالجة، معتبرا أنه تبين بشكل قاطع تورط 13 منظمة ماركسية – لينينية في تأجيج أعمال الشغب، مؤكدا وجود «اتصالات مع أطراف خارجية». وأشار المصدر إلى أن الحكومة «تتفهم بعض النوايا، لكنها لن تتهاون مع المسيئين ومخالفي القانون».

في غضون ذلك عادت المواجهات إلى ساحة تقسيم التي أعادت قوات الشرطة التمركز فيها بعد يومين من انسحابها منها فيما ردد آلاف المتظاهرين عبارات مناهضة للحكومة. وأغلقت حواجز من الأنقاض شوارع أخرى مؤدية إلى الساحة وكانت رائحة الغاز المسيل للدموع عالقة في الجو. ورفع المحتجون رايات حمراء مطالبين برحيل أردوغان وهم يهتفون «طيب استقل».

وبعد مقتل شاب الأحد دهسا بالسيارة خلال مظاهرة في إسطنبول، قتل متظاهر ثان عمره 22 عاما مساء أول من أمس خلال تجمع في محافظة هاتاي بـ«إطلاق نار مجهول المصدر»، على ما أعلن حاكم المدينة جلال الدين لاكزيز. وفتحت الشرطة تحقيقا في ظروف الوفاة التي لا تزال غامضة، حسبما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية. وتكررت المواجهات ذاتها الليلة قبل الماضية في إسطنبول وأنقرة وحتى أزمير (غرب) حيث استخدمت الشرطة خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع ورد المتظاهرون بقذفها بالحجارة ما أوقع الكثير من الجرحى قبل عودة الهدوء.

وفي غياب رئيس الوزراء الذي يقوم بزيارة رسمية لدول المغرب العربي استهلها أول من أمس بزيارة للمغرب كان مقررا أن تستمر يومين لكنه اختصرها إلى يوم وغادره إلى الجزائر أمس، التقى الرئيس عبد الله غل نائب رئيس الوزراء بولنت ارينج لاستعراض الوضع. وتحدث ارينج بعد اللقاء للصحافيين وحث الأتراك على أن يوقفوا المظاهرات أمس. وقال ارينج «إني على قناعة أن مواطنينا، وهم يتحلون بالمسؤولية، سيوقفون اليوم (أمس) احتجاجاتهم»، مضيفا: «هذا ما نتوقعه منهم». وأضاف: «أدعو كل النقابات وكل الأحزاب السياسية وكل الذين يحبون تركيا ويفكرون فيها إلى القيام بذلك». وقال ارينج أيضا إن الحكومة التركية «استخلصت العبر» من أحداث الأيام الماضية, وقدم اعتزاره للمصابين في المواجهات مع الشرطة.

وكان الرئيس غل جدد دعوته أول من أمس إلى التهدئة، معتبرا «من الطبيعي تماما» أن تجري «مظاهرات سلمية» فيما أسف ارينج منذ السبت لأنه لم يتم تغليب الحوار مع المعارضين لخطة بناء في حديقة جيزي في إسطنبول والتي شكلت شرارة انطلاق المظاهرات، على استخدام الغازات المسيلة للدموع.

في المقابل يواصل أردوغان الذي يواجه أكبر حركة احتجاجية منذ وصول حزبه إلى السلطة عام 2002 اعتماد موقف حازم حيال المتظاهرين فيجابههم بالتشدد وحتى بالاستفزاز. وقبل أن يغادر تركيا أول من أمس إلى المغرب أكد أردوغان بثقة تامة على مواصلة اعتماد «الحزم» في مواجهة المتظاهرين الذين يتهمونه بالتسلط وبالسعي «لأسلمة» النظام العلماني في تركيا، داعيا إلى المنازلة في صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية المرتقبة في عام 2014. وهو واثق من وزنه الانتخابي. ورفض رئيس الوزراء أي إشارة إلى «ربيع تركي» متهما «متطرفين» لديهم «ارتباطات» بالخارج بتحريك الاحتجاجات. وفي الرباط أدلى أردوغان بتصريحات استفزازية معتبرا أن الوضع «يعود إلى الهدوء» وقال: «ستحل المشاكل حال عودتي من زيارتي».

وإضافة إلى سقوط قتيلين حتى الليلة قبل الماضية، أوقعت أعمال العنف في الأيام الأربعة الأولى من حركة الاحتجاج أكثر من 1500 جريح في إسطنبول و700 في أنقرة بحسب منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ونقابات الأطباء. ولم تؤكد السلطات هذه الأرقام.

وأثار القمع العنيف للمظاهرات الذي تناقلته الشبكات الاجتماعية التركية بشكل واف انتقادات كثيرة في الدول الغربية ولا سيما في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. وكرر وزير الخارجية الأميركي جون كيري أول من أمس التعبير عن قلقه للاستخدام «المبالغ به» للقوة من قبل الشرطة. وأعلنت ناطقة باسم مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان في جنيف أمس أن على تركيا أن تجري تحقيقا سريعا ومستقلا حول سلوك الشرطة في مواجهة المتظاهرين المناهضين للحكومة. وقالت سيسيل بويي الناطقة باسم المفوضة نافي بيلاي «نرحب باعتراف السلطات باحتمال الاستخدام المبالغ به للقوة ودعوتها لإجراء تحقيق حول الشرطيين الذين قد يكونون انتهكوا القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان» مطالبة بتحقيق «سريع وكامل ومستقل وحيادي». وكان أردوغان أقر أنه «حصلت أخطاء وإفراط في رد الشرطة» متعهدا بمحاسبة الشرطيين الذين كان ردهم غير متناسب على المحتجين. كما وجه نواب من البرلمان الأوروبي انتقادات لتصرف القيادة التركية تجاه المتظاهرين، معتبرين ذلك «مخالفا للمعايير الأوروبية». وانتقد رئيس التحالف الليبرالي في البرلمان المقرر المختص بالشؤون التركية، ألكسندر جراف لامبسدورف ادعاءات أردوغان بضلوع أجانب في الاضطرابات التي تشهدها البلاد. وقال: «أردوغان يرى أن من يفعل ذلك أعداء، والفاعل هنا هو مجتمع بأسره يتظاهر ضده». ورأى لامبسدورف أن تلك الاحتجاجات تعني بالنسبة لمساعي تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي أنه لا يزال هناك الكثير من القصور، مثل قمع الأقليات والتعامل المتعسف مع الصحافيين. من جانبه، ذكر رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتس، أن تعامل الحكومة التركية مع المتظاهرين لا يتفق مع عضوية الاتحاد الأوروبي. وقال السياسي الألماني في تصريحات للقناة الأولى في التلفزيون الألماني (إيه آر دي) إن «عضوية الاتحاد تتطلب الالتزام بالمعايير الديمقراطية. وإننا نرى أنه (رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان) غير مستعد لذلك في لحظات معينة».