لجنة تحقيق في الأمم المتحدة تثبت استخدام النظام السوري «الكيماوي»

العقيد سعد الدين: النظام الجهة الوحيدة التي تملك هذا النوع من الأسلحة

رئيس لجنة التحقيق في استخدام الكيماوي البرازيلي باولو بينيرو في مؤتمر صحافي عقد الليلة قبل الماضية في جنيف للإعلان عن النتائج التي توصلت إليها اللجنة (إ.ب.أ)
TT

بناء على تحقيقات ميدانية شملت عددا كبيرا من المناطق، جاء تقرير لجنة تحقيق الأمم المتحدة التي لا تزال تنتظر سماح النظام لها بالدخول إلى سوريا، ليثبت مرة جديدة حجم الجرائم المرتكبة من قبل طرفي النزاع، محملة النظام الحصة الأكبر من هذه المسؤولية. وأفاد التقرير بأدلة شبه مؤكدة تشير إلى استخدام الأسلحة الكيماوية من دون أن تتمكن من تحديد طبيعة عناصر هذا السلاح وأنظمة الأسلحة المستخدمة ولا الجهة التي استخدمتها.

ولم تبتعد نتائج تقرير منظمة الصحة العالمية عن واقع معاناة المدنيين، إذ حذرت بدورها من ازدياد خطر الأوبئة في سوريا والدول المجاورة مع اقتراب فصل الصيف، وخصوصا الـ«تيفوئيد» والـ«كوليرا» والـ«دسنتاريا».

واعتبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في رد له على تقرير الأمم المتحدة، أنه «لا مجال أبدا للمقارنة بين من يلقي أطنانا من المتفجرات كل يوم على شعب أعزل منتهجا قتل الأطفال والنساء، أسلوبا منظما لقتل الثورة الشعبية، وبين من يحمل سلاحا خفيفا أو متوسطا للدفاع عن هذا الشعب». وقال الائتلاف في بيان إنه «اطلع باهتمام على مضمون التقرير خصوصا لما وصف ببلوغ الصراع في سوريا مستويات جديدة من الوحشية وتصاعد شدة الانتهاكات»، مؤكدا كذلك «رفضه وإدانته لكل خرق للقوانين والعهود والمواثيق الدولية بغض النظر عن الجهة التي ارتكبته، كما تعهد بمحاسبة كل من تورط في هذه الخروقات أمام قضاء عادل».

من جهته، نفى الناطق الرسمي باسم القيادة العسكرية العليا للجيش الحر العقيد قاسم سعد الدين، استخدام المعارضة العسكرية الأسلحة الكيماوية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «النظام هو الجهة الوحيدة التي تملك هذا النوع من الأسلحة التي تحتاج إلى آلية وتقنية محددة للحفظ والاستعمال لا تملكها المعارضة، بينما يحاول النظام إلصاق التهمة بنا أمام المجتمع الدولي».

وأشار سعد الدين إلى أن «النظام بات يستعمل هذا النوع من الأسلحة في كل منطقة يعجز على استعادتها والسيطرة عليها، وذلك في محاولة منه لتحقيق أكبر قدر من الإنجازات قبل مؤتمر «جنيف 2»، المزمع عقده في نهاية يونيو (حزيران) الحالي أو مطلع يوليو (تموز) المقبل.

وفي ما يتعلق باستخدام الأطفال في المعارك، قال سعد الدين: «عندنا من الرجال ما يكفي للقيام بالمهمة، ولسنا بحاجة إلى أطفال لمؤازرتنا، ما نحتاجه هو السلاح فقط»، مضيفا: «ما قد يظهر عبر مقاطع الفيديو لا يعدو كونه حالات استثنائية خارجة عن سيطرة الجيش الحر، لكن ورغم ذلك، نستنكر هذا السلوك ونؤكد على محاسبة كل المخالفين، لأن هدفنا أن نبقى محافظين قدر الإمكان على الحرية والمساواة والعدالة».

وأوضح سعد الدين، ما أشار إليه التقرير حول إقامة المعارضة لأهداف عسكرية قرب مناطق مدنية، بالقول: «نضطر في أحيان كثيرة لإقامة هذه الحواجز في مناطق سكنية، وذلك في مواجهة النظام الذي يعمد إلى تركيز قواته بين المنازل لإعاقة سير المعارك وممارسة أسوأ أعمال العنف بحق الأهالي».

وكانت لجنة الأمم المتحدة قد كشفت في تقريرها أن «هناك دوافع معقولة للاعتقاد بأن كميات محدودة من منتجات كيميائية استخدمت»، مشيرة إلى «أربعة حوادث استخدمت خلالها هذه المواد.. لكن تحقيقاتهم لم تتح حتى الآن تحديد طبيعة هذه العناصر الكيميائية وأنظمة الأسلحة المستخدمة ولا الجهة التي استخدمتها».

ووقعت الحوادث الأربعة، وفق التقرير، في خان العسل قرب حلب في 19 مارس (آذار) والعتيبة قرب دمشق في التاريخ نفسه، وفي حي الشيخ مقصود في حلب في 13 أبريل (نيسان) وفي مدينة سراقب في 29 من نفس الشهر.

وأكد رئيس اللجنة البرازيلي باولو بنييرو أن التقرير يستند على مقابلات مع ضحايا ولاجئين وأعضاء من الطواقم الطبية. وفي حين اتهم المحققون قوات النظام بارتكاب جرائم وأعمال تعذيب واغتصاب وأعمال أخرى غير إنسانية، عبرت القاضية السويسرية كارلا ديل بونتي، عضو لجنة التحقيق، عن قلقها حيال العنف وقساوة الأعمال الإجرامية والتعذيب، وبشكل رئيسي استخدام أطفال في المعارك وهم يتعرضون للقتل والتعذيب.

ولفت بنييرو إلى أن «وحشية النزاع في سوريا بلغت مستويات جديدة»، مضيفا أنه للمرة الأولى «يشير التقرير إلى فرض حصار بشكل منهجي واستخدام عناصر كيمائية ونزوح قسري»، منددا بالغياب التام للعدالة.

وحذر المحققون من إرسال أسلحة إلى سوريا، لافتين إلى أنها يمكن أن تستخدم في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وحذرت ديل بونتي من أنه «يمكن أن يترتب على ذلك مسؤولية مشتركة إجرامية».

واتهم التقرير أيضا الجيش السوري بقصف بعض المناطق بشكل متواصل وإطلاق صواريخ أرض - أرض وكذلك قنابل انشطارية وحرارية. وقال التقرير أيضا إن الجيش المدعوم من اللجان الشعبية يحرم المدن من وصول المواد الغذائية والأدوية بهدف منع توسع المجموعات المسلحة وإرغام السكان على النزوح.

ولم تستثن اللجنة مجموعات المعارضة المسلحة من هذه الجرائم وبينها إعدامات خارج إطار القضاء وأعمال تعذيب أو تعريض حياة سكان للخطر عبر إقامة أهداف عسكرية قرب مناطق مدنية، مشيرة في الوقت عينه إلى أنها لم تبلغ مستوى وحجم تلك التي ارتكبتها القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها.

من جهة أخرى، حذرت منظمة الصحة العالمية من ازدياد خطر الأوبئة في سوريا والدول المجاورة مع اقتراب فصل الصيف، وخصوصا الـ«تيفوئيد» والـ«كوليرا» والـ«دسنتاريا». وأعربت المنظمة، في تقرير، عن القلق العميق من «تزايد حالات الأمراض المتنقلة داخل سوريا وبين السوريين النازحين إلى الدول المجاورة في المنطقة»، محذرة من أن «غياب إجراءات الوقاية والسيطرة، من شأنه أن يؤدي إلى خطر محتمل لتفشي الأوبئة».