تمديد البرلمان اللبناني لنفسه يخوله انتخاب رئيس بلا تفويض من الشعب

خبراء يترقبون قرار المجلس الدستوري على أعتاب تشكيل حكومة

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري (فوق) ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (تحت وسط) في احدى جلسات البرلمان (رويترز)
TT

تتجه أنظار اللبنانيين إلى المجلس الدستوري، غداة الطعنين اللذين تقدم بهما الرئيس اللبناني ميشال سليمان وتكتل التغيير والإصلاح برئاسة النائب ميشال عون، بهدف إلغاء تمديد البرلمان اللبناني لنفسه مدة 17 شهرا، بأكثرية 97 صوتا نيابيا. ويعد المجلس الدستوري من أرفع الهيئات الدستورية المستقلة، ذات الصفة القضائية في لبنان، والمخولة بمراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية.

ويرتكز الطعنان المقدمان من سليمان وعون بشكل أساسي على التشكيك في الأسباب الموجبة للتمديد، وأبرزها «الظروف الأمنية» و«ضيق المهل الفاصلة» عن موعد الانتخابات، بموجب قانون الستين الأكثري النافذ. وبحسب ما قاله خبراء دستوريون لـ«الشرق الأوسط»، فإن الخطورة لا تكمن في تمديد المجلس النيابي لنفسه من دون العودة إلى رأي الشعب اللبناني فحسب، بل في أن هذا التمديد، في حال لم يلغه المجلس الدستوري، سيمكن المجلس الحالي من بت مصير استحقاقات كبرى، أبرزها منح الثقة للحكومة الجديدة وانتخاب رئيس جمهورية جديد منتصف عام 2014.

سياسيا، كشف التمديد بوضوح عورات الكتل النيابية اللبنانية التي تختلف على كل الملفات، الداخلية والخارجية، وتتوحد حول ما يؤمن مصلحتها، هكذا بسحر ساحر، وبعد تحذيرات متكررة من أن يؤدي التأخير في إقرار قانون انتخاب جديد إلى وضع لبنان أمام خياري التمديد أو الفراغ، بتصميم غالبية ممثلي الشعب اللبناني على التمديد لأنفسهم من دون العودة إلى من منحهم وكالة مدتها 4 سنوات. وينطلق النائب إبراهيم كنعان، أمين سر تكتل التغيير والإصلاح، الكتلة البرلمانية الوحيدة المعارضة للتمديد، بالإشارة إلى «المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق المجلس الدستوري». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الديمقراطية بعهدة المجلس وهي على المحك، فإذا كرس قراره التمديد سيفتح المجال أمام إلغاء استحقاقات دستورية لأسباب أقل ما يقال فيها أنها غير جدية وغير مقبولة. وإذا لم يكرس التمديد، سينقذ لبنان من سابقة خطيرة». وينتقد كنعان الكتل النيابية التي «توافقت على التمديد خلال 10 دقائق من دون أن تتمكن من تخصيص دقيقتين للتصويت على قوانين الانتخاب»، لافتا إلى أن «أحدا لم يجبر من سار بالتمديد على تأييده». وبينما يشدد على أن «الاختلاف مع فرقاء (8 آذار) محصور حول موضوع التمديد»، يشدد في الوقت عينه على أن «المجلس الدستوري هو السلطة الأعلى ولا يستطيع أي فريق ترهيب أعضائه لأنه لا سلطة له عليهم بعد تعيينهم في مناصبهم».

في المقابل، يقول سجعان قزي، رئيس حزب الكتائب اللبنانية الذي يرأسه الرئيس الأسبق أمين الجميل، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الكتل التي صوتت لصالح التمديد، لها الحق في ذلك قانونا، سواء أكانت على حق سياسي أم لا»، تاركا للمجلس الدستوري أن «يحسم الموضوع انطلاقا من المعايير الدستورية الحيادية، في وقت نشاهد فيه سقوط المؤسسات الواحدة تلو الأخرى».

ويتحدث قزي، الذي أيد فريقه السياسي التمديد، عن «محاولات من مراجع رسمية للضغط على بعض أعضاء المجلس الدستوري من أجل إصدار القرار حسبما تشتهي هذه المراجع»، لكنه يعرب عن اعتقاده بأن «أعضاء المجلس لا يزالون يمانعون أو يرفضون هذه الضغوط»، مؤكدا أن «أي حكم سيصدر عن المجلس الدستوري من دون أن يكون محصنا بأسباب موجبة وتبريرات قانونية ودستورية وبراهين سيفقد المجلس صدقيته، وهذه ستكون خسارة كبرى للقضاء». وبعد مرور أيام على تسلم المجلس الدستوري طعني الرئيس سليمان وكتلة عون النيابية، لم تتضح الخطوات التي باشر بها من أجل دراسة مضمون الطعنين. إذ من المفترض أن يبادر رئيس المجلس إلى تعيين مقرر من أعضاء المجلس لوضع تقرير حول الطعن في مهلة أقصاها عشرة أيام، من تاريخ تسلم الطعن، على أن يدعو المجلس للانعقاد بعد تسلمه التقرير. وبعد دراسة الطعن والتقرير الموضوع حوله، يصدرون القرار النهائي، بموافقة سبعة أعضاء من أصل 10 يشكلون المجلس، علما بأنه أمام المجلس الدستوري مهلة شهر من تاريخ تسلمه الطعن لإصدار قراره. في الانتظار، يعول الفرقاء السياسيون والخبراء الدستوريون على قرار المجلس الدستوري. ويذكر الخبير الدستوري مخايل الضاهر، وهو نائب ووزير سابق، لـ«الشرق الأوسط»، إن مقدمة الدستور واضحة لناحية أن «الشعب مصدر السلطة»، متسائلا «من أعطى النواب السلطة ليمددوا لأنفسهم؟». ويوضح أن ذلك «سيخولهم في الفترة المقبلة أن يضعوا القوانين ويحاسبوا الحكومة من خلال منحها الثقة أو حجبها، وأكثر من ذلك انتخاب رئيس جديد للجمهورية العام المقبل سيحكم البلد لست سنوات أخرى، وكل ذلك من دون وكالة من الشعب». ويرى الضاهر أن الأسباب الموجبة للتمديد ليست ذات قيمة. ويقول إنه «لا يجوز إطلاقا إعطاء قيمة لبعض المناوشات الأمنية المفتعلة في عدد من المناطق اللبنانية من أجل تبرير التمديد». ويشير إلى أن «هذه الحجة تشكل سابقة خطيرة جدا إذا أخذ بها المجلس الدستوري، إذ يصبح بإمكان من يرغب أن يفجر سيارة أو قنبلة أو يرسل صواريخ أو يفتعل اشتباكات كما يجري في طرابلس من أجل تعطيل المسيرة الديمقراطية في لبنان».

وبينما يتوافق نواب عون مع الضاهر لناحية التقليل من استثنائية الظرف الأمني، مقارنة مع انتخابات نيابية وبلدية جرت سابقا في ظل أوضاع أكثر توترا، يدحض نائب رئيس حزب الكتائب بشدة هذه النظرية. ويسأل «هل يريد من يعتبرون أن الظرف الأمني لا يبرر التمديد أن تتساقط القذائف على رؤوسهم وبيوتهم حتى يصدقوا أن البلاد تعيش حالة حرب، جزء منها معلن وآخر غير معلن؟». ويضيف قزي «ماذا يسمى ما يحدث على الحدود وفي عكار وطرابلس وبعلبك الهرمل، هل يجب أن تشتعل الـ10452 كيلومترا (مساحة لبنان) حتى نقول إننا في وضع أمني غير طبيعي؟.. وهل يريدون أن ينفجر الوضع الأمني كليا حتى تلغى الانتخابات أم نستبق ذلك بإرجاء الانتخابات؟».

وبمعزل عن الحجة الأمنية، يبرر النواب أيضا تأييدهم التمديد انطلاقا من أن المهل الانتخابية باتت قصيرة جدا لإجراء الانتخابات في موعدها وفق قانون الستين، وبعضها انقضى أساسا، عدا عن رفض أكثري لقانون الستين. لكن الضاهر يشدد على أن «الانتخابات هي التعبير الوحيد والحقيقي والحاسم عن إرادة الناس»، معتبرا أن «حجة أن المهل باتت قصيرة ليست في مكانها». ويقول «لا شيء يمنع المجلس الدستوري في هذا السياق من أن يقرر، كما في قرار طعن سابق، أنه لا لزوم للتمديد لسنة و5 أشهر، ويكتفي بتمديد تقني لشهرين أو ثلاثة»، متابعا «عندها يجتمع المجلس النيابي بناء على هذه الإشارة لإجراء انتخابات، وفق قانون الستين أو وفق قانون جديد إذا تمكنوا من الاتفاق على بديل».

وإذا كان التمديد التقني وتحديد موعد جديد للانتخابات ممكنين، فإن مشكلة أخرى تبرز: انتخابات جديدة وفق أي قانون، في ظل رفض الستين؟ يجيب الخبير الدستوري إدمون رزق، وهو نائب ووزير سابق، بأن «التباكي على الدستور ومحاولات الطعن بقانون التسوية والاستدراك لا تجدي اليوم، لأن المطلوب هو البديل، والجميع عاجزون عن تقديمه، بل إنهم لا يرغبون في التفتيش عن بديل». ويقول رزق لـ«الشرق الأوسط» إنه «بإمكان المجلس الدستوري بصلاحياته الموضوعية أن يتخذ قرارا بإقرار التمديد أو إبطاله، لكن القضية تتجاوز النصوص لأنها ترتبط بالواقع، إذ إن أي قرار سيصدره يجب أن يرتبط بطرح البديل وليس برمي الكرة بعيدا».

من هنا، تبدو مهمة المجلس الدستوري صعبة. لكن الضاهر، الواثق من احتكام أعضاء المجلس لضميرهم ومبادئهم الوطنية، يرى أن المشهد واضح. ويقول «يعطي الشعب نوابه وكالة محددة بـ4 سنوات، ولا يمكن للوكيل بعد انقضاء هذه المدة أن يمدد لنفسه، وهذا مبدأ قانوني حاسم، شارحا أن حالات التمديد السابقة (7 مرات بين عامي 1976 و1992) فرضتها سنوات الحرب الأهلية. وفي موازاة اعتراف رزق بأن «الدولة المنحسرة السيادة والمتقلصة الوجود عاجزة عن تقديم ضمان جدي لانتخابات حرة تجرى في يوم واحد في جميع المناطق اللبنانية»، فإنه يعتبر أن «التمديد وضع الحكم بكل مستوياته و(فصائله) أمام أمر واقع هو التخيير بين الفراغ والتمديد للفشل»، محملا الحكومات والمجالس النيابية المتعاقبة مسؤولية الوصول إلى هذا المأزق. ويشدد رزق على أنه «لا بد من الحفاظ على الخيط الرفيع الواهي الذي يصل لبنان بالديمقراطية الشكلية، أي الإبقاء على المؤسسة القائمة لتأمين الانتقال إلى الحالة الديمقراطية»، واصفا «التمديد بأنه أشبه بالتعامل مع تلميذ كسول يهمل فرضه، فيقرر المعلم حبسه لإكمال واجباته».

من جهة أخرى، يرى رزق أنه على الرئيس اللبناني ميشال سليمان والرئيس المكلف بتشكيل حكومة جديدة تمام سلام أن يسارعا إلى «إخراج الحكومة، وأسوأ ما يمكن أن يقوما به هو المزيد من الانتظار، خصوصا لناحية ربط تأليفها بنتيجة الطعون المقدمة إلى المجلس الدستوري، لأن ذلك يهدد بالوصول إلى طريق مسدود، أي ملء الحد الأدنى من الفراغ القائم بتأليف حكومة من فريق عمل متجانس، وعندها يتجاوبان مع أولوية المصلحة العامة التي لا يمكن تأمينها مع مزيد من الانتظار».

تجدر الإشارة إلى أن المجلس الدستوري سبق أن ألغى في عام 1997 قانونا صادرا عن مجلس النواب قضى بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية. وبرر المجلس قراره بأن «التمديد قد عطل مبدأ دستوريا هو مبدأ دورية الانتخاب، وحرم الناخب ممارسة حق الاقتراع خلافا للمادة 7 من الدستور»، معتبرا أنه لا ظروف استثنائية تبرر حصوله.