حركة «خجولة» في شوارع صيدا وازدحام مروري على مخارجها

أهالي المدينة استعادوا يوميات الحرب الأهلية في الأيام الأخيرة

عناصر من الجيش اللبناني يتوزعون أمس في منطقة عبرا بمدينة صيدا حيث مقر الشيخ أحمد الأسير (أ.ف.ب.)
TT

خفف الجيش اللبناني من تعزيزاته أمس، وسحب آلياته التي رابطت على مداخل مدينة صيدا، كبرى مدن الجنوب، وفي أحيائها القريبة من عبرا، المحلة التي شهدت اشتباكات دامية بين الجيش اللبناني من جهة ومناصري الشيخ أحمد الأسير من جهة أخرى.

وعلى الرغم من انقضاء يومين على المعارك، فإن المدينة لم تستعد عافيتها بعد ولم يعد جميع النازحين إلى دورهم، بل إن بعضهم ممن احتجزوا في صيدا خرجوا منها ليلتحقوا بأفراد عائلاتهم الموجودين في المناطق المجاورة وفي بيروت. وبذلك، لم تكن حركة العودة إلى صيدا هي اللافتة أمس، بل على العكس من ذلك، ضاقت مخارج المدينة بأرتال السيارات المزدحمة؛ مواطنون من مختلف المناطق الجنوبية كانوا قد علقوا في بلداتهم التي يقصدونها لقضاء عطلة نهاية الأسبوع سارعوا إلى العودة أدراجهم. وأدى تدقيق حاجز الجيش اللبناني في هويات المارين وتفتيش سياراتهم عند جسر الأول باتجاه بيروت إلى زحمة سير خانقة.

في شوارع صيدا وأسواقها التي لم تسلم واجهات محالها من التكسير والإصابة بشظايا، بدت الحركة خجولة. آثار المعارك واضحة للعيان. الرصاص المتطاير اخترق واجهات أبنية بعيدة، منها الأبنية المحيطة بسراي صيدا. تفقد التجار الأضرار في محالهم واكتفوا بكنس الزجاج المحطم وغسل الطريق بالماء، كما لو أن المدينة كلها تغسل وجهها الشاحب.

بكثير من المرارة يستعيد أهالي صيدا ما جرى في الأيام الأخيرة. المشهد لا يغيب عن بالهم: شباب ملثمون يحتمون داخل «المربع الأمني» للشيخ الأسير. يمسكون بسلاحهم ويقفون بالمرصاد لعناصر من الجيش اللبناني، الذين يحاولون بدورهم إعادة الأمن المفقود طيلة يومين وفرض هيبة الدولة في أحياء المدينة.

لم تكن سارة، المواطنة الصيداوية، لتتوقع أن يكون هكذا هو مشهد مدينتها قبل 3 أيام. تروي كيف عادت الأحد الماضي من بيروت لتفاجأ بطرق مقطوعة ودوي القذائف يستقبلها عند مدخل حارة «الهلالية»، حيث تقطن في صيدا. تمكنت من الوصول إلى منزلها بصعوبة لتحتجز فيه أكثر من 24 ساعة متواصلة. «موقع حينا (الهلالية) خطير جدا، إذ إنه مجاور لمحلة عبرا، حيث مسجد الشيخ أحمد الأسير، وعشنا على مدى يومين حالة من الخوف والرعب»، تقول سارة لـ«الشرق الأوسط»، موضحة أنه «لا ملاجئ مجهزة والمحال القريبة أغلقت أبوابها».

ما تقوله سارة يشبه إلى حد كبير ما يردده أبناء عاصمة الجنوب صيدا خلال اليومين الفائتين. قسم كبير من أهالي المدينة لا يريد إلا الأمن والاستقرار، وأن يمشي في شوارع المدينة من دون الشعور بالخوف أو القلق. تقول سارة: «لا قوة تعلو فوق الجيش اللبناني ونطالب بسحب السلاح من كل الميليشيات التي تهدد مصير مدينتنا».

أما محمد فقد عاش يومي الأحد والاثنين الماضيين لحظات انتظار طويلة وصعبة، إذ احتجزت ابنة عمه لبنى وابناها الصغيران منذ ظهر الأحد في سوبر ماركت البساط، الواقعة خلف مسجد بلال بن رباح. واحتجز داخل هذه المؤسسة التجارية ما يزيد على 60 شخصا، بين موظفين وزبائن، كان في عدادهم نساء حوامل وأطفال وعجزة. لم يتمكن محمد وأفراد عائلته من التواصل مع لبنى لأكثر من 12 ساعة بسبب انقطاع التيار الكهربائي وخدمات الهاتف عن المنطقة. يقول إن الأطفال الذين رافقوا أمهاتهم إلى السوبر ماركت لم يكفوا عن البكاء لساعات طويلة بسبب دوي أصوات الرصاص والقذائف.

وكانت صيدا قد شهدت حالة رعب وحركة نزوح كثيفة باتجاه منطقة جزين ومناطق أخرى قريبة من صيدا، قبل أن يحسم الجيش اللبناني الأمور ويعيد ضبط الأمن. عائلة أحمد الزول، تركت بيتها في منطقة عبرا بعد أن استهدفته القذائف وأصيب ابنها محمد بشظية في رأسه لكن «العناية الإلهية» أنقذته. .