رئيس أركان الجيش التونسي يعلن تنحيه.. بعد انتقادات حادة

نواب اقترحوا تغيير اسم قانون تحصين الثورة إلى «العزل السياسي» قبل يومين من عرضه

رشيد عمار
TT

أعلن قائد أركان الجيوش التونسية الجنرال رشيد عمار أنه قدم طلبا إلى رئيس الجمهورية لإحالته إلى التقاعد والاستقالة عن مهامه في قيادة القوات المسلحة، مشيرا إلى أن الرئيس منصف المرزوقي قبل الطلب. وتجيء الخطوة بعد انتقادات لاذعة وجهت إلى الجنرال رشيد في الفترة الأخيرة، فيما تواجه البلاد تمرد جماعات مسلحة سلفية موالية لتنظيم القاعدة.

وقال الجنرال البالغ من العمر 67 سنة في تصريحات تلفزيونية أدلى بها إنه طلب الاستفادة من حقه في التقاعد، بعد تجاوز عمره «السن القانونية للتقاعد بكثير». وأوضح أن الطلب قدم للرئيس المنصف المرزوقي السبت الماضي. وجاء هذا القرار في حين تشهد تونس مرحلة انتقالية وتواجه خلالها نشاطا متزايدا للجماعات المسلحة الموالية للقاعدة لا سيما في مرتفعات غرب البلاد قرب الحدود الجزائرية. وتعالت أصوات مؤخرا تنتقد عجز الجيش عن القضاء على العشرات من المقاتلين السلفيين المتحصنين في جبل الشعانبي حيث يطاردهم عبثا منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وقد أشيد بدور الجيش التونسي خلال الثورة التي أطاحت بالرئيس بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011 وخصوصا بالفريق أول رشيد عمار الذي قيل إنه رفض تطبيق أوامر بن علي وإراقة المزيد من الدماء خلال قمع الانتفاضة الشعبية. وقلد الرئيس المنصف المرزوقي الجنرال عمار أول من أمس، وساما منددا بالانتقادات التي وجهت إلى قيادة الجيش خلال الاحتفال بالذكرى السابعة والخمسين لتأسيس الجيش في قصر قرطاج لكن الرئاسة لم تعلن خبر تنحي الجنرال.

وأشار الجنرال عمار في أول ظهور تلفزيوني له بعد الثورة، إلى «تعدد الطعنات (التي تعرض لها) في مكان واحد ومن أطراف عدة» في إشارة إلى الانتقادات التي تعرض لها، وأضاف في برنامج بثته قناة «التونسية»، وقد بدا هادئا، أن طلب الإحالة إلى التقاعد قدم إلى المرزوقي السبت الماضي، وأوضح أن الرئيس التونسي طلب منه التراجع عن هذا القرار لكنه اضطر إلى قبول الطلب بعد إصراره عليه. واستدرك ليؤكد أنه «ليس من النوع الذي يهرب من الصعاب وسيبقى جنديا من جنود تونس».

وفيما يتعلق بالانتقادات اللاذعة الموجهة لشخصه، صرح الجنرال رشيد عمار أن كل النقد الذي يطاله يهدف إلى إرباكه. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع التونسية على الفور بأن المؤسسة العسكرية تحترم قراره ولن تتدخل في الأمر. وكان محمد عبو رئيس حزب التيار الديمقراطي المنسلخ عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب الرئيس التونسي المنصف المرزوقي) قد دعا بداية الشهر الجاري إلى إدخال تغييرات على المؤسسة العسكرية. وقال: إنها في حاجة أكيدة إلى نفس جديد، وأشار إلى ضرورة تعيين رئيس جديد لأركان الجيوش الثلاثة عوضا عن الجنرال رشيد عمار الرجل القوي في تونس ما بعد الثورة. وأضاف: «لا يعقل أن يبقى المسؤول في منصبه وقد فشل في مهامه». ولقيت دعوة عبو معارضة شديدة وانتقادات متنوعة من القيادات السياسية، ونفى عبو أن تكون له مآرب شخصية وراء دعوته تلك.

وبشأن إمكانية تدخل قوات الجيش التونسي في حالة حياد الثورة عن أهدافها، قال الجنرال عمار في المقابلة التلفزيونية: «من موقعي هذا، الجيش يجب ألا يتدخل». وأضاف أن الجيش التونسي حافظ على نفس وتيرة عمله التي كان يعمل بها قبل الثورة وهو لا يسعى إلى تسلم السلطة. وأعاد عمار نفس الموقف الذي أعلنه سابقا بأن كرسي الحكم كان أمامه عند مغادرة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي البلاد يوم 14 يناير 2011. لكنه التزم الحياد وأضاف موضحا «لم نحم البلاد من أجل السلطة، بل اخترنا التعلق بالشرعية الدستورية».

وحول التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في جبال الشعانبي، قال رشيد عمار إن الصدفة وحدها هي التي قادت إلى الكشف عن المجموعات المسلحة التي دأبت على التدرب الميداني طوال سنة كاملة دون أن يفطن لها. وأرجع الأمر إلى «خلل في العمل الاستخباراتي وفي المنظومة الاستعلامية». وقال: إن التهريب والإرهاب والجريمة المنظمة ثلاثي يتهدد تونس.

وربط عمار بين المجموعة المسلحة التي واجهتها تونس في أحداث سليمان سنة 2007 وبين المجموعات التي تم الكشف عنها خلال الفترة القليلة الماضية في جبال الشعانبي وسط غربي تونس، وقال: إنها تتبنى نفس المنهج وتسعى إلى تحقيق نفس الأهداف. ودعا إلى بعث وكالة وطنية للاستعلامات تجمع كل الأطراف ويكون هدفها المحافظة على الأمن في تونس.

من ناحية أخرى، اقترح بعض نواب المجلس التأسيسي (البرلمان) تغيير اسم قانون تحصين الثورة إلى قانون العزل السياسي وذلك قبل يومين من عرض القانون في جلسة عامة أمام أعضاء المجلس. وقال سمير بن عمر أحد النواب المشاركين في التوقيع على الاقتراح لـ«الشرق الأوسط» إن نواب المجلس اقترحوا كذلك توسيع قائمة المشمولين بالعزل السياسي بإضافة «كل من عمد إلى التعاون من منظومة الاستبداد» وعدم الاقتصار على قيادات حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل. وقال: إن النواب اقترحوا كذلك إحداث هيئة مستقلة تسمى «هيئة النزاهة» من بين أهم مهامها ضبط القائمة الأولية للأشخاص المشمولين بقانون العزل السياسي.

وينظر البرلمان يوم غد في قانون تحصين الثورة في ظل جدل سياسي متنام حول جدوى هذا القانون ومطالبة أحزاب سياسية من بينها تحالف الاتحاد من أجل تونس الذي تقوده حركة نداء تونس بزعامة الباجي قائد السبسي، بالتراجع عن اعتماد قانون تصفه بـ«الإقصائي وغير الإنساني».