سعود الفيصل: الشعب السوري يواجه إبادة جماعية وغزوا خارجيا من حزب الله بمساندة إيران والنظام السوري

عقد جلسة مباحثات مع نظيره الأميركي جون كيري في جدة

الأمير سعود الفيصل ونظيره الأميركي جون كيري خلال اللقاء المشترك في جدة أمس (واس)
TT

طالب الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، المجتمع الدولي بسرعة إصدار قرار دولي واضح لا لبس فيه، يمنع تزويد النظام السوري بالسلاح، ويؤكد في الوقت ذاته عدم مشروعية هذا النظام «التي فقدها منذ اليوم الأول للأزمة، برفضه للمطالب المحدودة للشعب وشنه حرب إبادة جماعية ضد شعبه»، وأيضا فقدانه «عضويته في كل من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وبعد أن أكد مجلس التعاون لدول الخليج العربية عدم شرعيته، وجردته إياها اجتماعات أصدقاء سوريا».

وأشار إلى أن الشعب السوري يواجه هجوما من جانبين، يتمثل في إبادة يرتكبها النظام بحق شعبه، وغزو خارجي من ميليشيات حزب الله. وقال ضمن لقاء مشترك عقده بقصر المؤتمرات بجدة أمس مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إن أخطر المستجدات على الساحة السورية مشاركة قوات أجنبية، ممثلة في ميليشيات حزب الله وغيرها مدعومة بقوات الحرس الثوري الإيراني، في قتل السوريين وبدعم غير محدود بالسلاح الروسي.

وأكد الأمير سعود الفيصل أن إنهاء الأزمة السورية يتطلب وقفة حازمة وتحركا دوليا سريعا، ولم يعد هناك أي مبرر أو منطق يسمح لروسيا بالتسليح العلني والمحموم لنظام سوريا وجحافل القوات الأجنبية التي تسانده، وشدد على تقديم الحماية الدولية للشعب السوري والمساعدات العسكرية على أقل تقدير لتمكينه من الدفاع عن نفسه أمام هذه الجرائم النكراء التي ترتكب بحقه مهما كانت المبررات.

وعد هذه التجاوزات «أمرا خطيرا في الأزمة لا يمكن السكوت أو التغاضي عنه بأي حال من الأحوال»، مشيرا إلى أنه يضيف إلى حالة الإبادة الجماعية التي يمارسها النظام ضد شعبه معنى جديدا يتمثل في غزو أجنبي مناف لكل القوانين والأعراف والمبادئ الدولية، كما أنه يستبيح الأرض السورية ويجعلها ساحة للصراعات الدولية والإقليمية وعرضة للنزاعات الطائفية والمذهبية، ولا يمكن اعتبار سوريا الآن إلا كونها أرضا محتلة.

وكان الأمير سعود الفيصل عقد جلسة مباحثات مع وزير الخارجية الأميركي في مقر فرع وزارة الخارجية بجدة، وتناول اللقاء عددا من الموضوعات الإقليمية والدولية، على رأسها الأزمة السورية ومستجداتها، علاوة على القضية الفلسطينية وعدد من الموضوعات الأخرى ذات الاهتمام المشترك.

وعودة إلى اللقاء المشترك، الذي رحب خلاله الأمير سعود الفيصل بنظيره الأميركي والوفد المرافق له الذي يزور المنطقة للمرة الثالثة، وقال: «هذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرصه شخصيا على قضايا المنطقة ومصالح الولايات المتحدة الأميركية ومصالح أصدقائها».

وثمن الجلسة المشتركة للمباحثات، ووصفها بـ«المثمرة والبناءة كما هو الحال دائما في الاجتماعات التي تتسم بالصراحة والشفافية»، مبينا أنه تم استعراض الكثير من الموضوعات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الأزمة في سوريا ومستجداتها على الساحات السورية والإقليمية والدولية.

وشدد وزير الخارجية السعودي على أن فقدان النظام السوري الشرعية يلغي أي احتمال لمشاركته في أي ترتيبات أو قيامه بأي دور من أي نوع كان في حاضر سوريا أو مستقبلها خصوصا، وأن الائتلاف الوطني السوري أصبح يحظى باعتراف المجتمع الدولي بوصفه الممثل الشرعي للشعب السوري بجميع مكوناته وأطيافه السياسية وبات مهيأ لتشكيل هيئة انتقالية حاكمة بجميع السلطات وبمعزل عن أركان النظام السوري وأعوانه الملطخة أيديهم بالدماء.

ونوه الأمير سعود الفيصل إلى تأكيد الرياض ضرورة تغيير توازن القوى على الساحة السورية لصالح الشعب السوري الحر الذي يعد السبيل الوحيد لتعزيز فرص الحل السلمي الذي يسعى إليه الجميع في مؤتمر «جنيف 2» المقبل.

وقال: «أود أن أنوه بقرار الولايات المتحدة بإرسال مساعدات عسكرية إلى الجيش السوري الحر وأن أعبر عن الارتياح لما سمعته اليوم من وزير الخارجية الأميركي، سواء من ناحية الحفاظ على تغيير التوازن العسكري أو من ناحية الحفاظ على شرعية الائتلاف الوطني الممثل الشرعي للشعب السوري».

وأشار إلى قرار الاتحاد الأوروبي برفع الحظر عن تسليح المعارضة السورية، بينما دعاه إلى البدء الفوري بتنفيذ القرار نظرا للمستجدات الخطيرة على الساحة السورية.

وبين أن بلاده ليست من الدول التي تتدخل في شؤون الدول الأخرى، مؤكدا أن سوريا دولة شقيقة، وأن السعودية لم يعد أمامها خيار إلا أن تقدم كل ما بوسعها لمساعدة الشعب السوري للدفاع عن نفسه، وأشار إلى أنه استعرض مع نظيره الأميركي النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني والجهود القائمة لإحياء عملية السلام والمفاوضات بين الطرفين، مضيفا أن السعودية ترى ضرورة أن تتركز هذه الجهود على حل القضايا الرئيسة للنزاع بعد أن أثبتت الجهود السابقة فشلها في إحراز التقدم المطلوب، كونها تمحورت حول التعامل مع إفرازاته دون المساس بجوهره، مع الأخذ في الاعتبار وجود اتفاق على الحل المستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادئها والاتفاقات والتفاهمات المبرمة ومبادرة السلام العربية، وذلك لبلوغ أهداف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والمتصلة والقابلة للحياة.

وفي شأن خليجي، عبر وزير الخارجية السعودي عن أصدق التهاني وأطيب الأمنيات للأمير تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني بمناسبة توليه مقاليد الحكم في دولة قطر، وعن تقديره لوالده الأمير حمد بن خليفة آل ثاني ومجهوداته التي بذلها في تطوير بلاده وحرصه على تعزيز علاقات الأخوة بين البلدين والشعبين الشقيقين وخدمة قضايا المنطقة.

من جانبه، وصف وزير الخارجية الأميركي العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة بأنها «مهمة ومحورية»، معربا عن شكره للقيادة السعودية على ما تقدمه في إطار جامعة الدول العربية، وعلى الساحة الدولية في ظل مبادرة السلام العربية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي تهدف إلى تحقيق السلام، وتمهيد الطريق أمام مستقبل تكون فيه العلاقات جيدة، ويكون هناك سلام مستتب وتجارة مزدهرة أيضا تتوافق مع هذا السلام.

وقال كيري: «أعتقد أن وفد جامعة الدول العربية إلى واشنطن اضطلع بدور مهم من أجل تمهيد الطريق أمام إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويعتقد فخامة الرئيس أوباما أن هذه المفاوضات يجب أن تبدأ بأسرع وقت ممكن، وأن يتم التوصل إلى حل قيام دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بأمان وسلام»، مبينا أن «الرئيس الأميركي أكد في مناسبات مختلفة بالمنطقة العمل مع الطرفين والدول المجاورة من أجل إيجاد الظروف المناسبة لاستئناف المفاوضات وتجاوز كل الاضطرابات الموجودة في المنطقة من أجل التمكن من إحلال السلام، ولا بد أن نتمكن من إحلال ذلك».

وأشار إلى أن الفترة المقبلة سيتم فيها اتخاذ قرارات ستؤثر على المنطقة برمتها، قائلا: «ناقشنا الأزمة السورية، وأنا أوافق نظيري الرأي بأن هذه الأزمة بظروفها قد زادت سوءا وساءت إلى حد كبير، وصارت أكثر تعقيدا من خلال دعوة نظام الأسد إيران وحزب الله إلى عبور الحدود السورية والانخراط في النزاع السوري والمشاركة داخل سوريا في العمليات التي تشنها الحكومة السورية داخل الأراضي السورية ضد الشعب السوري».

وقال: «كما ذكر الأمير سعود الفيصل أن ما حصل في سوريا بدأ بمظاهرات سلمية، ولكن قوبلت بالعنف منذ البداية، والآن نتيجة قرارات نظام الأسد تحولت هذه الأزمة إلى أزمة عالمية. وبقيادة السعودية وجامعة الدول العربية، حاولنا أن نتوصل إلى حل سلمى لهذه الأزمة»، وأضاف: «نحن نعتقد أن الحل الأفضل هو الحل السياسي الذي يسمح للشعب السوري باتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبله، وبالإمكان احترام كل الأقليات في سوريا في إطار مستقبل ديمقراطي وسلمي خال من العنف، ومن المقاتلين حتى الأجانب منهم الذين يحاولون الإبقاء على نظام الأسد في الحكم».

وقال وزير الخارجية الأميركي: «تحدثنا عن إطار عمل في مؤتمر جنيف، وعن ضرورة تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تؤمن الانتقال إلى الديمقراطية في سوريا. وكما ذكر الأمير سعود الفيصل أننا حريصون على عقد مؤتمر (جنيف 2) الذي يوفر أفضل الفرص لتحقيق ذلك بقيادة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، ونحن نبذل جهودا من أجل اتخاذ القرارات المناسبة وحض الأطراف على المشاركة في مؤتمر جنيف وقبول مخرجات مؤتمر جنيف الأول، وقد عبر الرئيس أوباما عن التزامه هذه المخرجات، وهو قرر أن يقوم بالمزيد في هذا الإطار».

وحول تسليح المعارضة، أجاب كيري بأن نوع التسليح ليس مطروحا للنقاش العام، وأن هدف بلاده يتمثل في عدم اتساع هذه الحرب والمساهمة في المزيد من القتل أو المزيد من الألم للشعب السوري، والتحرك بسرعة لإنهاء القتل وإعطاء السوريين الحرية في تحديد مصيرهم، مع استمرار أميركا في دعمهم.

وفي سؤال عن المظاهرات المستمرة في مصر، قال جون كيري: «إن المظاهرات طريقة شرعية لكل المواطنين، ونأمل أن تكون سلمية وأن تحترمها الحكومة المصرية، وأن يحترم الشعب بعضه بعضا»، ورأى أن مصر تمر بفترة وصفها بـ«العصيبة جدا»، مبينا أن بلاده قدمت الكثير من النصائح لأصدقائها في مصر، وأنها تحاول مساعدتها مثلها مثل الدول الأخرى من أجل خلق مكان تكون فيه المعارضة جزءا من العملية السياسية، إضافة إلى تحقيق الإصلاحات الاقتصادية التي تجذب الاستثمار والمضي قدما، وبين أن هذا الأمر يعود لشعب مصر لكي يتخذ القرار إذا ما كانت هذه الإصلاحات تلبي احتياجاته، مشيرا إلى أنه جاء للمملكة «لعقد محادثات مع وزير الخارجية السعودي من أجل فهم دور المملكة والدول الأخرى في المنطقة بشكل أفضل وكيف يسعنا أن ننسق هذه الجهود من أجل تحقيق الحل الذي نصبو إليه».

وقدم شكره لمجلس التعاون الخليجي، وبشكل خاص للسعودية، على دعمهم للشعب اليمني وللحوار الوطني في اليمن ودعم العملية الانتقالية المهمة جدا التي تعد محورية بالنسبة لمستقبل المنطقة، وقال: «اتفقنا على المضي قدما لتحقيق الأهداف المشتركة، وتطرقنا إلى كل هذه الموضوعات اليوم التي لها تبعات على المستوى الدولي والعالمي. والعلاقة الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة الأميركية محورية». ونوه كيري بما يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والأمير سعود الفيصل من تقديم كل الدعم الضروري لهذا المسار، وسعيهما لأجل السلام والاستقرار في المنطقة.