عشية رمضان.. الأسعار تستعر في سوريا والليرة تتدهور

الحلقي يشكو من استهداف مستمر للعملة.. ووزير اقتصاد سابق يحذر من نشوء «اقتصاد الزعرنة»

يعاني السوريون من ارتفاع شديد في أسعار المواد الغذائية والوقود عشية حلول شهر رمضان (أ.ف.ب)
TT

تأزم الوضع المعيشي في سوريا عشية حلول شهر رمضان المبارك، مع تدهور قيمة الليرة السورية إلى مستوى غير مسبوق، حيث بلغ سعر الدولار يوم أمس 250 ليرة، مما أدى إلى ارتفاع جديد في الأسعار، لا سيما المواد الغذائية، وارتفعت بعض الأصوات بين المواطنين تدعو لمقاطعة أسواق المواد الغذائية وخاصة اللحوم والألبان والبيض احتجاجا على ارتفاع الأسعار بشكل غير منطقي، إلا أن خبراء اقتصاد قللوا من أهمية تلك الدعوات، لعدم توافر مواد بديلة بأسعار أرخص، مثل الحبوب والبقوليات. في حين حذر وزير اقتصاد سابق من أن يؤدي استمرار سوء الأوضاع الاقتصادية إلى نشوء «اقتصاد الزعرنة».

وفي جولة على الأسواق عشية شهر رمضان، لوحظ إقبال كبير من الناس على شراء المتوافر من المواد الغذائية خشية تواصل ارتفاع الأسعار في الأيام المقبلة، لا سيما أن سوق الصرافة تجمدت تماما وتجمدت معها حركة شراء وبيع السلع المستوردة عموما.

بائع في سوق الشعلان وسط العاصمة، وصف السوق بأنها «نار مشتعلة»، وقال: «رفع الأسعار ليس بيدنا، نحن أيضا نخسر الزبائن كل يوم، هناك ارتفاع في الأسعار بسبب قلة المواد، وصعوبة نقلها وارتفاع أجور النقل»، وأضاف: «كانت سوق الشعلان هى الأغلى في دمشق كلها، بل في سوريا لجودة بضائعها العالية وتوافر كل شيء فيها، فهي سوق الأثرياء، الآن باتت مثل الأسواق الأخرى، بل إن بعض المواد، لا سيما الخضار، فيها أرخص من أسواق أخرى».

ومع اقتراب شهر رمضان، ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ، وبلغ سعر كيلو اللبن الزبادي 150 ليرة، وكان الأسبوع الماضي 100 ليرة، في حين بلغ سعر اللبنة 1كغم 550 ليرة، وكان 350. كما قفز سعر الحليب البقري من 90 ليرة للتر الواحد إلى 120 ليرة، والجبنة البيضا 600 ليرة للكيلو. وكذلك الأمر بالنسبة للحوم، حيث بلغ سعر كيلو الدجاج 540 ليرة وكيلو شرحات الدجاج 1000 ليرة، أما الدجاج المشوي فوصل سعر الكيلو إلى 1400 ليرة. وارتفع سعر لحم العجل ليبلغ 1400 ليرة للكيلو الواحد، ولحم الغنم بلغ 2000 بعد أن كان 1200 ليرة. في حين سجل صحن البيض 30 بيضة، حدود 550 ليرة.

كما قفز بشكل مفاجئ سعر زيت الزيتون ليبلغ سعر العبوة 20 لترا إلى أكثر من 15 ألف ليرة، وزيت القلي 400 ليرة للتر الواحد، أما بالنسبة للخبز فقد بلغ سعر ربطة الخبز السياحي 135، أما ربطة الخبز العادي تتراوح من 50 إلى 75 ليرة.

ومن المتوقع أن يتواصل ارتفاع الأسعار مع تردد معلومات عن نية وزارة الكهرباء لرفع أسعار الكهرباء، حيث من المتوقع أن تزيد تكاليف الصناعات الغذائية، الأمر الذي نفاه وزير الكهرباء عماد خميس، وقال في تصريح لصحيفة «الوطن» المحلية إن «زيادة أسعار الكهرباء، لا يمكن أن تؤثر إطلاقا في زيادة تكاليف الإنتاج إلا من خلال نسب بسيطة جدا لا تذكر»، وتدرس وزارة الكهرباء رفع الدعم، بهدف تأمين متطلبات قطاع الكهرباء، علما بأن الدولة تقدم الكهرباء للمواطنين اليوم بأسعار مدعومة لا تعكس تكلفتها الحقيقية. وحول انعكاس ذلك على رفع الأسعار، قال وزير الكهرباء السوري: «إن من يقوم برفع أسعار المنتجات لا يقوم بذلك بناء على التكاليف الحقيقية للمنتج، وإنما استنادا للأزمة وللاحتكار وتوافر المادة في السوق»، لافتا إلى أن «تأثر الصناعات الغذائية بهذا القرار لا يتجاوز نسبته 2% كزيادة، على تكاليف الإنتاج، أي كزيادة في تكلفة الكهرباء على سعر المنتج بشكل عام».

ويعاني السوريون شحا في كثير من المواد الأساسية نتيجة الأوضاع الأمنية والأزمة الاقتصادية الخانقة، مما اضطر الحكومة إلى التدخل في الاستيراد لتفعيل خط الائتمان الإيراني لتمويل المستوردات، وهو إجراء قد يستغرق عدة أشهر لينفذ تكون خلالها الأزمة قد تفاقمت، وبما يفوق قدرة المواطن الشرائية بعدة أضعاف، لا سيما أن الكثير من المواد المنتجة محليا كالألبان والأجبان واللحوم مرتبطة بسعر الدولار المعتمد في استيراد الأعلاف والمواد الزراعية اللازمة للإنتاج.

وبلغ سعر الدولار أمس 250، في أعلى مستوى حققه، مع توقعات بوصوله خلال أيام إلى أكثر من 300 ليرة، بينما تجاوز سعر غرام الذهب 8500 ليرة سورية مسجلا ارتفاعا قدره 600 ليرة خلال يوم واحد.

وبدوره، شكا رئيس الوزراء السوري، وائل الحلقي، من «استهداف مستمر» لليرة السورية واقتصاد بلاده عموما الذي يشهد أزمة غير مسبوقة نتيجة النزاع الدائر في البلاد منذ أكثر من عامين. وقال إن استهداف الاقتصاد جاء بعد الفشل في «النيل من صمود الجيش»، وأكد استمرار حكومته في دعم المشتقات النفطية التي شهدت أسعارها مؤخرا ارتفاعا كبيرا لمرات عدة.

وزعم الحلقي في تصريحات بثتها وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أمس أن «الاقتصاد الوطني كان الهدف الأساسي للحرب الكونية خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث تم التركيز على البعد الاقتصادي بعد فشل أعداء الوطن في استهداف صمود جيشنا الباسل وعدم القدرة على عزل سوريا في المؤسسات الدولية». وأشار خاصة إلى «الاستهداف المستمر» لليرة السورية والقطاع الاقتصادي بمؤسساته الوطنية «من خلال الحصار الجائر الذي تفرضه بعض الدول الغربية والعربية على السوريين»، حسبما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

وأشار الحلقي إلى أن بلاده التي كانت «تكتفي بما تنتج من النفط» أصبحت تقوم باستيراد المشتقات النفطية «بأرقام هائلة» لأن «الجزء الأعظم من حقول النفط في سوريا تم استهدافه وتعطيله».

إلا أن وزير الاقتصاد السابق نضال شعار وجه انتقادا حادا للحكومة حول سياستها الاقتصادية المتخبطة والتصريحات «الفارغة» التي يطلقها أعضاؤها، محذرا من نشوء «اقتصاد الزعرنة»، مقترحا عدم رفع الدعم وتلبية حاجات المواطن، وذلك عبر صفحته على موقع «فيس بوك»، حيث كتب: «الوضع الاقتصادي يزداد بؤسا كل يوم... والوطن يئن... كفى لفا ودورانا واستعراض عضلات وتصريحات فارغة... وانفرادا في القرار الاقتصادي وتغييب الآخر.. واجبكم الصدق مع المواطن والحفاظ على (ما تبقى) من مدخراته ومنع مؤسسات الدولة من الانهيار.. قوموا بضمان حد أدنى لمدخرات المواطن سواء بالدولار أم باليورو أم بالذهب أم بخطوطكم الائتمانية... لا تفكروا في سحب دعمكم (الغائب الحاضر)».