جدل في الجزائر بمناسبة صدور تقرير حكومي ينتقد أوضاع القضاء والصحافة

تحدث عن الفساد واستثناء مسؤولين من المتابعة

TT

يثير تقرير أعدته لجنة حقوقية مرتبطة بالحكومة في الجزائر جدلا كبيرا في أوساط الحقوقيين، فهو يتحدث عن «سلطة قضائية خاضعة للسلطة التنفيذية»، و«عن تفشي الفساد واستثناء مسؤولين نافذين من المتابعة القضائية»، بينما يدعو ناشطون صاحب التقرير إلى «توجيه انتقاداته إلى النظام الذي لا يحترم الحقوق والحريات، بدل التهجم على القضاء».

ونشرت «اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان»، التابعة للرئاسة الأسبوع الحالي، تقريرها السنوي بخصوص «مؤشرات انتهاك الحقوق والحريات»، إذ شمل ملاحظاتها بخصوص حال ممارسة حقوق الإنسان عام 2012، أهم ما جاء فيها أن «الدولة تملك نزعة إيجابية في محاربة الفساد، ومع ذلك كل شيء يبعث على الاعتقاد بأن الفساد تحول إلى مؤسسة قائمة بذاتها».

وأشار إلى أن أهم آليتين حكوميتين مكلفتان التصدي لمظاهر الرشوة واختلاس المال العام «ولدتا ميتتين»، هما: «الديوان المركزي لقمع الفساد» الذي يقوده ضباط في الأمن، و«هيئة محاربة الفساد والوقاية منه»، يشرف عليها قضاة وموظفون في الدولة. وقال تقرير اللجنة التي يرأسها المحامي فاروق قسنطيني إن «آفة الفساد تتفاقم في بلادنا».

ومن أهم الملاحظات، التي جاءت في التقرير الذي يتكون من 202 صفحة، أن محاربة الرشوة واختلاس المال العام «ينبغي أن تسند إلى شخصيات نزيهة تستفيد من ضمانات لحمايتها ومن صلاحيات واسعة لتأدية مهامها، ولكن أية حماية دون قضاء مستقل ومسؤول هي ضرب من الخيال».

ويفهم مما جاء في التقرير أن الأشخاص الموجودين في الهيئات الرسمية المكلفة مكافحة الفساد لا يتوفر فيهم شرط النزاهة ونظافة اليد. وكتبت الصحافة أن ابنتي عضو «هيئة الوقاية من الفساد» عبد الكريم غريب، السفير الجزائري السابق لدى مالي، متابعتان في فضيحة كبيرة تتعلق بدفع عمولات ورشى في مشروع إنجاز الطريق السيار، الذي يربط شرق البلاد بغربها على مسافة 1400 كلم. وتملك ابنتا غريب مكتب دراسات، اشتغل على المشروع الذي كلف الدولة 13 مليار دولار ولم ينتهِ بعد.

ويقدم التقرير ملاحظات سلبية عن حقوق الطفل والتعليم في البلاد. وفي ما يتعلق بالإعلام، ذكر التقرير أن السلطات «اتخذت إجراءات لتكميم أفواه الصحافيين في المؤسسات الإعلامية الخاصة، من خلال قوانين ولوائح تهدف إلى تضييق مجال الحريات، كما جرى نشر شبح حبس الصحافيين ومراسلي وسائل الإعلام في الولايات».

وندد التقرير بـ«استعمال القوة من طرف رجال الأمن ضد صحافيين ومصورين، أثناء تغطية المظاهرات». وعبر التقرير عن «أسف» اللجنة الحقوقية لكون قنوات تلفزيونية جزائرية تضطر إلى البث من الخارج بسبب غياب قانون يضبط الإعلام المسموع والمرئي.

ويشير التقرير إلى «شكاوى مواطنين من جهاز القضاء، تبين ظلما صارخا تعرضوا له»، وقال إن القضاء يعاني من أزمة ثقة، والدستور لا يكرس استقلال السلطة القضائية». وطالب التقرير وزارة العدل بـ«التوقف عن التدخل في نشاط الوظيفة القضائية». ويعطي التقرير صورة مغايرة تماما عن مشروع «إصلاح القضاء» الذي أطلقه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2000.

وذكر رئيس «شبكة المحامين الجزائريين» أمين عبد الرحمن سيدهم، لـ«الشرق الأوسط»، أن تقرير اللجنة الحقوقية الحكومية «يقدم مبررات لكل الانتهاكات التي يتحدث عنها، وهذا غير غريب على هيئة يتقاضى أعضاؤها أجورهم من السلطة التنفيذية». وقال إنه «مهما اجتهد السيد قسنطيني (رئيس اللجنة وصاحب التقرير) في تشريح وضع حقوق الإنسان، فهو لا يجرؤ على الحديث عن الانتهاكات التي تحدث يوميا في السجون والمعتقلات».

وأفاد البرلماني والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي لـ«الشرق الأوسط» أن «أصحاب التقرير ينبغي أن يهاجموا النظام الفاسد الذي جعل من القضاء أداة طيعة، بدل انتقاد القضاة»، مشيرا إلى أن حال حقوق الإنسان «سيئ للغاية والسلطة لا تريد تدارك هذا الوضع».