التفجيرات الانتحارية تمتد إلى ملاعب كرة القدم الشعبية في العراق

عشرات الشبان والفتيان قتلوا في هجمات على مدار عدة أشهر

رجال أمن عراقيون يعاينون حطام سيارة ملغومة انفجرت في منطقة عسكرية في مدينة كركوك بشمال العراق أمس (أ.ف.ب)
TT

وقفت أم إبراهيم تذرف الدموع عند قبر رمزي لابنها الذي قتل مع آخرين في هجوم انتحاري بحزام ناسف وسيارة مفخخة، استهدف ملعبا لكرة قدم في بغداد.

وفي تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، سألت المرأة الأربعينية المتشحة بالسواد، وهي تتأمل صورة لابنها إبراهيم (13 عاما) وضعت عند القبر في موقع الهجوم في شمال العاصمة: «لماذا يُقتل أطفالنا؟ ليس لديهم شيء في هذه الحياة غير لعب الكرة».

وقتل إبراهيم في هجوم مزدوج، حيث فجر انتحاري نفسه داخل ملعب شعبي لكرة القدم في الشعلة، قبل أن تنفجر سيارة مفخخة بالقرب من المكان ذاته في نهاية فبراير (شباط) الماضي.

ولم يكن إبراهيم الضحية الوحيدة للهجوم، حيث قتل إلى جانبه 18 فتى وشابا، وأصيب أكثر من 30 آخرين بجروح.

وأقيمت 18 شاهد قبر في مكان الانفجار لتشكل قبورا رمزية لهؤلاء الضحايا الصغار بناها أهالي الحي من أحجار وأسوار حديدية، وضعوا عندها صور الضحايا، وأعلاما عراقية، وزهورا صناعية، وقطع قماش سوداء، تخليدا لأطفالهم الضحايا. وقال أبو أمير (50 عاما) وهو عسكري متقاعد قتل ابن شقيقته (11 عاما) وابنا شقيقه (12 عاما و15 عاما) في هذا الهجوم لوكالة الصحافة الفرنسية وهو يقف عند أحد القبور الرمزية: «هؤلاء الأطفال ضحايا أبرياء، ليس لديهم أي ذنب». وأضاف: «أين نذهب؟ لم يعد لدينا مكان نضع أطفالنا فيه»، متوجها إلى الأجهزة الأمنية بالقول: «احموا الملاعب من الأنذال المجرمين».

وشكل هذا الهجوم امتداد لموجة العنف المتواصلة منذ أكثر من عشر سنوات، التي باتت تستهدف مؤخرا ملاعب كرة القدم الشعبية في بلاد تعشق هذه الرياضة، وتعتبرها الجامع الوحيد لمجتمع منقسم طائفيا وسياسيا وحزبيا.

وقد حقق العراق إنجازات كبرى في هذه اللعبة، بينها فوز المنتخب الأول بكأس آسيا عام 2007 في خضم الحرب الأهلية الطائفية التي كانت تشهدها البلاد، ووصول منتخب الشباب إلى المربع الذهبي لبطولة كأس العالم في تركيا، حيث يخوض غدا مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع ضد غانا.

واستهدفت ملاعب كرة قدم في عدة مناطق من العراق على مدى الأشهر الماضية، بينها الحلة في بابل، ومناطق النهروان والزعفرانية وغيرها في بغداد، راح ضحيتها العشرات من الشبان والفتيان.

وقال عبد الأمير عبود، وهو أحد وجهاء حي الشعلة، ويعمل في اللجنة الأولمبية العراقية، إن «استهداف الناس، وخصوصا الأطفال، جريمة بشعة وضد الإنسانية، لأن الأطفال بعيدون عن السياسة والصراعات وقتلهم جريمة مؤلمة».

وأضاف عبود باسف وهو يشير إلى موقع الانفجار أن أعداد الذين كانوا يأتون إلى هذا الملعب لممارسة رياضة كرة القدم تراجعت بعد الهجوم الدامي، علما بأن بعض الفتيان كانوا يلعبون الكرة في المكان، إنما من دون متفرجين.

وناشد عبود الحكومة اتخاذ خطوات جادة لوقف العنف ضد المدنيين، قائلا: «يجب أن يتوقف نزف الدم, لأن مقتل طفل واحد يمكن أن يسقط حكومة بكاملها في مكان آخر من العالم».

وفي منطقة الزعفرانية في جنوب بغداد، عاد اللاعبون إلى ملعب كرة القدم الخاص بالمنطقة بعد عشرة أيام من انفجار سيارة مفخخة عند مدخله خلفت وراءها خمسة قتلى وأكثر من عشرة جرحى، فقد أحدهم ساقه، في 25 يونيو (حزيران) الماضي.

وقال باسم سكران عضو المجلس البلدي في المنطقة ومسؤول إدارة ملعب الكرة في حي المعلمين وسط الزعفرانية إن «التفجير كان محاولة فاشلة لإيقاف الحياة. لقد تسبب بانقطاع اللاعبين لفترة محدودة، إنما فقط حدادا على أرواح الضحايا».

وتابع: «عدنا للتدريب ولن نتوقف أبدا»، مشيرا مع ذلك إلى توقف مدرسة كروية لتدريب اللاعبين دون 12 عاما عن عملها بسبب منع العائلات أولادها من مواصلة التدريب خوفا على حياتهم.

وتشهد البلاد مؤخرا تصاعدا في وتيرة العنف المتواصل منذ سقوط نظام صدام حسين، حيث قتل بحسب أرقام الأمم المتحدة أكثر من 2500 شخص في الأشهر الثلاثة الأخيرة، بينهم 761.

ومنذ بداية يوليو (تموز) الحالي، قتل أكثر من 250 شخصا في هجمات متفرقة في البلاد، بحسب حصيلة تعدها وكالة الصحافة الفرنسية، استنادا إلى مصادر أمنية وعسكرية وطبية.

ودفع العنف ضد ممارسي لعبة كرة القدم الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في بداية يوليو الحالي، إلى عدم السماح بعد الآن بإقامة المباريات الودية على الملاعب العراقية.

وكان الاتحاد الدولي سمح في 21 مارس (آذار) الماضي بإقامة المباريات الودية فقط على الملاعب العراقية للمنتخبات العراقية، وأبقى حظره على اللقاءات الرسمية.

واستضاف استاد الشعب الدولي خلال الفترة الماضية لقاءين وديين؛ الأول مع سوريا، حيث توقفت المباراة لانقطاع التيار الكهربائي، والثاني مع ليبيريا حين هز تفجيران قريبان أرجاء الملعب، أثناء سير المباراة.

وعلى الرغم من ذلك، أكد سيف عبد الحسن (21 عاما) كابتن فريق كرة قدم في الزعفرانية، وهو يرتدي زي الفريق الأزرق، أن «انفجار الزعفرانية ترك تأثيرا سلبيا على معنويات اللاعبين، لكنه لم يوقفنا».

وأضاف وهو يمسح العرق عن جبينه: «الإرهاب يريدنا أن نسير على طريقه، لكننا لن نتوقف عن لعب كرة القدم».