علماء ومستشارون: من الواجب حماية الدين من التطرف والغلو والأهواء

هيئة كبار العلماء لـ «الشرق الأوسط» : السعودية لم ولن تسمح بإنقاص الهوية الإسلامية.. وكلمة خادم الحرمين وولي العهد حذرت من الارتباطات الحزبية المنحرفة

TT

أكد علماء ومشايخ سعوديون أن الكلمة المشتركة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ضمت تعزيزا لما تأسست عليه المملكة العربية السعودية، وما تحمله القيادة السعودية من رؤى تنويرية تستظل بتاريخ البلاد من جهة، وتنمي العقول والتوجهات وتوحدها في اللحمة الوطنية القائمة على أساس واحد وثابت من جهة أخرى، لافتين إلى أنها عززت التصدي لكل ما يسيء للإسلام ويضر بالمسلمين.

وجاءت الكلمة التي نشرت مطلع الأسبوع الماضي بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك قاطعة لتوجه السعودية إلى ضرورة حماية الإسلام من التشويه والعبث، أو استخدامه تحت غطاء يشرعن الوصول إلى غايات دنيوية بعيدة تماما عما يحمله الدين من نقاء وإخلاص.

بدورها، نوهت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في السعودية بالمضامين التي وصفتها بالقيمة في كلمة خادم الحرمين الشريفين التي وجهت إلى شعب المملكة العربية السعودية وإلى المسلمين بمناسبة حلول رمضان.

وقال الدكتور فهد الماجد، الأمين العام لهيئة كبار العلماء لـ«الشرق الأوسط»، إن «كلمة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بهذه المناسبة الكريمة تأسست في مضامينها على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، مذكرة بنعمة الله عز وجل في حلول هذا الشهر الكريم المبارك الذي من الله عز وجل به على عباده المؤمنين. إن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده ليؤكدان على ما تأسست عليه هذه البلاد، المملكة العربية السعودية، التي اتخذت الإسلام منهجا، وهو دين المحبة والصفح والتسامح».

وأضاف «من ضمن ما أكدت عليه كلمتهما أن الإسلام يرفض الفرقة باسم تيار هنا وآخر هناك وأحزاب مثلها تسير في غياهب ظلمتها، وأن المملكة بذلك تعلن أنها لن تقبل إطلاقا وفي أي حال من الأحوال أن يخرج أحد في بلادنا ممتطيا أو منتميا لأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان، لا تقود إلا للنزاع والفشل».

وقال الأمين العام لهيئة كبار العلماء «إن هذه المضامين القيمة لهذه الكلمة الوافية جدير بالأمة الإسلامية في هذه الأوقات الحرجة أن تقف عندها وتستلهم حكمتها، وقد أكدت عليها هيئة كبار العلماء في بيانات متعددة ومناسبات مختلفة، فقد جاء في بيانها المؤرخ في 1432/4/1هـ أن الله تعالى أنعم على أهل هذه البلاد باجتماعهم حول قادتهم على هدى الكتاب والسنة، لا تفرق بينهم أو تشتت أمرهم تيارات وافدة، أو أحزاب لها منطلقاتها المتغايرة». وتابع الأمين أن «السعودية حافظت على هذه الهوية الإسلامية، فمع تقدمها وتطورها، وأخذها بالأسباب الدنيوية المباحة، فإنها لم ولن تسمح - بحول الله وقدرته - بأفكار وافدة من الغرب أو الشرق أن تنتقص من هذه الهوية أو تفرق هذه الجماعة».

كما جاء في هذا البيان أن «الهيئة تحذر من الارتباطات الفكرية والحزبية المنحرفة، إذ الأمة في هذه البلاد جماعة واحدة متمسكة بما عليه السلف الصالح وتابعوهم، وما عليه أئمة الإسلام قديما وحديثا من لزوم الجماعة والمناصحة الصادقة، وعدم اختلاق العيوب وإشاعتها، مع الاعتراف بعدم الكمال ووجود الخطأ وأهمية الإصلاح على كل حال وفي كل وقت».

من جهته، قال فيصل بن معمر، مستشار خادم الحرمين الشريفين والأمين العام لمركز الملك عبد العزيز الوطني، إن «كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والأمير سلمان، تعد تأكيدا على موقف الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه - الذي وحد المملكة العربية السعودية، وحرص على أن تكون هذه الوحدة ماثلة في كيان هذه البلاد، ونواةً لوحدة العرب والمسلمين، وقد وفقه المولى عز وجل بأن أقام مجتمعنا السعودي على أسس دينية ووطنية؛ لنعيش جميعا أسرة واحدة، لا تفصل بيننا تحزبات أو عصبيات أو أي حواجز.. فقد عودتنا قيادتنا الحكيمة أنها دائما تنحاز إلى أبنائها وتساندهم وتأخذ بأيديهم في كل الظروف والمحن».

وأشار بن معمر إلى أن «القارئ الجيد لتاريخ المملكة كونها قبلة لأكثر من 1.6 مليار مسلم، وبوصفها أحدث وحدة تحققت على أرض الجزيرة العربية، بعد أكثر من ألف عام من الشتات؛ يدرك جيدا أن هذا الدين العظيم رسالة أبنائه الذين يتشرفون بخدمته وخدمة المسلمين هي عدم الارتماء أو التمترس خلف الحزبية أو المذهبية، وإننا نرتقي بأنفسنا لأن نكون قبلة وقلب كل مسلم». وأوضح بن معمر أن «المملكة التي قد شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين، وأكرمها بذلك، لن تسمح أبدا بأن يستغل الدين لباسا يتوارى خلفه المتطرفون والعابثون والطامحون لمصالحهم الخاصة، متنطعين ومغالين ومسيئين لصورة الإسلام العظيمة، ونبراسنا في ذلك، بعد توافر قنوات مسؤولة للحوار الداخلي ومبادرات إسلامية وعالمية في هذا الخصوص؛ مساهمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في نشر قيم الحوار والتسامح والاعتدال وبناء علاقات تعاون وسلام تسهم في مواجهة تحديات الانغلاق وضيق الأفق، كما تجلت نظرته في الإعلان عن تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية في مؤتمر التضامن الإسلامي الذي عقد في شهر رمضان الماضي، وواصل تأكيده على ذلك في كلمته أمام ضيوف الرحمن في منى لحج العام الماضي، مؤكدا على مبدأ الحوار ونبذ الغلو. وأكد أن حوار الأمة مع نفسها واجب شرعي؛ إذ إن الشتات والجهل والغلو تهدد آمال المسلمين الذين هم في أمس الحاجة إليها. كما أكد أن الحوار تعزيز للاعتدال والوسطية والقضاء على أسباب التحزب والفرقة والنزاع والتطرف».

واستطرد بن معمر بالقول «إن خطابنا السعودي مبني على الحوار بأسس علمية وموضوعية، وقائم على الاحترام المتبادل، ومعروف وصولا إلى المحافظة على ثوابتنا الإسلامية ووحدتنا الوطنية بما يخدم المصالح العامة والمنافع المشتركة»، مشيرا إلى أن الحوار هو بمثابة السبيل إلى كلمة سواء، داعيا إلى السعي لجعل الحوار ركنا من أركان الحياة اليومية وأساسا من أسس المعاملات والحياة. وزاد «إن الأمل معقود في أن يكون أسلوب حياة وطبعا من طباع المجتمع السعودي وكذلك إخواننا المسلمين في كل مكان».

من ناحيته، قال الشيخ حمود الناجم، المستشار القانوني السعودي «لا شك أن مضمون كلمة خادم الحرمين الشريفين إلى الشعب السعودي والأشقاء المسلمين في كل بقاع الأرض بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك قد تضمنت مفاهيم وأسسا وجاءت واضحة وجلية، وهى في ذاتها ترتكز على أصول شرعية قوامها وأساسها المتين هو ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، وقد جاءت هذه الكلمة مؤكدة على أساس عظيم ومنهج قويم وهو عدم استغلال الدين لتحقيق أي أغراض أو مصالح أو مكاسب تتنافى مع أصل الشرع المطهر، كما أن مضمون هذه الكلمة قد اشتمل على حد فاصل وواضح أنه لن يسمح بأن يكون الدعم مطية لضعفاء النفوس ليتاجروا به ويغرروا غيرهم لحاجة في أنفسهم».

وأضاف الناجم «لا ريب أن ما أبداه خادم الحرمين الشريفين فيه براءة للذمة ولإلقاء التبعة، وهو واجب أصيل للمسلمين أن يتصدى لكل ما يسيء للإسلام ويضر بالمسلمين في دينهم ودنياهم، وهذا النهج هو أصل مقرر منذ قيام هذه الدولة المباركة في عهد المؤسس الباني الملك عبد العزيز (رحمه الله)»، متابعا «في غمرة هذه الكلمة لا يفوتني أن أوضح أن النهي عن الفرقة والفتنة وكذلك الأسباب المفضية إليها أصل مقرر في الشرع، وقد قال الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا..)، الآية 102 من سورة آل عمران». واستطرد الشيخ الناجم «على هذا المقتضى فإن من أوجب الواجبات حماية الدين من التطرف والغلو وأهل البدع والأهواء، وهم كثيرون في هذه الأزمنة، ولا ريب أن واقع حالهم ومآلهم وأطماعهم تخفى على كثير من المسلمين، ولذلك كان لزاما التصدي لهم وكشف الستار عنهم حتى يعرفهم الناس على حقيقتهم ولا يغتروا بهم.. وفي هذا سلامة الدين والدنيا».

من ناحيته قال الدكتور عيسى الغيث عضو اللجنة الإسلامية بمجلس الشورى السعودي «جاءت الكلمة أكثر وضوحا وشفافية في معالجة ظاهرة سيئة تفت في عضد البلاد وتثير الفتنة بين العباد، ألا وهي «الحزبية» حيث الجماعات التنظيمية الحركية الإسلامية، فضلا عن الحزبيات التقليدية كالقبلية والمناطقية، والطائفية والمذهبية، وغيرها من الفئات المتنوعة في المجتمع، حيث قام الملك عبد العزيز بتوحيد الجزيرة وجمع القلوب في بوتقة وطنية واحدة، وقام أجدادنا وآباؤنا على توثيق هذه المكاسب الوطنية، ولكن بلينا منذ قرابة أربعين سنة ببداية تنظيمات حركية حزبية دفعنا وما زلنا ندفع من دمائنا وأمننا واستقرارنا بسببهم، وتابع الغيث في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «يكفينا في ذلك استشعار ولي الأمر بأهمية هذا الموضوع حيث قال في كلمته (لن نقبل أن يخرج أحد في بلادنا ممتطيا أو منتميا لأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان)، وهنا أتذكر قوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، ويحصل النزاع حينما نتفرق بجماعات وأحزاب تزعم أنها تخدم الدين وأهله وهي في الحقيقة تستخدم الدين وأهله لمصالحها الحزبية، ويكفينا قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، فضلا عن أن تكون هذه الأحزاب ذات ولاءات وبيعات داخلية وخارجية لغير ولي الأمر ثم تعمل على مناكفته والخروج عليه وتأليب الناس على جماعة المسلمين.

وتابع الغيث «لقد كانت الكلمة الحكيمة صريحة حينما أكدت على أن المملكة العربية السعودية التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين وتطبيق الشريعة الغراء (لن تسمح أبدا بأن يستغل الدين لباسا يتوارى خلفه المتطرفون والعابثون والطامحون لمصالحهم الخاصة، متنطعين ومغالين ومسيئين لصورة الإسلام العظيمة بممارساتها المكشوفة وتأويلاتها المرفوضة)، مؤكدا على ضرورة متابعة السير على المنهج الوسطي المعتدل لأن الإسلام (يرفض الفرقة باسم تيار هنا وآخر هناك، وأحزاب مثلها تسير في غياهب ظلمتها)، محذرا بأن المملكة (تعلن أنها لن تقبل إطلاقا وفي أي حال من الأحوال أن يخرج أحد في بلادنا ممتطيا أو منتميا لأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان)».