أوروبا تبحث ملف تسليح المعارضة السورية غدا

الجربا إلى فرنسا.. وإدريس إلى الولايات المتحدة

TT

يعقد الاتحاد الأوروبي غدا اجتماعا على مستوى وزراء خارجية دول التكتل الأوروبي في بروكسل لمناقشة تطورات الأوضاع في منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط، ومنها الملف السوري وتداعياته على دول الجوار. ويأتي هذا الاجتماع وسط تراجع في المعسكر الداعي لتسليح المعارضة السورية الساعية لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، خصوصا فرنسا وبريطانيا التي قالت أول من أمس إنها تتوقع بقاء الأسد في منصبه لسنوات كثيرة.

وتزامنا مع ذلك، يحل أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة ضيفا على باريس، محطته الأولى في جولة ستقوده لاحقا إلى بريطانيا وألمانيا ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية التي سيزورها أيضا اللواء سليم إدريس رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر.

ومن المنتظر أن تعرض منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون على وزراء خارجية الدول الـ28 المكونة للاتحاد تقريرا عن الأزمة السورية وأثرها على دول الجوار، ومنها لبنان.

وفي هذا الصدد، شددت مصادر أوروبية على أن قرار إدراج اسم الجناح العسكري لحزب الله اللبناني على القائمة الأوروبية للمنظمات الإرهابية، فيما لو اتخذ، يستند فقط إلى تورط الحزب في «أنشطة إرهابية» استهدفت أوروبا ولا علاقة له بتورطه في الصراع السوري، «على الرغم من أن الكثير من دول التكتل الموحد انتقدت تدخل حزب الله في سوريا، ولكن ما نحن بصدده حاليا لا علاقة له بالشأن السوري، فهذا يستوجب الشروع بنقاش مختلف»، حسب قول المصادر.

ويأتي هذا الاجتماع غداة تصريحات من مسؤولين بريطانيين وفرنسيين تؤكد أن البلدين لا ينويان تسليح المعارضة السورية، وهو أمر كانا من أشد المدافعين عنه في السابق. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أول من أمس عن مصادر بريطانية لم تسمها، في واحد من أكثر التقييمات تشاؤما للصراع حتى الآن، أن لندن تخلت عن خطط لتسليح المعارضة السورية، وتعتقد أن الأسد قد يبقى في منصبه لسنوات، كما قامت الحكومة البريطانية الأسبوع الماضي بإعطاء مجلس العموم (البرلمان) البريطاني الحق في نقد (عرقلة) أي قرار بتسليح الجيش السوري الحر. وحذت باريس حذو لندن، إذ أعلن وزير الخارجية لوران فابيوس أمس أن فرنسا «لم تغير موقفها» بشأن رفض تسليم مسلحي المعارضة السورية أسلحة فتاكة. وقال فابيوس في ختام لقاء مخصص للقضايا الدولية مع السياسي الفرنسي فرنسوا بايرو إنه «في الوقت الراهن لم تعدل فرنسا موقفها. لم نسلم أسلحة فتاكة، هذا هو موقفنا».

وتحت ضغط لندن وباريس، قرر الأوروبيون في نهاية مايو (أيار) الماضي رفع الحظر المفروض على شحنات الأسلحة إلى المعارضة السورية. إلا أنهم التزموا (من دون أن يكون ذلك قرارا إلزاميا) بعدم تسليم أسلحة قبل أغسطس (آب) وتوافقوا على إعادة النظر بموقفهم من الآن وحتى ذلك التاريخ. والاجتماع الشهري لوزراء الخارجية الأوروبيين الاثنين في بروكسل هو الأخير قبل هذا الموعد.

حينئذ قال وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، إن بريطانيا غير ملزمة بأي موعد زمني في قرارها لتسليح المعارضة السورية أو عدم تسليحها، في إشارة إلى أن لندن قد تسلح المعارضة، وهو ما لم يحدث. ويطالب الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة وهيئة أركان الجيش السوري الحر بتسلم معدات مضادة للدبابات ومضادات للطيران، لكن الغربيين يخشون أن تقع أسلحة متطورة جدا بأيدي المجموعات الإسلامية المتطرفة التي تقاتل في سوريا. وحتى الآن، اكتفت الدول الغربية رسميا بتسليم تجهيزات عسكرية غير قتالية وتقديم «مساعدة تقنية» تتعلق بتقديم المشورة والتدريب لمقاتلي المعارضة السورية.

ويعتبر التراجع الفرنسي - البريطاني حيال ملف التسليح انتصارا للفريق المعارض للتسليح داخل الاتحاد الذي تقوده دول مثل بلجيكا والنمسا، التي هددت في وقت سابق بسحب قوتها العاملة في قوة فض الاشتباك في الجولان المحتل إن تم تمرير قرار تسليح المعارضة قبل شهرين. وبالإضافة إلى هذين الفريقين هناك معسكر «المتوجسين» وتقودهم ألمانيا، ويطالبون بمزيد من الضمانات حول الأيادي التي ستستخدم الأسلحة، كي لا تعود بالضرر في نهاية المطاف على الأوروبيين.

وتعتبر باريس أن انتخاب جربا وقبله توسيع الائتلاف بضم أعضاء جدد إليه سيساعد في «تنشيط» المعارضة السورية من غير أن يؤدي ذلك إلى رفع التحفظات الغربية عن مدها بالسلاح. وترى فرنسا التي يتابع سفيرها السابق في دمشق أريك شوفاليه ملف المعارضة عن قرب، أن مهمة رئيس الائتلاف الأولى يجب أن تكون العمل على إعادة اللحمة إلى صفوفه وحمل كافة مكوناته على العمل معا عبر تخطي عملية انتخاب الرئيس الجديد في 6 يوليو (تموز) الجاري.

وتراهن فرنسا على الجربا لتوثيق العلاقات بين جناحي المعارضة السياسي والعسكري.

وفي هذا السياق، قالت المصادر الفرنسية إن الجربا «يرتبط بعلاقات جيدة» مع اللواء إدريس الذي يريده الغربيون محاورهم العسكري الأول والجهة التي تمر عبرها المساعدات العسكرية «من غير السلاح» الموجهة إلى المعارضة بهدف «تقوية الجناح المعتدل» بوجه المنظمات الإسلامية المتطرفة كـ«جبهة النصرة» وأخواتها.

وترى فرنسا في الجربا صورة المعارض التي «يمكن تسويقها» والتي «يطمئن» إليها الرأي العالم الغربي الخائف من الكتائب الإسلامية التي ردع صعودها الميداني العواصم الأوروبية عن الاستمرار في مساعي التسليح. بيد أن باريس لا ترى أن امتناعها عن تقديم الأسلحة سيكون بمثابة «مشكلة كبيرة» للمعارضة السورية باعتبار أن السلاح «يصل إليها من مصادر أخرى» وأن بوسعها المساعدة عبر التأهيل والتدريب العسكريين، فضلا عن تقديم المساعدات والعتاد «ومن ضمنها المعدات العسكرية غير القاتلة».

ورغم أن باريس تشير في كل بياناتها إلى ضرورة «الحل السياسي» في سوريا عبر «جنيف 2»، فإن مصادرها تعتقد أنه أصبح «بعيد المنال» ما دام النظام السوري ومن يدعمه «لم يصلوا إلى قناعة حقيقية بالحاجة إلى الحل السياسي» باعتبار أن الحل العسكري «بعيد المنال».