المعارضون يقايضون وقف «تجويع حلب» بفك «حصار حمص»

تهريب المواد الغذائية داخل «جهاز تلفزيون» إلى مناطق سيطرة النظام

اعمدة دخان تتصاعد فوق مدينة حمص بعد قصفها بطائرات النظام أمس (أ.ف.ب)
TT

لا تخفي أم باسل غضبها من مقاتلي «الجيش الحر» الذين فرضوا حصارا قاسيا على سكان المناطق الخاضعة للنظام طوال الأيام الماضية. تقول: «لقد حاصرونا وكأننا عملاء للنظام.. نعم إنهم ينظرون لكل من يسكن مناطق النظام بأنهم عملاء..هل تصدق هذا؟». ونجح النظام السوري في اليومين الأخيرين في كسر هذا الحصار بإدخاله قافلة من الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية وتوزيعها بأسعار رمزية للسكان في تحد لسياسة الحصار المفروض من المعارضين مما جعل الكثير من السكان يعتبرون أن سياسة الحصار التي فرضها هؤلاء على سكان المناطق «المحتلة» جاءت بنتائج عكسية.. وأحدثت شرخا كبيرا بين سكان تلك المناطق و«الجيش الحر» كما تقول أم باسل التي جاءت من حي الحمدانية الواقع تحت سيطرة النظام لحي الشعار الذي تسيطر عليه المعارضة لتزور أقرباءها: «لم نعد نثق بهم، أصبحنا نخاف من دخول المتشددين لمناطقنا بعد أن اضطهدونا على معبر بستان القصر. يقولون لنا لا تأتوا إلى المناطق المحررة اطلبوا من (الرئيس السوري) بشار الأسد أن يوفر لكم الطعام». لم تعد أم باسل وغيرها من سكان المناطق «المحتلة» مضطرة للقدوم لمناطق المعارضة للتبضع وشراء المواد الغذائية فقد توفرت هذه المواد، بل أصبحت أسعارها فجأة أرخص من مناطق المعارضة، فمثلا تباع ربطة الخبز بـ15 ليرة (أقل من 10 سنتات)، بينما تباع بـ300 في مناطق المعارضة بعدما تمكن النظام من إدخال قافلة الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية.

وكانت انتقادات واسعة قد صدرت بعد قيام مجموعات من الجيش الحر بمنع أهالي تلك الأحياء من شراء أي مواد غذائية من المناطق المحررة في حلب ونقلها لمناطقهم على مدى الأسابيع الماضية ما أدى إلى تخفيف هذا الحصار لاحقا. ولعل المشهد الذي يتداوله ناشطون على موقع «يوتيوب» عن محاولة أحد الأشخاص تهريب بضعة كيلوغرامات من الطماطم والبطاطا داخل تلفزيون يؤشر إلى حدة الأزمة التي يعيشها السكان المدنيون في مناطق النظام الذين تظاهروا في بستان القصر الذي يعتبر أحد المعابر الفاصلة بين مناطق النظام والمعارضة ضد الجيش الحر مطالبين بكسر الحصار عنهم، مما أدى إلى مواجهات بينهم وبين عناصر «الحر» انتهى إلى إطلاق النار لتفريقهم.

يقول مقاتل من إحدى الكتائب المرابطة عند الحاجز إنهم يفرضون حصارا على «حلب المحتلة» كما يسميها ردا على حصار حمص، مضيفا: «كما يحاصرون أهلنا في حمص ويقطعون عنهم الطعام والشراب، سنحاصر مناطق النظام لنضغط عليه»، لكن هذا الكلام يثير غضبا لدى قطاعات واسعة من المعارضين والناشطين. وكتب الناشط الإعلامي أحمد كنجو على صفحته مقاله بعنوان «أليس فيكم رجل رشيد؟»، واصفا ممارسات المقاتلين علـى المعبر بأنها أقرب إلى الشبيحة. ويضيف: «ثلة من المسلحين الشبيحة على أحد الحواجز استطاعت خلال أسبوع واحد تشويه صورة ثورة عمرها أكثر من سنتين».

أما من تجرأ أكثر على الذهاب للحاجز ومطالبة المقاتلين بتخفيف الحصار فقد تعرض في كثير من الأحيان للضرب كما حصل مع الناشط لؤي أبو الجود الذي تعرض للقذف بحبتي طماطم على وجهه، وفي المرة الثانية تعرض للصفع. لكن الناشط المشاغب الذي يطلق على صفحته على موقع «فيس بوك» اسم «الإعلامي الفاشل» لم يستسلم. ويقول: «ذهبنا للتكلم مع الأمير أكلنا قتله (تعرضنا للضرب) والناس بقيت في الشارع، وفي اليوم الثاني فتحوا المعبر وسمحوا بكيلو واحد أو اثنين».

حالة الغليان هذه دفعت بمجموعة من الفصائل لعقد اجتماع لإصدار قرار بإسناد مهمة الإشراف على المعبر للهيئة الشرعية التي تضم ممثلين عن كبرى الفصائل مثل لواء التوحيد وأحرار الشام. وقال المجتمعون إنهم ينوون تشكيل لجنة للتحقيق بممارسات الكتيبة المسؤولة عن المعبر ومن ضمنها تهجم بعض أفرادها على فتاة كانت ضمن مجموعة من المتظاهرين المطالبين برفع الحصار عن الأحياء الغربية في حلب.

وكانت المجموعة التي تسيطر على المعبر وافقت على رفع الحصار جزئيا وبشروط محددة (ألا تزيد الحمولة الغذائية على بضعة كيلوغرامات) ليتوافد آلاف السكان يوميا على معبر بستان القصر لشراء المواد الغذائية، وهو معبر مرصود من قبل قناصة النظام الذين لا يتركون يوما يمر من دون تذكير المارة برصاصاتهم.

أصبح المشهد عند كل مساء صادما. آلاف النساء والرجال يحملون أكياس المواد الغذائية ويهرولون مسرعين لقطع منطقة المعبر خوفا من رصاص القناصين. إن هم تجاوزوا حاجز المعارضين وسمح لهم بإخراج أكياس الطعام، قد يطلق عليهم حاجز النظام النار «إنه معبر الموت فعلا»، كما يقول أحد الناشطين.

وكانت القصة بدأت عندما أحكم المعارضون حصارهم على مناطق في المدخل الغربي لحلب خصوصا حي الراشدين، حيث قطعت كل طرق الإمداد التي تربط النظام بدمشق واللاذقية غرب حلب وجنوبها لتنقطع المواد الغذائية عن سكان تلك المناطق في حلب الغربية والذين يقدر عددهم بمليوني إنسان.