الملك محمد السادس يدعو الحكومة إلى إعطاء الأسبقية للنمو وتوفير فرص الشغل

شكر خادم الحرمين الشريفين وقادة دول الخليج على دعم بلاده في خطاب بمناسبة عيد الجلوس المغربي

صورة وزعتها وكالة الأنباء المغربية للملك محمد السادس قبل إلقائه خطابه أمس (إ.ب.أ)
TT

دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس حكومة بلاده إلى المضي قدما، بنفس الإرادة والحزم، من أجل تحقيق المزيد من التقدم، وفق المسار القويم، الذي يسهر عليه شخصيا، وإلى إعطاء الأسبقية لكل ما يحفز على النمو وتوفير فرص الشغل.

وقال الملك محمد السادس، في خطاب وجهه أمس إلى الشعب المغربي بمناسبة الذكرى الـ14 لعيد الجلوس، إن الحكومة الحالية «وجدت، بين يديها، في المجال الاقتصادي والاجتماعي، إرثا سليما وإيجابيا، من العمل البناء، والمنجزات الملموسة. ومن ثم لا يسعنا إلا أن نشجعها على المضي قدما، بنفس الإرادة والعزم، لتحقيق المزيد من التقدم، وفق المسار القويم، الذي نسهر عليه».

وذكر الملك محمد السادس بالتقدم الكبير الذي حققه المغرب على مستوى البنيات. وأكد في هذا السياق، التزامه بتشجيع الاستثمار، وجدد الدعوة للحكومة، لإعطاء الأسبقية لكل ما يحفز على النمو وتوفير فرص الشغل، في تكامل بين متطلبات الاستهلاك المحلي، وبين قابلية الإنتاج للتصدير، بما يعنيه ذلك من انعكاسات إيجابية على ميزان الأداءات.

وأشار الملك محمد السادس إلى أنه عمل منذ اعتلائه العرش، على إطلاق الكثير من الأوراش الاقتصادية والاجتماعية، في موازاة مع الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، في تجاوب مع تطلعات الشعب المغربي، مؤكدا أن كرامة المواطن المغربي وازدهاره، كانا في صلب اهتمامه.

وأوضح ملك المغرب أن هذا العمل كان «مسيرة متواصلة، قوامها مبادرات جريئة، وأعمال حازمة، ومقاربات تشاركية، مع الاستغلال الأنجع لكل الإمكانات المتاحة»، مؤكدا أن كل الحكومات السابقة عملت طوال هذه المسيرة، وبتوجيهات منه، على تكريس جهودها لبلورة رؤيته التنموية والإصلاحية.

وذكر الملك محمد السادس كذلك بانكباب المغرب منذ سنوات، على تنمية مهن صناعية عالمية، في إطار مخطط «إقلاع» الذي أعطى نتائج تشجع على الاستمرار في نفس النهج، داعيا الحكومة إلى توفير الظروف الملائمة لتنويع وتوسيع النسيج الصناعي المغربي وفق سياسة إرادوية تقوي الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وأشار العاهل المغربي إلى أن تمكين المغرب من إنتاج الطاقات المتجددة يندرج في نفس التوجه، حيث جاء، من هذا المنطلق، تنفيذ برنامج الطاقة الشمسية، المتمثل في انطلاق أوراش بناء «مجمع النور بورزازات»، بموازاة الاستحقاقات المسجلة، في إطار الطاقة الريحية. وقال إن هذه الأوراش، علاوة على أهميتها البيئية، ستجعل المغرب أقل تبعية للطاقات المستوردة، مما يتطلب سياسة تكوين ناجعة، وتطوير الكفاءات الوطنية، وهو ما سيساعد على تفعيل الميثاق الوطني للبيئة. من جهة أخرى، قال الملك محمد السادس إن القطاع السياحي المغربي استطاع على الرغم من الأزمة المالية العالمية أن يحمي نفسه من تداعياتها السلبية، بفضل الجهود والمبادرات التي سهر شخصيا على تفعيلها خلال السنوات الأخيرة، مؤكدا أن من شأن ذلك أن يحفز جميع الشركاء والفاعلين في هذا القطاع من أجل تحقيق رؤية 2020.

وفي المجال الفلاحي، قال الملك محمد السادس إنه انطلاقا من حرصه على تجسيد رعايته السامية لصغار الفلاحين، فإنه سيظل يخصهم بالاستثناء الضريبي. وأضاف: «لقد عمل برنامج (المغرب الأخضر) على تحديث القطاع الفلاحي، آخذا بعين الاعتبار، الاهتمام الموصول بصغار الفلاحين من أجل تحسين ظروفهم المعيشية. وحرصا منا على تجسيد رعايتنا لهذه الفئة، فإننا سنظل نخصها بالاستثناء الضريبي، الذي سينتهي العمل به في آخر السنة الجارية بالنسبة للاستثمارات الفلاحية الكبرى، وسوف نحتفظ بسريان هذا الاستثناء على الفلاحة المتوسطة والصغرى».

وأضاف العاهل المغربي أن اعتماد استراتيجية فلاحية متقدمة «ينبع من إيماننا الراسخ بأهمية هذا القطاع الحيوي. وإننا لنحمد الله على ما أنعم به علينا هذه السنة من أمطار الخير وما نتج عنها من محاصيل وافرة».

ودعا ملك المغرب إلى إحداث وكالة خاصة تعمل على ملاءمة الاستراتيجية الفلاحية مع محيط المجال الترابي لساكنتها، ولا سيما في المناطق الجبلية التي تعرف تخلفا في استغلال الأراضي، وذلك في تكامل تام مع برامج التهيئة المجالية.

وأشار الملك محمد السادس إلى أنه في إطار نفس التوجه جرى العمل على النهوض بقطاع الصيد البحري، من خلال مخطط «أليوتيس»، الذي حقق تقدما ملموسا واعدا يتعين دعمه. وشدد العاهل المغربي على القول إن الهدف الأساسي من النمو الاقتصادي يظل هو تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي أساس التماسك الاجتماعي وعلى صعيد آخر، أشار ملك المغرب إلى أنه يتعين اعتبار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقها عام 2005، ورشا متطورا باستمرار، لكونه خارطة طريق لرؤية تنموية شاملة ومقدامة، لا تقتصر فقط على الفئات الفقيرة والأسر المعوزة، وإنما تنفتح على كل الأوراش التنموية الهادفة إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، مؤكدا ضرورة تقوية وتوسيع البرامج الحالية لهذه المبادرة، بآليات أخرى، تعطي الأولوية للمشاريع المدرة للدخل.

ونوه العاهل المغربي بالنتائج غير المسبوقة للبرامج الوطنية المؤطرة في مجال مكافحة الأمية، ولا سيما التي أطلقها شخصيا بالمساجد منذ سنة 2004، مشيرا إلى أن عدد المستفيدين هذه السنة سيبلغ نحو مليون ونصف المليون، وهو ما يعني تمكينهم من الانخراط في التنمية الشاملة لبلادهم.

وفي المجال الثقافي، قال الملك محمد السادس إن القطاع الثقافي يتعين عليه أن يجسد التنوع الذي يميز المغرب، موضحا أنه «لما كان المغرب غنيا بهويته، المتعددة الروافد اللغوية والإثنية، ويملك رصيدا ثقافيا وفنيا جديرا بالإعجاب، فإنه يتعين على القطاع الثقافي أن يجسد هذا التنوع ويشجع كل أصناف التعبير الإبداعي، سواء منها ما يلائم تراثنا العريق أو الذوق العصري، بمختلف أنماطه وفنونه، في تكامل بين التقاليد الأصيلة والإبداعات العصرية».

وقال العاهل المغربي إن «حفاظنا على هويتنا وصيانتها من مخاطر الانغلاق والتحريف، لن يتم إلا بالفهم السليم لديننا، ومن ثم ما فتئنا، منذ اعتلائنا العرش، حريصين، بصفتنا أميرا للمؤمنين وحاميا لحمى الملة والدين، على صيانة الهوية الإسلامية لشعبنا، باعتبارها تشكل نموذجا مغربيا متميزا في الممارسة للإسلام، عقيدة سمحة ووحدة مذهبية مالكية، قائمة على الوسطية والاعتدال».

وأضاف أنه، تفعيلا لهذا التوجه «قمنا بإطلاق استراتيجية للنهوض بالشأن الديني، عززناها بخطة (ميثاق العلماء)، جاعلين في مقدمة أهدافها، توفير الأمن الروحي للمملكة والحفاظ على الهوية الإسلامية المغربية».

ودعا الملك محمد السادس إلى التجند من أجل إيصال إصلاح المنظومة القضائية إلى محطته النهائية. وأعرب عن ارتياحه للتوصل إلى ميثاق لإصلاح المنظومة القضائية، مؤكدا أن كل الظروف الملائمة توافرت لهذا الإصلاح.

وقال العاهل المغربي مخاطبا الشعب المغربي: «ما فتئنا منذ تولينا أمانة قيادتك، نضع إصلاح القضاء، وتخليقه وعصرنته، وترسيخ استقلاله، في صلب اهتماماتنا، ليس فقط لإحقاق الحقوق ورفع المظالم. وإنما أيضا لتوفير مناخ الثقة، كمحفز على التنمية والاستثمار».

وأضاف «نسجل بارتياح التوصل إلى ميثاق لإصلاح المنظومة القضائية. حيث توافرت له كل الظروف الملائمة. ومن ثم، فإنه يجب أن نتجند جميعا، من أجل إيصال هذا الإصلاح الهام، إلى محطته النهائية».

وأكد عاهل المغرب أنه مهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما جرى وضعه من نصوص تنظيمية، وآليات فعالة، فسيظل «الضمير المسؤول» للفاعلين فيه، هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته.

وتحدث الملك محمد السادس عن قضية الصحراء، وقال إن القرار الأخير لمجلس الأمن أكد، بصفة حازمة، المعايير التي لا محيد عنها، للتوصل إلى الحل السياسي التوافقي والواقعي. وأضاف أن هذا القرار يبرز، بصفة خاصة، البعد الإقليمي لهذا الخلاف وكذا مسؤولية الجزائر التي تعد معنية به، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى القانوني الإنساني المتعلق بالوضعية المهينة لمخيمات تندوف.

وأوضح ملك المغرب أنه، وعملا بنفس القرار، يتعين أن لا يتم التعاطي مع مسألة حقوق الإنسان إلا من خلال الآليات الوطنية، وخاصة المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يحظى بالمصداقية الدولية، وبمبادرات سيادية قوية تتفاعل إيجابيا مع المساطر الخاصة للأمم المتحدة.

وأكد الملك محمد السادس أن «المغرب، وفي مواجهة الموقف المتعنت للأطراف الأخرى، لإبقاء الوضع على ما هو عليه، وكذا حملاتها التضليلية، سيعمل على مواصلة الدينامية التي أطلقها على الصعيد الداخلي، التي تسعى في المقام الأول إلى تحقيق المزيد من الحكامة الاقتصادية والاجتماعية الجيدة، من خلال النموذج التنموي الجهوي الذي يسهر على إعداده المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والذي نتطلع إلى تفعيله بكل نجاعة والتزام».

وتتضمن هذه الدينامية في المقام الثاني، يضيف العاهل المغربي، تعزيز الحكامة الترابية والمؤسساتية، عبر الاستثمار الأمثل للآفاق التي تتيحها الجهوية المتقدمة. أما في المقام الثالث، فستعنى هذه الدينامية بتحسين الحكامة السياسية الأمنية لحماية الحريات الفردية والجماعية للمواطنين وللممتلكات، وذلك في إطار مراعاة المقتضيات والضمانات التي يكفلها القانون. وشدد ملك المغرب على القول إن هذا المسار المنصف والوجيه، يتطلب، من حيث طبيعته وأبعاده، تعبئة كافة القوى الحية ومواكبتها للجهود التي تبذلها السلطات العمومية في هذا المجال.

وأشار الملك محمد السادس إلى أنه جرى تحقيق المزيد من التعاطف الدولي مع قضية المغرب الأولى، على أساس الإلمام بحيثياث وملابسات وحدته الترابية، الأمر الذي يتجلى في الدعم المتنامي للمبادرة الوجيهة للمملكة والمتمثلة في الحكم الذاتي.

وأشار الملك محمد السادس إلى أن المغرب ما فتئ يعمل على نهج سياسة دولية متوازنة تمكن بفضلها من تقوية علاقاته مع شركائه التقليديين وفتح آفاق جديدة وواعدة مع الشركاء الجدد.

وقال الملك محمد السادس إن المغرب ما فتئ «منذ اعتلائنا العرش، يعرف على مستوى علاقاته الخارجية، تطورا موصولا وتقدما ملحوظا، في انسجام تام مع مختلف السياسات العمومية، التي ينهجها في الداخل. وفي هذا السياق، لم نزل نعمل على نهج سياسة دولية متوازنة، متعددة الاتجاهات، حيث تمكنا من تقوية علاقاتنا مع شركائنا التقليديين بصورة ملموسة ومن فتح آفاق جديدة وواعدة مع الشركاء الجدد».

وأضاف أنه، في هذا الإطار، ظل المغرب يتطلع إلى انبثاق نظام مغاربي جديد يمكن دوله الخمس من بناء مستقبل مشترك تجسده على أرض الواقع آليات التكامل والاندماج وحرية الانتقال للأشخاص والأموال والممتلكات، بعيدا عن افتعال المعيقات وفرض الشروط، وذلك في تناغم مع التغيرات التي عرفتها الساحة الإقليمية.

وأكد أن المغرب تحدوه نفس القناعة، فيما يخص العالم العربي، حيث يسعى، بتوافق مع جميع دوله، إلى بلورة منهجية جديدة للعمل العربي المشترك.

وفي هذا السياق، يضيف الملك محمد السادس: «قررنا بمناسبة زيارتنا لبلدان مجلس التعاون الخليجي، إرساء قواعد شراكة استراتيجية بين المملكة وهذه المجموعة الإقليمية المنسجمة والواعدة، مسجلين بكل ارتياح النتائج الإيجابية الأولى لهذه الشراكة».

ووجه العاهل المغربي عبارات الشكر والامتنان على قرار الدعم المالي للمغرب، «من لدن إخواننا المبجلين: خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية، وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، وكذا صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وخلفه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر. هذا الدعم المتمثل في تقديم هبة مليار دولار سنويا للمغرب على مدى خمس سنوات وعلى تفعيل هذا القرار».

وبخصوص القضية الفلسطينية، قال العاهل المغربي إنه ما فتئ يواصل جهوده على رأس لجنة القدس للدفاع عن هذه القضية العادلة من أجل أن يعيش الشعب الفلسطيني الشقيق ضمن دولة مستقلة داخل أراضيه على أساس مبادرة السلام العربية، مؤكدا أنه يتابع دعمه والتزامه بالحفاظ على الهوية الحضارية والدينية لمدينة القدس الشريف، ولا سيما من خلال لجنة القدس والذراع الميداني لها، «وكالة بيت مال القدس»، التي تقوم بإنجاز الكثير من المشاريع الملموسة.

وتوقع العاهل المغربي أن تحقق هذه الوكالة أكثر ما يمكن من النفع العام إذا ما تلقت الدعم المادي من مختلف الدول الإسلامية، طبقا للالتزامات المشتركة التي تعهدت بها هذه الدول عند إنشاء هذه الوكالة المتخصصة.

وبخصوص الأزمة السورية، قال الملك محمد السادس: «نود التأكيد باسم المغرب، على تضامنه مع الشعب السوري الشقيق الذي يعاني مآسي الصراع الدموي الرهيب والمدمر، مؤيدين لخياراته المصيرية ووحدته الترابية. كما نقف إلى جانب جمهورية مالي الشقيقة في الحفاظ على وحدتها الترابية وخيارها الوطني في صيانة هويتها من التطرف والنزوعات الإرهابية. وسنواصل عملنا وفق هذه التوجهات الدبلوماسية المغربية المرتكزة على آليات التعاون المتجددة المتأقلمة مع المتغيرات الدولية».