وزارة الدفاع التونسية لـ «الشرق الأوسط»: مقاومة الإرهاب لها ثمن

مصادر أمنية ترجح انتماء منفذي عملية اغتيال العسكريين إلى جماعة «الإرهابي كمال بن عربية»

الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يساعد في حمل نعش أحد الجنود الذين قتلوا في أحداث الشعانبي بمحافظة القصرين التونسية أمس (أ.ب)
TT

قال العميد توفيق الرحموني، الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية، في تصريح خص به «الشرق الأوسط»، إن المؤسسة العسكرية في تونس «تدرك جيدا أن مقاومة الإرهاب لها ثمن.. وتتطلب التضحية والصبر والمثابرة وطول النفس» مضيفا أن «قوات الجيش الوطني التونسي لن تدخر أي جهد للدفاع عن استقرار تونس وأمن شعبها».

وفي معرض حديثه عن تفاصيل العملية التي أدت إلى مقتل ثمانية عسكريين وجرح ثلاثة آخرين من قوات الجيش التونسي أول من أمس الاثنين في جبل الشعانبي (محافظة القصرين 300 كم جنوب غربي العاصمة التونسية)، قال العميد توفيق الرحموني، لـ«الشرق الأوسط»، إن «العناصر الثمانية لدورية عسكرية قتلوا بعد تعرضهم لكمين من مجموعة مسلحة في حدود الساعة السادسة والنصف بعد الزوال في منطقة التلة، في حين جرح ثلاثة عسكريين آخرين بعد انفجار لغم تحت العربة العسكرية التي كانت تقلهم وهم في طريقهم لدعم المجموعة الأولى. وقد غادر اثنان منهم المستشفى وتم الاحتفاظ بالثالث لمواصلة العلاج».

وأكد الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض جثث عناصر الدورية الذين قتلوا قد تم التنكيل بها.. كما تم الاستيلاء على المعدات التي كانت بحوزة أفراد الدورية». وحول هوية أفراد هذه المجموعة، وجنسياتهم قال العميد توفيق الرحموني لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن نسبق الأحداث، ولا تزال الأبحاث والتحريات وجمع المعلومات جارية لتحديد عدد أفراد المجموعة المسلحة وجنسياتهم، والجهة التي ينتمون إليها».

وحول ما إذا كانت هذه المجموعة قد تسللت إلى جبل الشعانبي حديثا، أو أنها متحصنة بهذه المرتفعات منذ مدة، قال الناطق الرسمي باسم الوزارة لـ«الشرق الأوسط»: «الفرضيتان قائمتان، وهذا ما ستبينه الأبحاث والتحريات الجارية». وبالنسبة لخطة الجيش التونسي لمواجهة مثل هذه العمليات في المستقبل قال العميد توفيق الرحموني إن «عمليات التمشيط والمراقبة ستتواصل للتصدي لكل من يهدد استقرار تونس وأمن شعبها».

من جهة أخرى، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة بوزارة الدفاع التونسية أن مواكب دفن العسكريين الذي قتلوا في هذه العملية ستتم في مسقط رؤوسهم بعدد من المحافظات التونسية، بناء على رغبة عائلاتهم، وذلك بحضور مسؤولين سامين من الجيش الوطني التونسي (وقد جرت بعض مواكب الدفن هذه منذ أمس)، وذلك بعد أن انتظم أمس موكب تأبين جماعي للضحايا الثمانية بالثكنة العسكرية بالقصرين، حضره الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي وعدد من أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين في الجيش التونسي.

وتنقل المرزوقي بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة رفقة وزير الدفاع الوطني وقائد أركان جيش البر، للإشراف على موكب تأبين أقيم للعسكريين الضحايا في الثكنة العسكرية بالقصرين مسرح الجريمة الإرهابية. ودعا المنصف المرزوقي الفرقاء السياسيين في تونس إلى الارتقاء «لتضحيات الجيش» في أعقاب الهجوم الإرهابي أمس، والذي أدى إلى مقتل ثمانية جنود في جبل الشعانبي غرب البلاد.

كما حث المرزوقي، في كلمة تأبينية خلال موكب انتظم اليوم في ثكنة عسكرية في مدينة القصرين غرب تونس، الطبقة السياسية على ضرورة الكف عن التجاذب والتشاجر والانتباه لطلبات الشعب والقيام بدوره في الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم بث الفرقة. وقال الرئيس التونسي «سنواصل العمل من أجل هزم العصابات الإرهابية التي انخرطت في الحال الخاطئ، ونحن على ثقة من الانتصار عليها».

ورجحت مصادر أمنية أن تكون المجموعة الإرهابية التي نفذت العمل الإرهابي ضد العسكريين التونسيين في جبال الشعانبي تابعة للإرهابي كمال بن عربية المكني بـ«الياس أبو فيلدا» الذي ألقت قوات الأمن الجزائرية القبض عليه مؤخرا. وقالت مصادر أمنية جزائرية لإذاعة «موزاييك إف إم» التونسية الخاصة، إن الجماعة الإرهابية المكونة من جزائريين وتونسيين تعمل تحت إمرة كمال بن عربية، وهي تستهدف قوات الأمن والجيش على الحدود بين البلدين، وقد تكون العملية رد فعل على عملية القبض على زعيمها بن عربية.

وذكرت مصادر عسكرية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن العملية قد تكون موجهة رأسا إلى رئيس أركان جيش البر المعين منذ فترة قليلة، وذلك على خلفية مساهمته الحاسمة في إخماد أحداث سليمان التي جرت جنوب العاصمة التونسية نهاية سنة 2007. وأضافت المصادر نفسها أن الكمين الذي استهدف العسكريين في جبل الشعانبي قد نصب لفرقة الكوماندوز التي تدرب فيها الجنرال محمد الصالح الحامدي، ولم يوجه الإرهابيون عملياتهم نحو بقية الفرق العسكرية التي تجري دوريات أمنية بشكل يومي.

وحول هذا الحدث الإرهابي الذي استهدف قوات الجيش وطبيعة التنظيم الإرهابي الذي نفذ العملية، قال اعلية العلاني، المتخصص في الجماعات الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه التنظيمات الجهادية متشابكة، وهي لا تعترف بالحدود وتنسق عملياتها جيدا، ولها ما يكفي من الإمكانيات المادية، وهي تفتح أبوابها لجهاديين من تونس والجزائر وبقية دول المغرب العربي. وأشار إلى عملية «عين أميناس» التي جرت جنوب الجزائر، وقال إن التدخل العسكري في مالي قد أعاد الكثير من الجهاديين إلى بلدانهم محملين بخبرة عسكرية وتدريب من أعلى مستوى ومعهم أسلحتهم، وربط بين هؤلاء وما يحدث على الحدود بين تونس والجزائر. وعن تداعيات هذه العمليات الإرهابية قال إنها قد تعمق الانشقاق السياسي بين التونسيين لكنها كذلك قد تفتح أعينهم حول مخاطر الإرهاب وتوحدهم ضد هذه الآفة التي لا وطن لها على حد تعبيره.

وبشأن حالة جثث العسكريين التونسيين، قال الشاذلي المفقودي (طبيب بقسم الإنعاش بالمستشفى الجهوي بالقصرين) إن عدد الجنود الذين لقوا حتفهم على أثر الكمين الذي تعرضوا له قبل موعد الإفطار من قبل إرهابيي الشعانبي، كانوا ثمانية، وهذا خلافا لأنباء أخرى قدرت عدد الضحايا في حدود العشرة. وأشار المفقودي، في تصريحات محلية، إلى أن جميع الجثث قد تعرضت للطلق الناري الكثيف، وقال إن «الجثث التي تعرضت للذبح عددها خمس، وقد تعرضت للتنكيل والطعن بآلات حادة». وأضاف أن الجنود وصلوا المستشفى منزوعي الثياب قائلا «شبه عراة»، ورجح أن يكون الطلق الناري قد سبق عملية الذبح.

وعلى أثر الاستيلاء على أزياء العسكريين الضحايا، حذرت وزارة الدفاع التونسية، في بيان أصدرته صباح أمس، من إمكانية حصول عملية إرهابية كبرى يتم فيها استعمال الأزياء العسكرية والمعدات التي تم الاستيلاء عليها ليلة الاثنين. وقالت الوزارة إن عدد العسكريين الذين تعرضوا للاغتيال ثمانية، كما جرح أربعة آخرون، قبيل موعد الإفطار، في كمين محكم، رميا بالرصاص، وخمسة منهم ذبحا من قبل جماعات إرهابية مسلحة.

وقالت الوزارة إن قوات كوماندوز الجيش الوطني تبادلت إطلاق نار مع الإرهابيين، إلا أن الهجوم المباغت وإطلاق النار المكثف أدى إلى استشهاد الجنود الثمانية. ودعت الوزارة في بيانها القيادات الأمنية والعسكرية إلى أخذ الحيطة والانتباه حتى لا تتمكن الجماعات المسلحة من التسلسل باستعمال الأزياء المسروقة.

من جهتها، أعلنت حركة النهضة استعدادها لـ«توسيع القاعدة السياسية للحكم» في تونس للخروج من الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، إلا أنها أكدت رفضها «استغلال الجريمة للانقلاب على الشرعية».

وقالت حركة النهضة في بيان مشترك صدر عنها وعن أحزاب سياسية صغيرة أغلبها إسلامي التوجه: «نؤكد على أهمية التوافق وضرورة الحوار في نطاق التمسك بأهداف الثورة وبأسس الدولة الديمقراطية والمدنية وضرورة توسيع القاعدة السياسية للحكم».

وأضافت: «ندعو إلى بناء ائتلاف وطني واسع لاستكمال إنجاز أهداف الثورة ومهام مرحلة الانتقال الديمقراطي».

وقالت: «نتمسك بالمجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) كأساس للشرعية الناتجة عن الانتخابات المعبرة عن الإرادة العامة والحرة للشعب»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وتابعت: «ندعو المجلس الوطني التأسيسي إلى الإسراع بالمصادقة على الدستور والقانون الانتخابي لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في أقرب الآجال».

وقالت: «نرفض جر البلاد إلى العنف ومخططات تعطيل إنجاز مهام المرحلة الانتقالية كما نرفض استغلال الجريمة للانقلاب على الشرعية».

من جانبه، طالب حزب التكتل التونسي العلماني (يسار الوسط) المتحالف مع الإسلاميين في السلطة، أمس، بتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد مقتل ثمانية جنود في منطقة ينشط فيها تنظيم القاعدة. وأعلن حزب التكتل في بيان أن «الوحدة الوطنية واجب على جميع أبناء الشعب التونسي من كل الاتجاهات السياسية. ندعو جميع الأحزاب والمنظمات إلى تحمل مسؤولياتها حيال الشعب التونسي وإلى تشكيل حكومة وحدة وطنية». إلا أن الحزب الذي يرأسه رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، لم يوجه أي إنذار إلى حزب النهضة الذي يرأس الحكومة ولم يطرح إمكان انسحابه من الحكومة الحالية.