نبيل فهمي: أولى جولاتي عربية أفريقية.. وهناك فرق بين الدولة المصرية وأمة «الإخوان»

وزير خارجية مصر في حوار مع «الشرق الأوسط»: ما نقوله للغرب إن الأمن القومي المصري كان مهددا بشكل لا يمكن السكوت عليه

TT

أول ما يستوقف النظر لدى دخول المبنى الأنيق لوزارة الخارجية المصرية المطل على النيل هو العلم المصري الكبير الملفوف على مبنى وزارة الخارجية، والذي يعكس طبيعة المرحلة التي تمر بها مصر، والتي أصبح عاديا أن ترى فيها العلم المصري مرفوعا من شرفات منازل عادية فقيرة وغنية على امتداد القاهرة. وهي فترة يصفها نبيل فهمي، وزير خارجية الحكومة الانتقالية المصرية، بأنها صحوة مجتمعية مصرية، من دون أن يغفل الإشارة إلى التحديات والصعوبات.

وربما لم يمر على مصر منذ 1967 وزير خارجية تواجهه حزمة ثقيلة من التحديات مثل التي يواجهها وزير خارجية الحكومة الانتقالية نبيل فهمي الذي تولى المسؤولية في ظروف دقيقة داخليا وخارجيا بعد 30 يونيو (حزيران) الماضي وبعد خروج ملايين إلى الشوارع وعزل الرئيس السابق محمد مرسي.

يعترف نبيل فهمي، السفير السابق في واشنطن وطوكيو والذي تفرغ للعمل الأكاديمي في الجامعة الأميركية كأحد عمدائها بعد تركه الوزارة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بأن المهمة والتحديات ثقيلة في فترة الحكومة الانتقالية وعمرها المفترض تسعة أشهر. لكنه يؤكد في حوار أجرته «الشرق الأوسط» معه في مكتبه بالقاهرة أنه قبل التكليف مباشرة من دون تردد رغم أنه رفض تولي الوزارة ثلاث مرات في السنوات الماضية، مرة في عهد نظام الرئيس السابق حسني مبارك، ومرتين في الفترة الانتقالية التي لحقت 25 يناير (كانون الثاني) 2011، لكنه هذه المرة قبل مباشرة إحساسا منه بالمسؤولية الوطنية. واللقاء جاء وسط زيارة المفوضية العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، ووفد لجنة الحكماء الأفريقيين للقاهرة ولقائهم الرئيس السابق محمد مرسي في مكان احتجازه، وهي مسألة لم تكن مريحة بين الشارع المصري الحساس للتدخلات الأجنبية، وكان لا بد من سؤاله عن ذلك، فكانت إجابته «أردنا إظهار أنه لا شيء نخفيه، ويجب ملاحظة أن السماح بلقائه تم منحه أولا قبل أي أحد لوفد حقوقي مصري قبل أيام». وإلى نص الحوار:

* في مقال أخير لك قبل توليك مسؤولية وزارة الخارجية مباشرة وقبل 30 يونيو، تحدثت عن المشكلة السياسية التي تواجهها مصر، وأشرت إلى ارتباكات المرحلة الانتقالية الأولى بعد 25 يناير، وأنه كان هناك فهم خاطئ لمسألة الديمقراطية في مصر.. هل ترى أن ذلك بدأ يُعدل بعد 30 يونيو، أم أن المسألة ستأخذ وقتا وترتبط بدرجة التطور المجتمعي؟

- الحقيقة أن الديمقراطية عملية غير منظمة، وطبيعتها أن تكون فيها مراحل تصحيح مختلفة من الممارسة، فلو نظرنا إلى الدول الديمقراطية الراسخة نجد أنهم كانوا يقومون بتعديل الدستور بين الحين والآخر ويطورون قوانينهم حتى المتعلقة بحقوق الإنسان مع مرور الوقت. المثال على ذلك لو أخذنا الولايات المتحدة، فالدستور الأميركي كان يعامل الأميركي من أصل أفريقي على أنه مواطن ناقص الحقوق، ثم في الستينات أجريت تعديلات كثيرة في القوانين في ما يتعلق بالمساواة بين حقوق المواطنين. إذن الديمقراطية بطبيعتها حراك سياسي في منظومة متكاملة المعايير، وهي ليست عملية مستقرة، فعندما تبدأ هذه العملية من الطبيعي أن تكون هناك خطوة إلى الأمام ثم كبوة ثم تصحيح المسار، وتزداد هذه الخطوات إلى الأمام وتقل الكبوات إذا رتبت خطواتك بالشكل السليم.

أول شيء مطلوب تعريف الشخصية السياسية للمجتمع والمقصود بذلك الدستور، ومن الطبيعي أن تكون الشخصية سياسية للمجتمع متوائمة مع العصر، فمن الطبيعي أن تختلف في القرن الحادي والعشرين الشخصية السياسية للمجتمع المصري عنها قبل 7 آلاف عام.

وعندما تحدد هذه الشخصية تستطيع بعد ذلك أن تنتخب رئيسا أو رئيس وزارة وتختار نظاما جمهوريا أو ملكيا أو برلمانيا أو علمانيا، وإذا حدث وأخطأت ستخطئ في إطار التفاهم المجتمعي الموجود حسب معايير الدستور، فأنت من حقك أن تحكم بشكل معين، بينما حق المواطن محدد، وإذا جاء رئيس سليم فسيتقدم بالبلاد إلى الأمام من دون كبوات كبيرة. ما حدث في مصر أننا خرجنا من ثورة تدعو إلى تغيير شامل في 2011 ومن أهم خصائصها أن الريادة فيها كانت للشباب، فهناك 65 في المائة من الشعب المصري أقل من 25 عاما، والشباب من صفاته أنه أولا يريد التغيير ويريد النظرة إلى الأمام.. إذن هي ثورة ضد أسلوب الحكم، وثورة ضد الواقع، ورغبة في تعريف المستقبل.

أول خطأ وقعنا فيه أننا قررنا الدخول في انتخابات برلمانية ورئاسية قبل وضع الدستور، ووجدنا أننا انتخبنا برلمانا وانتخبنا رئيسا، بينما لم تكن هناك الحدود الطبيعية التي تضع الرؤى، فانتخب الرئيس ديمقراطيا، لكنه لم يحكم بالديمقراطية، وأراد أن يضع صورة واحدة وهوية سياسية واحدة للمجتمع المصري، في حين أن الهوية السياسية المصرية والهوية المجتمعية المصرية فيها تيار الإسلام السياسي وفيها التيار السياسي العلماني وفيها المسلم وفيها غير المسلم وفيها توجهات سياسية مختلفة. ولا يحق لأحد أن يضع نظاما سياسيا يتم فيه إقصاء الآخر. هذا في رأيي هو أساس المشكلة وأساس وسبب الثورة على نتائج الثورة الأولى. الثورة الأولى فتحت الباب للمجتمع، وللأسف تيار الإسلام السياسي اقتنص هذه الفرصة وفاز بالرصيد الانتخابي على الأقل، ولم يع جيدا أن ثورة 2011 كانت للتعبير عن الرغبة في المشاركة في تحديد المستقبل، فعندما حاول أن يحددها بنفسه قامت عليه الثورة مرة أخرى. ويجب ألا نقلل من أهمية ما حصل في 30 يونيو، فقد خرج ما لا يقل عن 20 مليون مواطن، والتقديرات أنهم أكثر من ذلك بكثير، وهذا يعني أن 40 في المائة ممن لهم حق التصويت في مصر خرجوا إلى الشارع. لو خرج 50 مليون أميركي وساروا في اتجاه الكونغرس الأميركي، أو خرج 30 مليون بريطاني أو أي دولة أوروبية أخرى فمن الطبيعي أن الحكومة كانت ستنهار وستتغير. الرئيس السابق (مرسي) قرر أنه لن يتأثر بذلك، ومن ثم ما هي أدوات التغيير؟! وهذا اللي حصل.

* الحجة المضادة التي تقدم ضد هذا الطرح تنتقد ما يوصف بديمقراطية الشارع التي تعتمد على الحشود في الميادين، ويقال لماذا لم ينتظر المصريون الفرصة المقبلة ليغيروا من خلال الانتخابات وصناديق الاقتراع؟

- ما حدث أمر طبيعي جدا، فأولا نحن في مرحلة انتقالية بعد ثورة، والمجتمع أراد أن يحقق أرضية ديمقراطية سليمة لكي يشارك فيها.. هذا أول شيء، والشيء الآخر أنه خلال العام الذي تولى فيه الرئيس مرسي الرئاسة كان يقوم بإقصاء الآخر كلية. من أعد الدستور الملغى كان التيار الإسلامي وحده. ومجلس الشورى كان مكونا من تيار الإسلام السياسي وحده ما عدا أعدادا بسيطة جدا من خارجه. والتعيينات في أماكن مختلفة كلها جاءت من التيار الإسلامي. إذن لو تركته (الرئيس) يستمر في إقصاء الغير أربع سنوات ستكون هوية الدولة المصرية وأمنها القومي مهددين. وكانت هناك تصرفات خارجية أيضا كانت تشكل خطورة بالغة. هناك فرق بين الدولة المصرية وأمة «الإخوان المسلمين».. هناك فرق جوهري بين الاثنين. تيار الإخوان المسلمين يمكن أن يكون له مكان ودور في الدولة المصرية وفقا لمنظومة الحكم، إنما لا يمكن أن يكون بديلا عن الدولة.

* هذا يقودنا إلى سؤال آخر وهو أنه يقال إن «الإخوان» لهم هوية وآيديولوجية مختلفة عن مسألة الدولة والهوية الوطنية.. كيف يمكن أن يحصل حوار ومصالحة ما لم يتغير ذلك؟

- وضع الدستور أولا سيكفل أن يحكم الجميع في إطاره، بمعنى أن العلماني لن يستطيع أن يجنح بالعلمانية إلى أقصى تفسير لها بما يتناقض مع تقاليد المجتمع. وتيار الإسلام السياسي - وأقصد «الإخوان» - لن يستطيع أن يجنح إلى أقصى تفسير لتيار الإسلام السياسي. وإذا كان هناك تمسك من «الإخوان المسلمين» بمفهوم الأمة السياسية الإسلامية وليس الدولة المصرية سيكون هناك من دون شك تعارض جوهري، فلا بد من قبول أن هناك دولة لها دستور ونظام حكم. وهذه هي مشكلة الجيل القديم في «الإخوان»، والدليل على ذلك التمسك بالعنف وما نشهده ونسمعه. أما إذا كان هناك البعض من جيل الوسط أو جيل الشباب من يرغب في تبني بعض برامج ومبادئ «الإخوان المسلمين» في إطار منظومة الدولة بدلا من الانعزال عن الدولة ومن دون إقصاء أحد فأهلا به.

وتحضرني قصة شخصية هي أنني أثناء ثورة 2011 التقيت ببعض شباب الإخوان المسلمين وغيرهم من الشباب من خارج التيار، بمن فيهم سيدات وأقباط وغيرهم، وتحدث شاب من «الإخوان المسلمين» ببراعة وبشكل جذاب للغاية، فسألته بعض الأسئلة فرد علي قائلا «أنا إخوان مسلمين وملتزم بذلك، وإنما هؤلاء شركائي في هذه الثورة». فهذا الشاب قبل أن يكون الآخرون لا ينتمون إلى نفس التيار إنما لهم مكان في الدولة، وهو له مكان أيضا. إذا حدث هذا (المفهوم الذي تحدث به الشاب الإخواني) فلهم مكان، أما إذا كان التعريف أنهم الأمة الإسلامية المصرية أو مصر فلا مكان لهم.. ومع ذلك فالدعوة مفتوحة لهم وستظل، ولكن وفقا لمنظومة الدولة.

* هل تشعر بأن هناك مشكلة بين النخبة المصرية قادت إلى هذه الارتباكات والنتائج قبل وبعد 2011؟

- لا شك أن النخبة في الحكم وخارجه مسؤولة قبل 2011، فالمجتمع كان قد وصل إلى طريق مسدود، والصدام كان قادما قادما، والفرق فقط كان مسألة التوقيت. والنخبة أيضا مسؤولة بعد 2011 عما وصلنا إليه في 2013، وأقصد النخبة في الأغلبية والنخبة في المعارضة، فلو كانت الأغلبية أيقنت أن لها حق إدارة البلاد ولكن ليس لها حق السطوة على البلاد وعليها مسؤولية تمثيل الأقلية قبل الأغلبية لم وصلن لذلك. الفوز في الانتخابات هو عبارة عن رخصة للقيادة وفقا لطريق محدد هو الدستور. لك في برامجك أن تحدد سرعة السيارة وإذا كنت تريد أن تذهب في طريق متواصل أو تدخل طرقا أخرى فهذا من حقك، لكن الذي ليس من حقك أن تمنع مواطنا من ركوب هذه السيارة.. فالنخبة في الأغلبية أخطأت بالإقصاء، والنخبة في المعارضة أخطأت في عدم الإصرار على وضع الدستور أولا. لو كنا فعلنا ذلك كان يمكن في هذه الحالة تحمل الرئيس مرسي أو غيره حتى لو أخطأ أربع سنوات، لأنه لن يستطيع الخروج عن إطار معين. كل دول العالم رؤساء وملوكا لها تاريخ من القيادات التاريخية العظيمة، ولها تاريخ أيضا من القيادات الأقل حكمة ونجاحا. وما دامت هناك رؤية سياسية كاملة في شكل دستور أو غير ذلك تتحمل الدولة الإنجاز العظيم وتستفيد منه وتتحمل أيضا الإخفاق. أكبر مشكلة في النخبة في الأغلبية الإقصاء، وفي الأقلية عدم ترتيب الأمور بشكل سليم.

وكل هذا جاء في مرحلة تاريخية مجتمعية حساسة، المجتمع نصفه أقل من 25 عاما يريد تعريف هويته في المستقبل. كل هذا جاء مع بعضه، ويضاف إلى ذلك أن المنطقة ككل تمر بضغوط وتقلبات وتوترات ومؤامرات.. أي أن الوضع كله مشتعل.

* يلاحظ تغير المصريين.. فظاهرة رفع علم البلاد فوق المنازل جديدة، وهناك تغير في الشخصية المصرية، وإذا كان هناك تغير مجتمعي فالمعروف أن هذه الأشياء تأخذ وقتا طويلا بتقلبات خلالها.. بالنسبة للحالة المصرية إلى أي مدى في رأيك ستؤثر تقلبات المراحل الانتقالية على المصالح الاستراتيجية والحيوية لمصر، مثل قضية مياه النيل التي أثيرت في لحظة ضعف مصرية؟

- أولا لا بد من الاعتراف بأن الوضع الداخلي المصري سيكون له تأثير على فعالية مصر خارجيا.. هذا أول شيء، والشيء الآخر إذا أردنا أن نتحرك خارجيا فلا يمكن الانتظار إلى أن ننهي مشاكلنا الداخلية، إنما في الوقت نفسه مهما فعلنا سنتأثر خارجيا بالوضع الداخلي.. إذن ما هو المطلوب؟ التطور الديمقراطي يأخذ وقتا والاستقرار يأخذ وقتا، وفي اعتقادي أنه في مصر لن يأخذ الوقت الذي مرت به دول أخرى أوروبية أو أخرى في الماضي مثل 50 أو 60 عاما وخلافه.. العصر هذا مختلف في سرعة تغييراته وفي المعلومات، لكن سنشهد تقدما ثم كبوات، وتقدما ثم كبوات، ومرور بعض الوقت. إذا استقرت الأمور أمنيا وبدأت تستقر اقتصاديا فليست هناك مشكلة في استعادة موقع مصر الخارجي إلى أن نصل إلى المعادلة المتكاملة السياسية من حيث الديمقراطية إلى آخره. أنا في الحقيقة لست متشائما على المستوى الخارجي ما دامت الأمور استقرت أمنيا، إنما أريد أن أنظر إلى الموضوع بشكل مختلف.. لا توجد دولة في الشرق الأوسط إذا تعرضت لما تعرضت إلى ما تعرضت إليه مصر تكون محط اهتمام عالمي كما حدث مع مصر. شهدنا ما حصل في إيران وكان محل قلق من البعض، إنما ليس بنفس حجم مصر. إذن ما يتم في مصر فيه جوانب إيجابية كثيرة إلى جانب الجوانب السلبية منه وهي عدم الاستقرار والضحايا إلى آخره.

الإيجابي هو أن الكل يعلم حاليا أن هناك صحوة مجتمعية مصرية، إذن هناك إيجابية جديدة لم تكن موجودة من خمس سنوات أو كانت موجودة وتتضاءل مع الوقت. هناك ميزة للاستقرار إنما هناك أيضا ثمن للركود.. هناك تكلفة للصحوة إنما هناك مردود لها أيضا. أنا أعتقد أن فعالية مصر كطرف في الساحة الدولية تزداد الآن بدلا من أن تقل.. لماذا؟ لأن الكل يعلم الآن أن نجاح هذه التجربة ستكون له نتائج إيجابية، وفشلها ستكون له عواقب. إذن الكل يريد أن يعرف حتى يعلم نتائج النجاح والفشل. مصر ستنشط وستستقر داخليا إن شاء الله من دون إطالة، وستنشط خارجيا في المستقبل القريب، وسينعكس ذلك على موقفها خاصة مع استقرار الوضع الأمني، ونحن في الخارجية نعتزم طرح منهجية مختلفة عما شهدناه العام الماضي.. أول شيء سنعود إلى الجذور الطبيعية للهوية المصرية وهي هوية عربية وجذورها أفريقية. انطلاقتنا ستكون أرضية عربية أفريقية، إذن يترتب على ذلك أننا سنهتم بالعلاقات العربية، نعظم الجانب الإيجابي منها والتاريخي والتقليدي منها، وإذا كانت هناك مشاكل أو اضطرابات سنحاول إدارة هذه الملفات إدارة حسنة، وسننظر إلى السياسات الاستراتيجية ليس من منطلق فعل ورد فعل، فالعلاقات الدولية أعقد وأهم من هذا لأنها ترتبط بالأمن القومي للبلاد.. قد أختلف مع شخصية معينة هنا أو هناك، إنما لن نسمح بأن تؤثر هذه الخلافات في المصلحة السياسية العامة، ولن نسمح أيضا بالمساس بالكرامة المصرية أو المصلحة المصرية على المدى القصير. أعطيك مثالا بشأن الموضوع الخاص بالمياه، وبالتحديد ما هو دائر بخصوص سد النهضة، فنحن نتمسك بشدة وبقوة بحق مصر التاريخي في المياه، إنما سنعمل بنفس الجدية لإيجاد حلول توفر لإثيوبيا تطلعاتها التنموية والاقتصادية.. المسألة ليست هذا أو ذلك، المسألة أين الحق وأين المصلحة. سنسعى إلى تحقيق الحق والمصلحة.

أيضا لن نجد استقرارا في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام إذا شهدنا المزيد من محاولات التقسيم في العالم العربي. القضية السورية مهمة جدا.. العلاقات الخليجية مع إيران مهمة جدا بالنسبة إلى مصر.. ناهيك عن عملية السلام.

* في الموضوع الإثيوبي كانت هناك تصريحات متضاربة وقت الحكومة السابقة تجعل المتابع لا يعرف الحقيقة من الشعارات في قضية المياه وسد النهضة؟

- أولا كما ذكرت المسألة هي في أسلوب التفكير، وأول شيء فعلته بعد تسلمي العمل في قضية سد النهضة بالتحديد تشكيل مجموعة لمعرفة حقيقة القضية وما هي المخاطر الحقيقية وما حجمها وما هو المطلوب، بحيث إننا عندما نتحدث مع طرف أو آخر نتحدث عن وقائع وأشياء ملموسة، ونواجه المخاطر ونحاول أن نستجيب لبعض الاهتمامات والمصالح.. وستكون هناك منهجية علمية في التعامل الخارجي المصري، ونرجو أن يترتب على ذلك مع الوقت توافق على الأقل في تصريحات المسؤولين. قد يكون هناك طرف خارجي له رأي، لكن على الأقل يجب أن يكون هناك توافق في المصداقية في المعلومات، ثم كل واحد حر في تفسيره ورأيه في السياسات.

* على الصعيد العربي هناك حالة استقطاب حادة حول المشهد المصري.. كيف تنظرون إلى ذلك؟

- مصر بل المجتمع العربي كله يمر بمرحلة انتقالية تتعلق بتحديد الهوية. الشعب العربي يريد تعريف شخصيته للمرحلة المقبلة، ونحن نعيش في عصر المعلومات، فما نشهده في أي بقعة يتم تداوله خلال لحظات في المشرق والمغرب، وهكذا فلا محالة من أن نتفاعل مع ذلك على محورين، الأول قبول أن هذه المرحلة من التاريخ السياسي مرحلة حراك، وسيكون هناك رأي ورأي آخر. والحديث عن تطابق المواقف شيء عبثي عمره ما كان سليما في الماضي وليس سليما الآن حتى داخل الدولة الواحدة، ناهيك عن الوضع بين دولة وأخرى. إذن أن تكون هناك اختلافات في الرؤى شيء إيحابي وليس سلبيا ما دامت لن تكون متصادمة.. الشيء الآخر وارتباطا بذلك علينا توضيح ساحة المعلومات، فكلما كانت الحكومات صادقة ستكون لها مصداقية. قد تختلف معها في الرأي إنما ليس في المعلومات. أنا التزمت منذ اليوم الثالث لتولي وزارة الخارجية وعقدت مؤتمرا صحافيا، ووضعت على المائدة على المكشوف أهدافنا في الأشهر التسعة المقبلة، وأولوياتنا، وأسلوب التفكير، والمحاور التي سنعمل عليها، وسأحاسب على ذلك لأني أعلم أننا نعيش في مجال مكشوف.

وترجمة ذلك واقعيا ومن خلال السياسات في رأيي بالعودة إلى الأرضية العربية والأفريقية، حيث إننا سننمي العلاقات مرة أخرى، وننشط علاقاتنا الاستراتيجية التقليدية. وحاليا حصل بكل أمانة رد فعل مشكور من عدد من الدول الخليجية كالسعودية والإمارات والكويت.. أيضا كان هناك دعم سياسي من الأردن، وهذا هو قلب العالم العربي. وقد كانت دائما هناك مصر والسعودية وسوريا، لكن الأخيرة في اضطرابات حاليا. أيضا يجب أن نمد أيدينا إلى شمال أفريقيا. والحديث عن تقسيم العالم العربي أمر عبثي خاصة عندما تقسم العالم العربي ارتباطا بدول خارج العالم العربي، فهذا شيء أيضا ساذج.

* هذا حاصل واقعيا؟

- العالم العربي أصبحت جذوره قوية، لكن قامته تحتم علينا استعادة هذه القامة بالعمل الحقيقي، وبالمصالح الحقيقية وليس الشعارات، والتحاور مع الآخرين.. والمؤكد أن هذا ليس سهلا.

* أيضا نشهد استقطابا طائفيا في المنطقة وحديثا عن حزام شيعي وآخر سني.. لماذا؟

- لأن المحاور الرئيسة التي كان يقوم عليها العالم العربي تنفصل عن بعضها، وهذا شجع آخرين من دول مجاورة للعالم العربي ومن دول من خارج العالم العربي، فنحن ضعفنا. العالم العربي مجتمع قديم طوال تاريخه معرض لأشياء، وعندما يكون ضعيفا يكون لآخرين تأثير أكبر عليه. لكني أعترف بأن هناك تحديات كثيرة جدا، وأعلنت صراحة أنني لا أعتقد أننا في الأشهر التسعة المقبلة، وهي عمر الحكومة الانتقالية، سننجح في تجاوز كل هذه المشاكل. ما سنفعله وما أسعى إليه هو وضع الأرضية السليمة لإقامة سياسة خارجية مصرية سليمة واقعية على أساس معلومات ومصالح محددة ورؤية مستقبلية حتى لا يكون موقفنا مجرد رد الفعل لأحداث وتحركات الغير.

* لو انتقلنا على الصعيد الغربي، وهو متداخل جدا مع الوضع المصري، طبعا الانطباع الغربي وهو انطباع تقليدي يأخذ موقفا حذرا من تدخل الجيش في الحياة العامة، وهناك جدل حول ما حدث في 30 يونيو.. ما هي الرسالة التي توصلونها إلى الغرب، وهل تشعرون بنجاحكم في ذلك؟

- قبل أن أجيب عن السؤال تأكيدا على ما ذكرته ستكون أولى جولاتي الخارجية عربية أفريقية، ليس كمظهر ولكن كواقع لأن هذه هي أولويات السياسة الخارجية المصرية. وبالنسبة إلى الغرب أغلب الساحة الإعلامية الدولية مصادرها ومنابعها غربية، حتى لو تذاع في الشرق، وهناك مصالح غربية كثيرة جدا في العالم العربي وفي مصر، والغرب يعلم جيدا أن ما يحدث في مصر يؤثر على العالم العربي، وهناك اهتمام بما حدث، والغرب الديمقراطي تقليديا يرى أن أي سياسي منتخب يمثل الديمقراطية، وأي تحرك للقوات المسلحة يتنافى مع الديمقراطية، والحقيقة أنه لا هذا صحيح ولا الآخر صحيح. المنظومة الديمقراطية تشمل الانتخابات وتشمل مدنية الدولة، هذا صحيح لكن هناك قيادات أوروبية عديدة في الماضي انتخبت ثم حكمت حكما غير ديمقراطي وكانت صاحبة كوارث ضخمة.

ما حصل في مصر وضع استثنائي.. ثورتان في سنتين ونصف السنة.. في الحالتين تحرك الشعب أولا ثم تحرك الجيش ثانيا. في الحالة الأولى الرئيس تنحى والجيش استمر يدير البلاد نتيجة لذلك لمدة عام أو عام ونصف العام.. في الحالة الثانية الرئيس رفض التنحي والجيش سلم السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية وفقا للتقاليد الدستورية. ففي غياب رئيس مجلس الشعب يصبح رئيس المحكمة الدستورية هو المؤهل لهذه الولاية، ونحن الآن نضع خريطة طريق للعودة إلى المؤسسات الديمقراطية كاملة. بكل بصراحة ما نقوله للغرب أولا أنه كان هناك تهديد للأمن القومي المصري، تهديد لا يمكن السكوت عليه، وكل دول العالم عندما تهدد في أمنها القومي تتخذ إجراءات طبيعية أو استثنائية، والأمثلة كثيرة.

التهديد كان يمس الهوية، والشخصية المصرية كانت هناك محاولة لتغييرها وإقصائها لصالح هوية أخرى.. ما شهدناه هو حراك شعبي.. تحرك الشعب مرتين، وتدخل الجيش كانت نتيجة لذلك، هذا هو الخيار المصري للغالبية العظمى للمصريين، وإذا رضي به المجتمع الدولي فهذا يسعدنا، وإن لم يرض المجتمع الدولي فنحن نسير في الطريق السليم، فقد تم وضع خريطة طريق. ولم تضع هذه الخريطة القوات المسلحة وإنما وضعت من قبل التيارات السياسية مع القوات المسلحة، وتم إقرارها بالاتفاق مع الشباب والتيارات السياسية المختلفة والأزهر والكنيسة، ونحن نعترف بأننا في مرحلة استثنائية.

* ماذا عن تركيا ومواقفها؟

- هناك عدد من الشخصيات في تركيا يتعاملون مع هذه القضية تعاملا آيديولوجيا.. وهذا خطأ كبير، ويتجاوزون في أحاديثهم بشكل أقول بكل صراحة إنه غير مقبول. مع هذا الرد هو أن صوت الشعب أعلى من صوت أي طرف خارجي، فنحن ننظر إلى العلاقات مع أي دولة بما فيها تركيا على مستوى استراتيجي، لكن صوت الشعب سيكون هو الصوت المسموع أولا وأخيرا. ثانيا اتصالا بذلك سنعمل مع دول العالم على مستوى استراتيجي، وإذا كانت هناك تجاوزات مستمرة فسيكون لها تأثيرها على المصالح في مرحلة معينة إنما على المدى الطويل، وأثق تماما أن العلاقات ستكون مستقرة بين البلدين.

* السؤال الاخير، عندما سمعت عن الرغبة في تكليفك ضمن الحكومة الانتقالية، وهي مهمة صعبة وفي وقت دقيق، هل ترددت.. وكيف كان رد فعلك؟

- هذه حكومة انتقالية تتحمل مسؤولية تاريخية: استقرار البلاد وتحقيق التوافق الوطني ووضع الأرضية الديمقراطية السليمة لمصر المستقبل.. كل هذا في 9 أشهر. سبق أن طلب مني تحمل هذه الوظيفة ثلاث مرات قبل ذلك واعتذرت على مدى سنوات عديدة ماضية، مرة في عهد مبارك ومرتين بعد ذلك، لأنني بكل صراحة غير مهتم بالمناصب ولا بالتواصل المستمر في إطار الحكومة، رغم أنني تشرفت بتمثيل مصر في الخارج وسعدت بذلك كثيرا. هذه المرة عكس كل المرات، لم أستطع التفكير أو التردد بالتحديد للسبب الذي طرحته في السؤال، أن هذه مرحلة بالغة الحساسية اعتبرتها تكليفا وطنيا، وكانت إجابتي عكس توقعات الكثيرين.. قلت «حاضر»، وجئت للعمل سريعا وأنا أعلم جيدا أن التحدي قاس، إنما هي مسؤولية وطنية لا بد أن نتحملها.