المالكي يستنفر قواته الأمنية لقمع مظاهرة شبابية في ساحة التحرير

عراقيون طالبوا بمجابهة الإرهاب فتصدت لهم الحكومة بالمدرعات

قوات عسكرية سيطرت على ساحة التحرير بعد قمعها لشباب عراقيين كانوا يتظاهرون في الساحة أمس ويبدون في الإطار («الشرق الأوسط»)
TT

شهدت شوارع مؤدية إلى ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، فجر أمس أوسع انتشار أمني لها منذ ما يقارب عشر سنوات، أغلقت فيه الشوارع والفروع المؤدية للساحة، وتوزع ما يقارب الألف عنصر أمني فيها مع مدرعاتهم وأسلحتهم، وذلك لأجل منع وتفريق مظاهرات شباب عراقيين حملوا الورود ورفعوا أعلاما عراقية ولافتات تندد بتدهور الأوضاع الأمنية في البلاد والفساد المستشري ووقف نزف الدماء العراقية ومحاسبة المقصرين من الجهاز الأمني.

وكان طلاب جامعات وناشطون مدنيون نظموا حملة بدأت في موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، من خلال صفحة «العراق ينتفض» وجمعت خلال فترة قصيرة جدا أكثر من عشرة آلاف مشترك، بعد موجة من الانفجارات التي شهدتها البلاد الأسبوع الماضي، وراح ضحيتها أكثر من ألف ضحية خلال شهر يوليو (تموز)، وفقا لما أظهرته أرقام الأمم المتحدة ووزارات الدفاع والداخلية والصحة في العراق، أول من أمس، وهو أعلى معدل رسمي لقتلى أعمال العنف في شهر واحد منذ أبريل (نيسان) 2008.

وانتشرت في المنطقة المحيطة بالمنطقة الخضراء والقريبة من ساحة المظاهرات (التحرير) حشود من المدرعات العسكرية والأجهزة الأمنية وقوات الجيش والشرطة ومكافحة الشغب وقوات سوات وغيرها، وأغلقت جميع المداخل والمخارج، ومنع الناس من التجمع أو فتح المحال أو التصوير حتى ولو من هاتف جوال، وبدت ساحة التحرير كأنها ساحة حرب لم يعلن عن أسماء الخصوم فيها، والمفارقة أن نحو 50 سيارة إسعاف اصطفت بين المدرعات الأمنية، وهي المعروفة لدى شباب المظاهرات بمساندتها القوات الأمنية في مواجهتها لتكميم أفواه المتظاهرين واحتجازهم.

«الشرق الأوسط» كانت، ومنذ وقت مبكر، قرب ساحة التحرير، حيث تم منع مراسلتها وبقية وسائل الإعلام من الاقتراب من الساحة أو التقاط الصور أو إجراء الأحاديث التلفزيونية، يقول الناشط المدني بهاء كامل أحد المشاركين في المظاهرة في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «القوات الأمنية أغلقت جميع الطرق المؤدية لساحة التحرير (مكان المظاهرة)، ولغمتها بالمدرعات والعناصر الأمنية، كذلك سيارات الإسعاف، ومنعتنا من الوجود وطالبتنا بالتفرق بالقوة والترهيب معا، بحجة عدم الحصول على الموافقات الأمنية». وأضاف: «كان عددنا ساعة التجمع في الصباح الباكر نحو مائة شاب وشابة، البعض حضر من المحافظات القريبة، ولولا إجراءات المنع الصارمة لانضم لنا العشرات، لكنهم منعونا حتى من مواصلة الاحتجاج بالطرق السلمية ونحن لا نحمل سوى الأعلام العراقية واللافتات المطالبة بتوفير الأمان للشعب العراقي».

في حين أكد عامر مؤيد، ناشط مدني أن «القوات الأمنية قامت باعتقال ستة متظاهرين من الشباب بحجة إجراء المفاوضات معهم واستصدار موافقات المظاهرة، إضافة إلى محاسبة كل من يصور المظاهرة وكسر كاميرته أو الهاتف الجوال التابع له وسحب هويته التعريفية».

بينما قالت الناشطة المدنية ريا عاصي، وعبر صفحتها في «فيس بوك» إنه «من غير المعقول أن دولة مدججة بالسلاح وتسكن في قلعة محصنة تخاف من شباب يحملون الزهور ويحبون العراق».

وقال جاسم الحلفي عضو المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي إن «القوات الأمنية في ساحة التحرير تعاملت بالعنف المفرط مع اعتصام الشباب السلمي في ساحة التحرير، وفضت الاعتصام بالقوة، واعتقلت خمسة شباب، على الرغم من أن شعار النشاط هو التنديد بالعنف والإرهاب في العراق!».

متظاهرو ساحة التحرير رفعوا لافتات طالبت بالأمان للعراق، ومحاربة قوى الشر والإرهاب، ورددوا هتافات: «بالروح بالدم نفديك يا عراق ويا جيش يا سور الوطن لا تصير ويه الظالم»، في إشارة إلى مطالبة عناصر الجيش بعدم التعرض لمطالبات الشعب واحترام رغباته.

وتقول الناشطة المدنية، نور علي: «إن الحكومة صارت تخشى شعبها، وهي تقف مع التفجيرات اليوم وتطلق سراح إرهابييها من السجون؛ فبدلا من أن تعزز الأمان وتحارب الإرهاب، صارت توجه أجهزتها الأمنية لمواجهة الشعب والانتصار عليه وترهيبه، بعد أن فشلت في مواجهة الإرهاب».

أما الناشط المدني فوزي البريسم فقال: «مع الأسف جيشنا وقواتنا الأمنية أبطال وأقوياء أمام مجموعة من الشباب تدعو للسلام والأمان وترفض الإرهاب»، وتساءل قائلا: «ألا يمكن التعلم من جيش مصر البطل وقواته الأمنية التي قدمت أعظم تجربة إنسانية بوقوفها مع الشعب ضد التخلف والقمع؟». وحاولت «الشرق الأوسط» خلال إعداد التقرير الاتصال بالمتحدث الرسمي لوزارة الداخلية العميد سعد معن، ومعرفة ردهم حول ما حصل في مظاهرة الشباب في ساحة التحرير، لكن مدير مكتبه الشخصي رد على الاتصال بالقول إن «سيادة العميد ووفدا من الداخلية في واجب خارج البلاد»، في حين تعذر الحصول على مصدر حكومي ورسمي بشأن قمع المظاهرات أمس حتى ساعة إعداد التقرير.