المئات من عناصر ميليشيات «اللجان الشعبية» يتمردون ضد قوات الأسد

آثروا «الحياد» بعد اعتقال اثنين من زعمائهم.. ووقف دفع مرتباتهم

TT

انسحبت عناصر من اللجان الشعبية، قدرت أعدادها بالمئات، في منطقة جرمانا في ريف دمشق، من حواجزها وسلّمت أسلحتها إلى القوات النظامية السورية، فيما بدا أنه «تمرد جماعي» على النظام في هذا الحي الذي تسكنه أغلبية درزية، من غير أن تحدد خلفية «التمرّد»، رغم أن مصادر المعارضة السورية قدمت 3 روايات عن الأسباب والدوافع.

واللجان الشعبية، ميليشيات تقاتل إلى جانب قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد وإلى جانب ما يعرف شعبيا بميليشيات «الشبيحة»، وأغلب عناصرها من البعثيين.

وقال النقيب علاء الباشا، القائد الميداني في الجبهة الجنوبية في الجيش السوري الحر لـ«الشرق الأوسط»، إن 40% من عناصر اللجان الشعبية في جرمانا «سلمت أسلحتها للنظام السوري»، مشيرا إلى أن عدد المنضوين تحت لواء اللجان الشعبية «كان يصل إلى 2300 شخص قبل بدء الانسحابات».

ولم تعرف الأسباب الحقيقية وراء انفراط عقد هذه المنظومة الأمنية المحلية المعروفة بتأييدها للنظام السوري، فيما يؤكد وجهاؤهم أنهم اختاروا الحياد تجاه طرفي النزاع السوري. وتعددت الروايات حول دوافع تسليم أسلحتهم للنظام، فقد ذكرت مصادر المعارضة السورية أن الخطوة جاءت بعد اعتقال القوات النظامية لزعيم اللجان الشعبية حسين شعيب في الحي لأسباب مجهولة، ما دفع بأنصاره إلى إطلاق النار في جرمانا، وإعلان عصيان أمني، مطالبين بالإفراج عنه.

ويلتقي جانب من هذه الرواية مع رواية أخرى، نقلتها شبكة «ياسمين الشام الإخبارية»، إذ أشارت إلى أن الخطوة جاءت في أعقاب «اعتقال عدة عناصر وقيادات من اللجان الشعبية على أيدي الحرس الجمهوري السوري». وزعمت أن بعض تلك العناصر «رفضت الاستمرار في مهمة دعم ومساندة الجيش السوري ضد المعارضة بسبب عدم تسلمهم رواتبهم».

لكن النقيب علاء الباشا، عضو المجلس الثوري العسكري الأعلى في دمشق، نفى أن تكون قضية الرواتب حافزا للانسحاب، قائلا: إن «(الشبيح) يتقاضى مبلغا لا يتجاوز الـ10 آلاف ليرة سورية، ما يعادل 50 دولارا تقريبا شهريا، وهو لا يكفيه لشراء الخبز، لافتا إلى أن عناصر تلك اللجان «يعتمدون على السرقة والاستحواذ على الغنائم، وهو ما يفوق رواتبهم الشهرية بأضعاف»، معتبرا أن كل تلك الأسباب «مجرد تبريرات».

وقال الباشا لـ«الشرق الأوسط» إن «تمرّد» اللجان الشعبية في جرمانا، جاء على خلفية «رفض الدروز تحويل منطقتهم إلى منطلق للقصف على الغوطة الشرقية»، لافتا إلى أن «القوات النظامية، أرادت أن تضع راجمة صواريخ لقصف الغوطة الشرقية من داخل جرمانا، وهو ما اعتبره أهالي الحي انقلابا على اتفاقات سابقة بتحييد الطائفة ومناطقها من الحرب السورية».

ويقيم في جرمانا نحو 150 ألف سوري، أغلبهم من الطائفية الدرزية. ويستضيف الحي آلاف النازحين السوريين من مناطق ريف دمشق، وينتشر فيه عدد كبير من الحواجز المحلية التابعة للجان الشعبية التي أعلن عن تشكيلها العام الماضي في سوريا.

وقال الباشا إن «هذا التغير في الموقف الاستراتيجي النظامي، جاء بعدما سيطر الجيش الحر على الجسر الخامس القريب من جرمانا، في طريق محاولتنا قطع طريق دمشق الدولي». وأضاف: «طرأ تغيير على المعركة الممتدة من الغوطة الشرقية إلى المطار دمشق، ما دفعه لاستخدام منصات في جرمانا، كما قيل إنهم اعتقلوا بعض وجهاء الشبيحة في جرمانا وقياديين في اللجان الشعبية على ضوء رفضهم السماح لاستخدام الحي قاعدة للقصف». وقال النقيب الباشا إن «أبناء الطائفية الدرزية في جرمانا، أرادوا منذ بدء الحرب في دمشق، أن تكون منطقتهم محايدة مثل محافظة السويداء».

ويتوزع الدروز في دمشق وريفها على منطقتين رئيسيتين، هي جرمانا وصحنايا قرب داريا. والتزمت هذه المناطق مبدأ الحياد تجاه الأزمة، بل مال معظم الدروز إلى تأييد النظام السوري، رغم دعوات زعماء دروز، ومنهم اللبناني وليد جنبلاط، إلى عدم القتال إلى جانب النظام. وتعرضت منطقة جرمانا عدة مرات لقصف مدفعي بقذائف الهاون، كما استهدفت بسيارات مفخخة، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى.

وتزامن تمرد اللجان الشعبية في جرمانا، واعتقال الزعيم حسين شعيب الذي ظهر في وسائل الإعلام أكثر من مرة، مع اعتقال زعيم آخر في حي التضامن بدمشق. وقالت مصادر المعارضة السورية إن المخابرات التابعة للنظام اعتقلت فهد الشحمة في حي التضامن على خلفية مسلكية، حيث اتُهم بعمليات النهب، والقيام بتصرفات فردية لم تحدد طبيعتها.

وتتواجد اللجان الشعبية في معظم أحياء دمشق العاصمة، وفي مناطق من ريف دمشق، بعدما أعلن النظام السوري عن تشكيلها كلجان محلية لحماية المناطق التي يعيشون فيها من هجمات المعارضة. وفي ريف دمشق، يسيطر عناصر اللجان الشعبية على جرمانا وضاحية قدسيا ومزة 86 وصحنايا، فيما تسيطر داخل العاصمة على أحياء مشروع دمر وضاحية الأسد وحي تشرين وحي الميدان وحي الجورة في قلب دمشق.

وتقول مصادر المعارضة إن اللجان الشعبية تتفاوت أحجامها، بحسب المنطقة التي تسيطر عليها وطبيعة مهامها، علما بأن هذه اللجان تتواجد في أحياء تسكنها الأقليات من الطوائف السورية، مثل أحياء العلويين والشيعة والدروز والمسيحيين، ومعظمهم مؤيدون للنظام السوري.

وتتنوع تسميات التشكيلات المدنية المؤيدة لنظام السوري، وتقاتل إلى جانب القوات الحكومية، بين «الشبيحة» و«اللجان الشعبية». ومع وصول المعارك إلى دمشق، برز دور اللجان الشعبية التي تتشكل، بحسب معارضين، من البعثيين، ويتوزعون في محافظات الساحل مثل طرطوس واللاذقية، وحمص، ودمشق، فيما يغيبون عن إدلب وحلب ودير الزور.

المهمة المعلن عنها لهؤلاء، هي إحصاء عدد القتلى والجرحى ورصد الأضرار، فضلا عن حماية الأحياء وإقامة حواجز للتدقيق بالمارة. ويقول مصدر بارز في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إنه في بعض الأحياء الدمشقية: «يدخلون بعد تطهير القوات النظامية للأحياء، لكنهم لا يواكبون القوات النظامية أثناء العملية». وقد سلحهم النظام السوري بالبنادق الآلية الروسية (كلاشنيكوف) والـ«بكومب أكشن»، فضلا عن بعض الأسلحة الرشاشة المتوسطة في الآونة الأخيرة، ويبدأون معارك دفاعية ويقدمون معلومات للقوات الحكومية.

وتتفاوت التقديرات حول أعدادهم، لكن المعارضة تشير إلى أن أعداد اللجان الشعبية «تقترب من أعداد القوات النظامية التي تقاتل في دمشق وريفها، وتفوقها في بعض الأحيان». وتضيف: «تحول كل زعيم شارع إلى مقاتل، يأمر وينهى في تفتيش الدخلاء، ويمتلك السلطة تنفيذ أوامره في الشارع، بحجة حماية الأحياء». وتشير المصادر إلى أن «عناصر الجيش الحر يعرفونهم بالأسماء، ذلك أنهم يقيمون في مناطق متداخلة، وكانوا أساسا من البعثيين، أو من رجال الأمن السابقين، أو رجال المخابرات المعروفين، بحيث لا يُخفى أي شيء في الأحياء الدمشقية».