«النهضة» التونسية توافق بتحفظ على تعليق جلسات البرلمان وتدعو إلى الحوار

مراقبة المحلات التجارية الكبرى تحسبا لأعمال إرهابية خلال أيام العيد

تونسيون يتظاهرون ضد حركة النهضة في العاصمة تونس الليلة قبل الماضية (أ.ب)
TT

أعلنت حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس أمس (الأربعاء) موافقتها بتحفظ على قرار مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي (البرلمان) تعليق أشغال المجلس إلى أجل غير مسمى بهدف إجراء «حوار وطني» لإخراج البلاد من أزمة سياسية أججها اغتيال نائب معارض الشهر الماضي.

وقالت الحركة في بيان أصدره رئيسها راشد الغنوشي: «رغم تحفظنا على هذه المبادرة من الزاوية الشكلية والقانونية، فإننا نأمل أن تشكل حافزا للفرقاء السياسيين للجلوس إلى طاولة الحوار والوصول إلى الحلول التوافقية المطلوبة في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها بلادنا، والتي لا تخلو من مخاطر أمنية وتحديات اقتصادية جمة»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وأكدت الحركة استعدادها «الكامل للتفاعل مع سائر المبادرات المطروحة في الساحة بهدف الخروج من الأزمة الراهنة في إطار احترام إرادة الشعب التي عبر عنها في انتخابات حرة نزيهة أجريت يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وضمان الحرص على عدم إطالة المرحلة الانتقالية».

من جهتهم، اعتبر بعض السياسيين القرار «قفزا في قارب النجاة قبل غرق المركب» تحت ضغط المتظاهرين والمعتصمين في ساحة باردو المقابلة لمقر المجلس، في حين اعتبره آخرون قرارا «يخدم مصالح المنادين بالشرعية» بعد أن تجنب بن جعفر حل المجلس تحت ضغط الشارع وأرجأ أمر حسم المعركة إلى فترة ما بعد عيد الفطر.

وحول قرار بن جعفر، قال قيس سعيد، الخبير في القانون الدستوري لـ«الشرق الأوسط» إن القرار القاضي بتعليق أشغال المجلس إلى حين انطلاق حوار وطني شامل يجمع كل الفرقاء السياسيين، يعد قرارا غير قانوني لأن بن جعفر على حد قوله عضو من أعضاء المجلس التأسيسي انتخب من قبل زملائه النواب للإشراف على أشغال المجلس وليس من حقه اتخاذ مثل ذاك القرار الفردي.

وأضاف سعيد أن القرار اتخذ بصفة شخصية وهو قرار سياسي وليس إداريا، وذلك لانتفاء أي نص قانون سواء بالنسبة للقانون المنظم للسلط (الدستور الصغير) أو القانون الداخلي للمجلس التأسيسي يمكن رئيس المجلس من تعليق أنشطته بصفة مفتوحة ودون تحديد أي سقف زمني.

وأشار سعيد إلى إمكانية اتخاذ قرار تعليق أشغال المجلس التأسيسي من قبل الجلسة العامة وهو ما لم يحدث لانسحاب 60 نائبا ومقاطعتهم أشغال البرلمان. وعن تأثير هذا القرار على أعمال المجلس لاحقا وعلى تزايد الضغوطات المطالبة بحل المجلس التأسيسي وإسقاط الحكومة، قال سعيد إن ما ستؤول إليه العلاقة بين الحكومة والمعارضة يبقى رهين مواقف تلك الأطراف ودرجة نضجها السياسي وسعيها لإنقاذ مرحلة الانتقال الديمقراطي.

وكان مصدر من وزارة الداخلية التونسية قد أشار إلى أن أكثر من 100 ألف تونسي شاركوا في الاحتجاجات التي نظمت يوم 6 أغسطس (آب) الحالي للمطالبة بإسقاط الحكومة، وحل المجلس التأسيسي والكشف عن قتلة القيادي اليساري شكري بلعيد. وفي نفس السياق خرجت مظاهرة لدعم الشرعية والحفاظ على الوحدة الوطنية نظمتها حركة النهضة والأطراف المناصرة لها يوم السبت الماضي بمشاركة قرابة 750 ألف تونسي حسب مصادر مقربة من حركة النهضة.

ويتواصل في تونس انقسام الساحة السياسية بين «شرعية الصندوق» و«شرعية الشارع»، ولم تنجح مبادرات الحوار وحماية المسار الديمقراطي من ضخ دماء جديدة في المشهد السياسي التونسي. وتتمسك أحزاب المعارضة بمطالب حل المجلس التأسيسي وإسقاط الحكومة وتؤكد أنها ستواصل الاعتصام في ساحة باردو المقابلة لمقر المجلس التأسيسي خلال أيام العيد. وكانت حركة النهضة قد أبدت استعدادها من خلال تصريحات أدلى بها راشد الغنوشي رئيس الحركة لاستفتاء الشعب التونسي حول الخلاف السياسي بين الحكومة والمعارضة.

وفي هذا الشأن، قال سعيد إن اللجوء لاستفتاء التونسيين سيطيل المرحلة الانتقالية وسيتطلب أشهرا للإعداد والتنفيذ وهو ما لا يخدم مسار الثورة التونسية. وأشار سعيد إلى غياب نصوص قانونية تنظم الاستفتاء وهو ما سيطيل العملية أكثر.

ومن ناحيته، رحب حمة الهمامي، القيادي في تحالف الجبهة الشعبية المعارض بفكرة الاستفتاء الذي دعت إليه حركة النهضة وقال بمناسبة إحياء ذكرى مرور ستة أشهر على اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد التي نظمت الليلة قبل الماضية وتواصلت حتى فجر يوم أمس: «هم هددونا بالاستفتاء ونحن نقبل بإجرائه، لكن شريطة أن يكون تحت إشراف حكومة إنقاذ وطني وأن تكون حركة النهضة خارج الحكم». وتابع الهمامي موضحا: «يجب أن نعلن بعد العيد عن تكوين حكومة إنقاذ ومجلس إنقاذ ونعلن رسميا عن حل المجلس الوطني التأسيسي وجميع الهيئات المنبثقة عنه، وخصوصا أن شرعيته انتهت منذ 23 أكتوبر 2012». وأضاف أن «هذا المجلس (البرلمان) الذي كلف بكتابة الدستور انقلب على الشرعية وخان الأمانة»، على حد تعبيره.

في غضون ذلك، جهزت المحلات التجارية الكبرى بآلات الكشف اليدوي عن المتفجرات بهدف مراقبة حقائب وأمتعة المرتادين إليها تحسبا لأعمال إرهابية خلال أيام العيد. وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن أجهزة الكشف عن المتفجرات ستشمل لاحقا مداخل النزل والمطاعم الفاخرة وفضاءات اللعب المخصصة للأطفال ومداخل مآرب السيارات ومحطات النقل العمومي وكذلك المساجد.

وأضافت نفس المصادر أن العمل بهذه الآلات انطلق بداية هذا الأسبوع، وهو يطبق لأول مرة في البلاد تحسبا لانتقال الأعمال الإرهابية من مناطق الشعانبي (وسط غربي تونس) إلى المناطق السكنية.